موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ:

الاختِلافُ سُنَّةٌ كَونيَّةٌ قدَريَّةٌ كَتَبَها اللهُ على عِبادِه، فهو مِن طَبيعةِ البَشَرِ لاختِلافِ عُقولِهم وأفهامِهم وأغراضِهم.
قال ابنُ القَيِّمِ: (ووُقوعُ الاختِلافِ بَينَ النَّاسِ أمرٌ ضَروريٌّ لا بُدَّ مِنه؛ لتَفاوُتِ إرادَتِهم وأفهامِهم وقُوى إدراكِهم، ولَكِنَّ المَذمومَ بَغيُ بَعضِهم على بَعضٍ وعُدوانُه، وإلَّا فإذا كان الاختِلافُ على وجهٍ لا يُؤَدِّي إلى التَّبايُنِ والتَّحَزُّبِ، وكُلٌّ مِنَ المُختَلفين قَصدُه طاعةُ اللهِ ورَسولِه لَم يَضُرَّ ذلك الاختِلافُ، فإنَّه أمرٌ لا بُدَّ مِنه في النَّشأةِ الإنسانيَّةِ، ولَكِن إذا كان الأصلُ واحِدًا والغايةُ المَطلوبةُ واحِدةً والطَّريقُ المَسلوكةُ واحِدةً لَم يَكَدْ يَقَعُ اختِلافٌ، وإن وقَعَ كان اختِلافًا لا يَضُرُّ، كما تَقدَّمَ مِنِ اختِلافِ الصَّحابةِ؛ فإنَّ الأصلَ الذي بَنَوا عليه واحِدٌ، وهو كِتابُ اللهِ وسُنَّةُ رَسولِه، والقَصدُ واحِدٌ، وهو طاعةُ اللهِ ورَسولِه، والطَّريقُ واحِدٌ، وهو النَّظَرُ في أدِلَّةِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، وتَقديمُها على كُلِّ قَولٍ ورَأيٍ وقياسٍ وذَوقٍ وسياسةٍ) [2342] ((الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة)) (2/ 519). .
والخِلافُ أنواعٌ؛ فمِنه ما هو سائِغٌ، كالخِلافِ في المَسائِلِ التي يَسوغُ فيها الاجتِهادُ، ومِن ذلك الخِلافُ الذي وقَعَ بَينَ الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ تَعالى عليهم.
ومِنَ الخِلافِ نَوعٌ آخَرُ مَذمومٌ، ومِن ذلك الخِلافُ في مَسألةٍ عليها دَليلٌ دَلالَتُه قَطعيَّةٌ، والخِلافُ لما أجمَعَ عليه السَّلَفُ، والخِلافُ النَّاشِئُ عَن تَعَصُّبٍ أو هَوًى لا عَن حُجَّةٍ وبُرهانٍ، والخِلافُ الذي يُؤَدِّي إلى التَّفرُّقِ والتَّحَزُّب.. إلى غَيرِ ذلك مِن صُوَرِ الخِلافِ المَذمومِ.
هذا، وعَلى المُسلمِ أن يَعرِف آدابَ الخِلافِ وأن يُراعيَها، وفيما يَلي بَيانُ أهَمِّ هذه الآدابِ:

انظر أيضا: