موسوعة الآداب الشرعية

ثامِنًا: مَعرِفةُ أنواعِ الخِلافِ والمُخالفينَ وما يُنكَرُ فيه على المُخالفِ وما لا يُنكَرُ.

يَنبَغي مَعرِفةُ أنواعِ الخِلافِ وما يُنكَرُ فيه على المُخالفِ وما لا يُنكَرُ، وألَّا يُجعَلَ المُخالفونَ في مَنزِلةٍ مُتَساويةٍ [2370] يُنظر: ((منهجية التعامل مع المخالفين)) للماجد (ص: 125). والمُخالفونَ بالنَّظَرِ إلى دَواعي وُقوعِهم في المُخالَفةِ أنواعٌ: 1- مَن كانَ مُجتَهدًا مُخطِئًا له تَأويلٌ سائِغٌ، فهذا مَغفورٌ له خَطَؤُه، ومُثابٌ على اجتِهادِه. 2- ألَّا يَكونَ قد بَلَغَه مِنَ العِلمِ ما تَقومُ به عَلَيه الحُجَّةُ، وهذا فيه تَفصيلٌ. 3- أن يَكونَ قد بَلَغَه ما تَقومُ به عَلَيه الحُجَّةُ ولَم يَكُن له تَأويلٌ سائِغٌ، فلا رَيبَ أنَّ هذا إثمٌ وظُلمٌ. فالمُجتَهدُ في طَلَبِ الحَقِّ بحَسَبِ وُسعِه يَكونُ مَعذورًا في حالِ الخَطَأِ، ويُبَيَّنُ له الحَقُّ مِن غَيرِ تَجريحٍ ولا إغلاظٍ بخِلافِ غَيرِه مِمَّن لا عُذرَ له. والمُخالفونَ بالنَّظَرِ إلى ما لَهم مِنَ المَراتِب والحَسَناتِ أنواعٌ: 1- مَن كانَ له مِنَ الإيمانِ والتَّقوى وإصابةِ الحَقِّ ما تَنغَمِرُ به مُخالَفتُه. 2- مَن كان له مَنزِلةٌ أو أتباعٌ يَتَعَصَّبونَ له. يُنظر: ((فقه الرد على المخالف)) لخالد السبت (ص: 191).  .
قال ابنُ القَيِّمِ: (وقَولُهم: "إنَّ مَسائِلَ الخِلافِ لا إنكارَ فيها" ليس بصَحيحٍ؛ فإنَّ الإنكارَ إمَّا أن يَتَوجَّهَ إلى القَول والفتوى أوِ العَمَلِ؛ أمَّا الأوَّلُ فإذا كان القَولُ يُخالفُ سُنَّةً أو إجماعًا شائِعًا وجَبَ إنكارُه اتِّفاقًا، وإن لَم يَكُنْ كذلك فإنَّ بَيانَ ضَعفِه ومُخالَفتِه للدَّليلِ إنكارٌ مِثلُه، وأمَّا العَمَلُ فإذا كان على خِلافِ سُنَّةٍ أو إجماعٍ وجَبَ إنكارُه بحَسَبِ دَرَجاتِ الإنكارِ، وكَيف يَقولُ فقيهٌ: لا إنكارَ في المَسائِل المُختَلَفِ فيها، والفُقَهاءُ مِن سائِرِ الطَّوائِفِ قد صَرَّحوا بنَقضِ حُكمِ الحاكِمِ إذا خالَف كِتابًا أو سُنَّةً وإن كان قد وافقَ فيه بَعضَ العُلَماءِ؟ وأمَّا إذا لَم يَكُنْ في المَسألةِ سُنَّةٌ ولا إجماعٌ، وللاجتِهادِ فيها مَساغٌ، لَم يُنكَر على مَن عَمِلَ بها مُجتَهدًا أو مُقَلِّدًا. وإنَّما دَخَلَ هذا اللَّبسُ مِن جِهةِ أنَّ القائِلَ يَعتَقِدُ أنَّ مَسائِلَ الخِلافِ هيَ مَسائِلُ الاجتِهادِ، كما اعتَقدَ ذلك طَوائِفُ مِنَ النَّاسِ مِمَّن ليس لَهم تَحقيقٌ في العِلمِ) [2371] ((إعلام الموقعين عن رب العالمين)) (5/ 242). ويُنظر: ((منهجية التعامل مع المخالفين)) (ص: 104). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (مَن خالَف الكِتابَ المُستَبينَ والسُّنَّةَ المُستَفيضةَ أو ما أجمَعَ عليه سَلَفُ الأُمَّةِ خِلافًا لا يُعذَرُ فيه، فهذا يُعامَلُ بما يُعامَلُ به أهلُ البدَعِ) [2372] ((مجموع الفتاوى)) (24/ 172). .

انظر أيضا: