موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: التَّواضُعُ وتَركُ الكِبْرِ


يَجِبُ على الرَّئيسِ أن يَكونَ مُتَواضِعًا لمرؤوسيه، غَيرَ مُتَكَبِّرٍ عليهم ولا مُحتَقِرٍ لَهم.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18] .
ذَكَر لُقمانُ رَضِيَ اللهُ عنه لابنِه الآدابَ في مُعامَلةِ النَّاسِ؛ فنَهاه عَنِ احتِقارِهم، وعَنِ التَّفاخُرِ عليهم، وهذا يَقتَضي أمرَه بإظهارِ مُساواتِه مَعَ النَّاسِ، وعَدَّ نَفسِه كواحِدٍ مِنهم، فيَقولُ: لا تُمِلْ خَدَّك وتُعرِضْ بوَجهِك عَنِ النَّاسِ؛ تَكبُّرًا عليهم، وتَهاوُنًا واستِحقارًا لشَأنِهم، ولا تَمشِ في الأرضِ فرَحًا مُتَبَختِرًا؛ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُتَكبِّرٍ، مَزهوٍّ، مُعجَبٍ بنَفسِه، شَديدِ الفَخرِ على النَّاسِ بما أُعطي مِنَ النِّعَمِ [42] يُنظر: ((التفسير المحرر)) (24/ 339، 340). .
2- قال تعالى: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء: 37] .
أي: ولا تَمشِ في الأرضِ مُختالًا مُتَبَختِرًا مُتَمايِلًا مُتَكبِّرًا، كمِشيةِ الجَبَّارينَ؛ إنَّك -أيُّها المُتَكبِّرُ المُتَعاظِمُ في مَشيِه- لن تَثقُبَ الأرضَ بشِدَّةِ وَطءِ قَدَميك عِندَ اختيالِك في مَشيِك، ولن يَبلُغَ طولُك -بتَطاوُلِ بَدَنِك للأعلى في مِشيَتِك- طولَ الجِبالِ؛ فما الذي يُغريك بهذه المِشيةِ، وقُدرتُك لا تَبلُغُ بك هذا المَبلَغَ؟! فتَواضَعْ ولا تَتَكبَّرْ، واعرِفْ قَدرَ ضَعفِك وعَجزِك؛ فأنتَ مَحصورٌ بينَ جَمادينِ لا تَقدِرُ على التَّأثيرِ فيهما؛ الأرضِ التي تَحتَك، والجِبالِ الشَّامِخةِ مِن فَوقِك [43] ((التفسير المحرر)) (14/ 193، 194). !
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ مَن كان في قَلبِه مِثقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبرٍ. قال رَجُلٌ: إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أن يَكونَ ثَوبُه حَسَنًا ونَعلُه حَسَنةً، قال: إنَّ اللَّهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبرُ بَطَرُ الحَقِّ، وغَمطُ النَّاسِ)) [44] أخرجه مسلم (91). .
وبَطَرُ الحَقِّ: رَدُّه وجَحدُه، والدَّفعُ في صَدرِه، وغَمطُ النَّاسِ: احتِقارُهم وازدِراؤُهم، ومَتى احتَقَرَهم وازدَراهم دَفع حُقوقَهم وجَحَدَها، واستَهانَ بها [45] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 317، 318). .
2- عن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((يُحشَرُ المتكَبِّرون يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صورةِ الرِّجالِ، يغشاهم الذُّلُّ من كُلِّ مكانٍ، يُساقونَ إلى سِجنٍ في جهنَّمَ يُسمَّى بُولَسَ، تغشاهم نارُ الأنيارِ، يُسقَونَ من عُصارةِ أهلِ النَّارِ؛ طينةِ الخَبالِ)) [46] أخرجه الترمذي (2492) واللفظ له، وأحمد (6677). حسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (6/537)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2492)، وجوَّد إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/431)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6677)، وقال الترمذي: حسن صحيح .
3- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن تَعَظَّم في نَفسِه، أوِ اختالَ في مِشيَتِه، لقيَ اللَّهَ وهو عليه غَضبانُ)) [47] أخرجه أحمد (5995) واللفظ له، والطبراني (13/64) (13692)، والحاكم (201). صَحَّحه الحاكم على شرط الشيخين، والألباني على شرط البخاري في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (543)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (718)، وقال الذهبي في ((الكبائر)) (196): على شرط مسلم. .
4- عن ثَوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن ماتَ وهو بَريءٌ مِن ثَلاثٍ: الكِبرِ، والغُلولِ، والدَّينِ، دَخَل الجَنَّةَ)) [48] أخرجه الترمذي (1572) واللفظ له، وابن ماجه (2412)، وأحمد (22390) بلفظِ: ((مَن فارَقَ الرُّوحُ الجَسَدَ وهو بَريءٌ ...)). صَحَّحه ابن حبان في ((صحيحهـ)) (198)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2252)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1572)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1/161) .
5- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما نَقَصَت صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللهُ عَبدًا بعَفوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفعَه اللهُ)) [49] أخرجه مسلم (2588). .
وفي رِوايةٍ: ((مَن تَواضَعَ للَّهِ رَفعَه اللهُ)) [50] أخرجها أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (8/46). صَحَّحَها الألبانيُّ في ((صحيح الجامع)) (6162). .

انظر أيضا: