موسوعة التفسير

سُورة الأنفالِ
الآيات (20-23)

ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ

غريب الكلمات:

وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ: أي: ولا تُعرِضوا عنه، ولا تتركوا طاعته، فالفِعل (ولي)، إذا عُدِّي بـ (عن) لفظًا، أو تقديرًا، اقتَضى معنى الإعراضِ والتَّركِ، وإذا عُدِّي بنَفْسِه اقتَضَى معنى الوَلايةِ والقُرْبِ [266] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/97)، ((المفردات)) للراغب (ص: 886)، ((تفسير القرطبي)) (7/387)، ((تفسير ابن كثير)) (4/33)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 951). .
الصُّمُّ: أي:  الذين يَصَمُّونَ عَن الحَقِّ. والصَّمَمُ: فقدانُ حاسَّةِ السَّمعِ، وبه يُوصَف مَن لا يُصغِي إلى الحقِّ ولا يَقبَلُه، وأصلُ (صمم) يدلُّ على تضامِّ الشَّيءِ [267] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/99)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/277)، ((المفردات)) للراغب (ص: 492)، ((التبيان)) لابن الهائم (1 /53). .
الْبُكْمُ: أي: الَّذين لا يتكلَّمونَ بالحَقِّ، جمع أَبْكَم، وهو الأخرسُ الذي لا يتكلَّمُ، وقيل: هو الذي يُولَد أخرس، والبَكَمُ: آفةٌ في اللِّسانِ، مانعةٌ مِن الكَلامِ [268] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (1 /128)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1 /284)، ((المفردات)) للراغب (1 /140)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (1 /15)، ((التبيان)) لابن الهائم (1 /53). .

المعني الإجمالي:

يأمُرُ اللهُ عِبادَه المؤمنينَ بأن يُطيعوه ويُطيعوا رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يُعرِضوا عن طاعَتِهما، وهم يَسمعونَ ما نَزَل مِن القُرآن.
ونهاهم أن يكونُوا كالمُشركينَ، الذين إذا سَمِعوا كتابَ اللهِ قالوا: قد سَمِعْنا، ولكِنَّهم لا يعتَبِرونَ بما يَسمَعونَه، فهُم بمنزلةِ مَن لم يسمَعْ، وأخبَرَ تعالى أنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عنده- عزَّ وجَلَّ- الكُفَّارُ، الذين هم صُمٌّ عن سَماعِ الحَقِّ، بُكْمٌ عن التكَلُّمِ به، لا يَعقِلونَ عن اللهِ مَواعِظَه، ولا أمْرَه ونَهيَه، ولو عَلِمَ اللهُ فيهم خيرًا بقَصدِهم الحَقَّ، وصلاحِيَّتِهم لِقَبولِ ما يُورِدُه عليهم مِن آياتِه، لأمكَنَهم مِن فَهْمِها، ولو فُرِضَ أنَّه أفهَمَهم آياتِه، لابتَعَدوا عنها، وهم مُعرِضونَ عن قَبُولِها بالكليَّةِ.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (20).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا أرى اللهُ المؤمِنينَ آياتِ لُطفِه، وعِنايَتِه بِهم، ورأَوْا فوائِدَ امتثالِ أمْرِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالخُروجِ إلى بَدرٍ، وقد كانوا كارِهينَ الخُروجَ- أعقَبَ ذلك بأنْ أمَرَهم بطاعةِ اللهِ ورَسولِه؛ شُكرًا على نِعمةِ النَّصْرِ، واعتبارًا بأنَّ ما يأمُرُهم به خيرٌ عواقِبُه، وحذَّرَهم مِن مُخالفةِ أمْرِ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي هذا رُجوعٌ إلى الأمرِ بالطَّاعةِ الذي افتُتِحَت به السُّورةُ [269] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/302-303). .
وأيضًا لَمَّا أخبَرَ اللهُ تعالى أنَّه مع المُؤمنينَ، أمَرَهم أن يَقومُوا بمقتضى الإيمانِ الذي يُدرِكونَ به مَعِيَّتَه [270] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 318). ، فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ.
أي: يا أيُّها المؤمنونَ، امتَثِلوا أمْرَ اللهِ- تعالى- وأمْرَ رَسولِه، واجتَنِبوا نَهْيَهما [271] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/97)، ((تفسير ابن كثير)) (4/33)، ((تفسير السعدي)) (ص: 318). .
وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ.
أي: ولا تُعرِضوا عن طاعةِ رسولِه؛ بمُخالفةِ أمرِه، وارتكابِ نهيِه، وأنتم تَسْمَعونَ أمرَه إيَّاكم ونَهْيَه، وتعلمونَ ما دَعاكُم إليه [272] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/97)، ((تفسير ابن كثير)) (4/33). .
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه تعالى لما نهَى عن التولِّي عن رسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم؛ زاد في تَشويهِ التَّولِّي عنه، بالتَّحذيرِ مِن التَّشبُّهِ بفِئةٍ ذَميمةٍ، يقولونَ للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: سَمِعْنا، وهم لا يُصَدِّقونَه ولا يَعمَلونَ بما يأمُرُهم ويَنهاهم [273] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/304). .
وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (21).
أي: ولا تكونُوا- أيُّها المُؤمنونَ- بإعراضِكم عَن طاعةِ اللَّهِ، وطاعةِ رَسولِه، كالمُشركينَ الذينَ إذا سَمِعوا بآذانِهم كِتابَ اللهِ يُتلى عليهم، قالوا: قد سَمِعْنا، لكنَّهم في الحقيقةِ لا يَعتَبِرونَ بما يَسمَعونَ، ولا فيه يتفَكَّرونَ، ولا ينتَفِعونَ به ولا يتَّعِظونَ؛ فهُم بمنزلةِ مَن لم يَسمَعْها، فلا تكتَفُوا- مِثلَهم- بمجَرَّدِ الدَّعاوى الخاليةِ التي لا حقيقةَ لها [274] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/98-99)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 435)، ((تفسير ابن كثير)) (4/33)، ((تفسير السعدي)) (ص: 318). ذهَب ابنُ جريرٍ إلى أنَّ المرادَ بالَّذين قالوا: سَمِعنا وهم لا يَسْمعونَ: المُشركونَ. وقيل: بل المرادُ بهم المُنافقون. يُنظر: المصادر السابقة. .
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا كانت حالُ الكُفَّارِ مُشابِهةً لِحالِ الأصَمِّ في عدَمِ السَّماعِ؛ لِعَدمِ الانتفاعِ به، والأبكَمِ في عدَمِ كَلامِه؛ لِعَدمِ تَكَلُّمِه بما ينفَعُ، والعادِمِ للعَقلِ في عدَمِ عَقلِه؛ لِعَدمِ انتفاعِه به- قال مُعَلِّلًا للنَّهيِ في قَولِه: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ مُعَبِّرًا بأنسَبِ الأشياءِ لِما وصَفَهم به [275] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/248). :
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ (22).
أي: إنَّ شرَّ ما دبَّ على الأرضِ مِن خَلْقِ اللهِ عِندَ اللهِ تعالى، هؤلاءِ الكُفَّارُ [276] قيل: المراد بهم مُشرِكو قُريشٍ، وقيل: المُنافقون. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/102-103)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 435)، ((تفسير ابن كثير)) (4/34). قال ابن كثير: (قيل: المرادُ بهؤلاءِ المَذكورينَ نَفَرٌ مِن بني عبدِ الدَّارِ مِن قُريشٍ. رُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ ومجاهِدٍ، واختاره ابنُ جرير، وقال محمَّدُ بن إسحاقَ: هم المُنافِقونَ. قلتُ: ولا منافاةَ بينَ المُشركينَ والمُنافقينَ في هذا؛ لأنَّ كُلًّا منهم مسلوبُ الفَهمِ الصَّحيحِ، والقَصدِ إلى العَمَلِ الصَّالِحِ). ((تفسير ابن كثير)) (4/34). الذين لم ينتَفِعوا بالآياتِ والنُّذُرِ؛ فهم صُمٌّ عن سَماعِ الحَقِّ، بُكمٌ عن التَّكلُّمِ به، لا يَعقِلونَ عَن اللهِ مَواعِظَه، ولا أمْرَه ونَهْيَه [277] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/99)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/451)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 435)، ((تفسير ابن كثير)) (4/33-34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 318). قال ابنُ كثير: (فهؤلاءِ شَرُّ البريَّةِ؛ لأنَّ كُلَّ دابَّةٍ مِمَّا سِواهم مُطيعةٌ للَّهِ- عَزَّ وجَلَّ- فيما خلَقَها له، وهؤلاءِ خُلِقوا للعبادةِ، فكَفَروا). ((تفسير ابن كثير)) (4/34). .
وقد شَبَّهَهم اللهُ تعالى بالأنعامِ في قَولِه: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ [البقرة: 171] .
بل جَعَلَهم أضَلَّ مِن الأنعامِ، فقال سُبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179] .
وقال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44] .
وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ (23).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه أخبَرَ تعالى بأنَّ عدَمَ سَماعِهم وهُداهم، إنَّما هو بما عَلِمَه تعالى مِنهم، وسَبَقَ مِن قَضائِه عليهم [278] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (2/513). .
وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسْمَعَهُمْ.
أي: ولو عَلِمَ اللهُ أنَّ في أولئك القَومِ خَيرًا؛ بقَصدِهم الحَقَّ، وصَلاحِيَّتِهم لِقَبولِ ما يُورِدُه عليهم من آياتِه- لأمكَنَهم مِن فَهْمِها، ولكِنَّه قد عَلِمَ أنَّه لا خيرَ فيهم، وأنَّهم ممَّن كُتِبَ لهم الشَّقاءُ، فلم يُفهِمْهم [279] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/103)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/451- 452)، ((النبوات)) لابن تيمية (2/659)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (16/10-12) و(17/405)، ((تفسير ابن كثير)) (4/34). .
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ.
مُناسَبتُها لِما قَبلَها:
لَمَّا أخبَرَ عنهم بانتفاءِ تَعلُّمِهم الحكمةَ والهُدَى؛ فلذلك انتَفَى عنهم الاهتداءُ- ارتَقَى بالإخبارِ في هذا المَعنى بأنَّهم لو قَبِلوا فَهْمَ المَوعِظةِ والحِكمةِ فيما يَسمَعونَه مِن القُرآنِ، وكَلامِ النُّبوَّةِ، لغَلَبَ ما في نُفوسِهم مِن التخَلُّقِ بالباطِلِ، على ما خالَطَها من إدراكِ الخَيرِ، فحالَ ذلك التخَلُّقُ بينهم وبين العَمَلِ بما عَلِموا، فتَوَلَّوا وأعرَضُوا [280] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/308). .
وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ.
أي: ولو فُرِضَ أنَّه أفهَمَهم آياتِه مع هذه الحالِ التي هُم عليها، لابتَعَدوا عنها وانصَرَفوا، وهم مُعرِضونَ عَن قَبولِها إعراضًا كُليًّا، لا يلتَفِتونَ إليها بوجهٍ مِن الوُجوهِ؛ قصدًا منهم، وعِنادًا للحَقِّ بعد ظُهورِه، والعِلمِ به [281] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (11/103)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/452)، ((المفردات)) للراغب (ص: 886)، ((تفسير ابن كثير)) (4/34)، ((تفسير السعدي)) (ص: 318)، ((تفسير ابن عاشور)) (9/311)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/207). قال ابنُ تيميَّةَ: (فقد فَسَدَت فِطرَتُهم فلم يَفهَمُوا، ولو فَهِمُوا لم يَعمَلوا، فنفى عنهم صِحَّةَ القُوةِ العِلميَّةِ، وصِحَّةَ القُوَّةِ العَمَليَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (7/26). .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ؛ قوله: وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ المقصودُ مِن هذا الحالِ: تشويهُ التَّولِّي المنهيِّ عنه؛ فإنَّ العِصيانَ مع توفُّرِ أسبابِ الطَّاعةِ أشَدُّ منه في حينِ انخرامِ بَعضِها [282] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/303). .
2- لا ينبغي الاكتفاءُ بمجَرَّدِ الدعوى الخاليةِ التي لا حقيقةَ لها؛ فإنَّها حالةٌ لا يرضاها اللهُ تعالى، فليس الإيمانُ بالتمَنِّي والتحَلِّي، ولكِنَّه ما وقَرَ في القلوبِ، وصَدَّقَته الأعمالُ، قال الله تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [283] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 318). .
3- مِن النَّاسِ مَن يسمَعُ الآياتِ، ويَفهَمُها فَهمًا تَفصيليًّا، ولكنَّه يَجعَلُها بِمَعزِلٍ عن نفسِه، ويتصَوَّرُ أنَّ الكلامَ كُلَّه لِغَيرِه وفي غيرِه، ويقولُ: هذه الآيةُ نزلَت في الكافرينَ أو المُنافِقينَ، لا في أمثالي مِن المؤمنينَ، وإن كان مُتَّصِفًا بما تنهَى عنه، وتتوعَّدُ عليه مِن صِفاتِهم وأعمالِهم؛ فصاحِبُها يَصدُقُ عليه بِوَجهٍ ما أنَّه مِن الذينَ قالوا: سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ [284] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/524). .
4- قال اللهُ تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ إنَّما كان هؤلاءِ شَرًّا عند اللهِ مِن جَميعِ الدَّوابِّ؛ لأنَّ اللهَ تعالى أعطاهم أسماعًا وأبصارًا وأفئدةً؛ ليَستَعمِلوها في طاعَته، فاستَعمَلوها في معاصِيه، وعَدِموا- بذلك- الخيرَ الكَثيرَ، فإنَّهم كانوا بصَددِ أن يكونوا مِن خِيارِ البريَّةِ، فأبَوْا هذا الطَّريقَ، واختارُوا لأنفُسِهم أن يكونوا مِن شَرِّ البريَّةِ [285] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/521). .
5- قَولُه تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ فيه دليلٌ على أنَّ الله تعالى لا يمنَعُ الإيمانَ والخيرَ، إلَّا ممَّن لا خَيرَ فيه [286] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 318). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قولُ اللهِ تعالى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ السَّمعُ الذي نفاه اللهُ عنهم، سَمْعُ المعنى المؤَثِّرُ في القَلبِ، وأمَّا سَمعُ الحُجَّةِ، فقد قامَت حجَّةُ اللهِ تعالى عليهم بما سَمِعوه مِن آياتِه [287] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 318). .
2- في قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ دلالةٌ على أنَّ اسمَ الدَّوَابِّ يقعُ على الناسِ، كما يقعُ على البهائمِ؛ لأنَّ كلَّ ماشٍ دَابٌّ [288] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/466). .
3- قولُ اللهِ تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ لم يَصِفْهم هنا بالعَمى- كما وَصَفَهم في آيةِ الأعرافِ وآيتَيِ البَقَرةِ- لأنَّ المَقامَ هنا مَقامُ التَّعريضِ بالذينَ ردُّوا دَعوةَ الإسلامِ، ولم يَهتَدُوا بِسَماعِ آياتِ القُرآنِ [289] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (9/521). .
4- في قولِه تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ دلالةٌ على إجازةِ تسميةِ السَّامعِ الناطقِ: «أَصَمُّ؛ أَبْكَمُ» إذا تباعَد عمَّا أُريد منه مِن السماعِ والنُّطقِ؛ وامتنَع مِن استماعِ الموعظةِ والنطقِ بما تأمرُه به، وإنْ كان ناطقًا سامعًا في كلِّ شيءٍ سواها [290] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/466). .
5- قولُه: خَيْرًا نكرةٌ في سياقِ الشَّرطِ، فهي تعمُّ، والمعنى: أنَّ الله لا يعلمُ في قلوبِهم خيرًا أبدًا في وقتٍ مِن الأوقاتِ، كائنًا ما كان، ولا زَمَنٍ مِن الأزمانِ [291] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/207). .
6- في قوله تعالى: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ دلالةٌ على أنَّه سبحانَه يَعْلَمُ الشيءَ قبلَ كَوْنِه [292] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/467). .

بلاغة الآيات:

1- قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ فيه افتتاحُ الِخطابِ بالنِّداءِ؛ للاهتمامِ بما سيُلقَى إلى المخاطبينَ، قَصدًا لإحضارِ الذِّهنِ لِوَعيِ ما سيُقالُ لهم [293] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/303). .
- والتَّعريفُ بالموصوليَّةِ في قَولِه: الَّذِينَ آمَنُوا؛ للتَّنبيهِ على أنَّ المَوصوفينَ بهذه الصِّلةِ مِن شَأنِهم أن يتقَبَّلوا ما سيُؤمَرونَ به، وأنَّه كما كان الشِّركُ مُسَبَّبًا لِمُشاقَّةِ اللهِ ورَسولِه، فخَليقٌ بالإيمانِ أن يكونَ باعِثًا على طاعةِ اللهِ ورَسولِه [294] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/303). .
- وإفرادُ الضَّميرِ المجرورِ بـ (عن) في قَولِه: وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ دون أن يُقالَ: (ولا توَلَّوا عنهما)؛ لأنَّه يَعودُ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنَّ المرادَ مِن الآيةِ الأمرُ بطاعَتِه، والنَّهيُ عن الإِعراضِ عنه، وذِكرُ طاعةِ اللهِ لِلتَّوطئةِ والتَّنبيهِ على أنَّ طاعةَ اللهِ في طاعةِ الرَّسولِ؛ لأنَّ طاعةَ اللهِ وطاعةَ الرَّسولِ، شَيءٌ واحِدٌ، فكأنَّ رُجوعَ الضَّميرِ إلى أحَدِهما كرُجوعِه إليهما [295] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/209)، ((تفسير البيضاوي)) (3/54). ، وقيل غير ذلك [296] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 217-218). .
- قوله: وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ جملةٌ حاليَّةٌ واردةٌ لِتأكيدِ وُجوبِ الانتهاءِ عَن التَّولِّي مُطلقًا، لا لتَقييدِ النَّهيِ عنه بحالِ السَّماعِ [297] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/14). .
2- قَولُه تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
- تقريرٌ للنَّهيِ السَّابِقِ وَلَا تَوَلَّوْا...، وتحذيرٌ عن مُخالَفَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتَّنبيهِ على أنَّها مُؤدِّيةٌ إلى انتظامِهم في سِلكِ الكَفَرةِ، بكَونِ سَماعِهم كَلَا سَماعٍ [298] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/15). .
- وفيه تعريضٌ بأهلِ هذه الصِّلةِ مِن الكافرينَ أو المُنافِقينَ [299] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/304). .
- قوله: قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ جاءتِ الجُملةُ النَّافيةُ لَا يَسْمَعُونَ على غَيرِ لَفظِ المُثبَتة سَمِعْنَا- إذْ لم تأتِ: (وهُم ما سَمِعوا)- لأنَّ لَفظَ المضِيِّ لا يدلُّ على استمرارِ الحالِ ولا دَيمومَتِه، بخلافِ نَفيِ المُضارِعِ، فكما يدلُّ إثباتُه على الدَّيمومةِ كذلك يجيءُ نَفيُه، وجاء حرفُ النَّفيِ (لا)؛ لأنَّها أوسَعُ في نفيِ المُضارِعِ مِن (ما)، وأدلُّ على انتفاءِ السَّماعِ في المُستقَبلِ، أي: هُم ممَّن لا يَقبَلُ أن يَسمَعَ [300] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (5/299). .
- وتقديمُ المُسنَدِ إليه على المُسنَدِ الفِعليِّ في قَولِه: وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ؛ للاهتمامِ بِه، ليتقَرَّرَ مفهومُه في ذِهنِ السَّامِعِ، فيرسَخَ اتِّصافُه بمفهومِ المُسنَدِ، وهو انتفاءُ السَّمعِ عَنهم [301] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/304). .
3- قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ
- جملةٌ استئنافيَّةٌ، مَسوقةٌ لِبَيانِ كَمالِ سُوءِ حالِ المُشَبَّهِ بهم؛ مبالغةً في التَّحذيرِ، وتقريرًا للنَّهيِ إثرَ تقريرٍ [302] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/15). .
- وقَولُه عِنْدَ اللَّهِ قَيدٌ أُريدَ به زيادةُ تَحقيقِ كَونِهم أشَرَّ الدَّوابِّ، بأنَّ ذلك مُقَرَّرٌ في عِلمِ اللهِ، وليس مُجرَّدَ اصطلاحٍ ادِّعائيٍّ [303] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/306). ، وقيل: لما كان لهم مَن يُفضِّلُهم، وكانت العبرةُ بما عندَه سبحانه، قال تعالى: عِنْدَ اللَّهِ [304] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (8/248). .
- ووُصِفُوا بالصَّمَم والبَكَمِ؛ لأنَّ ما خُلِقَ له الأُذنُ واللِّسانُ، سماعُ الحَقِّ والنُّطقُ به، وحيثُ لم يُوجَدْ فيهم شيءٌ من ذلك، صاروا كأنَّهم فاقِدونَ للجارِحَتينِ رأسًا؛ وتقديمُ الصُّمُّ على الْبُكْمُ لِما أنَّ صَمَمَهم مُتقدِّمٌ على بَكَمِهم؛ فإنَّ السُّكوتَ عَن النُّطقِ بالحَقِّ مِن فُروعِ عدمِ سَماعِهم له، كما أنَّ النُّطقَ به مِن فُروعِ سماعِه [305] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/15). .
- قوله: الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ وَصَفَهم بعَدَمِ التَّعقُّلِ؛ تحقيقًا لِكَمالِ سُوءِ حالِهم، فإنَّ الأصمَّ الأبكمَ إذا كان له عَقلٌ، ربَّما يَفهَمُ بعضَ الأمورِ، ويُفهمُه غيرُه بالإشارةِ، ويهتدي بذلك إلى بَعضِ مَطالبِه، وأمَّا إذا كان فاقِدًا للعَقلِ أيضًا، فهو الغايةُ في الشَّرِّيةِ، وسُوءِ الحالِ [306] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/15). .
4- قَولُه تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ
- وقعَتِ الكنايةُ عن عَدَمِ استعدادِ مَدارِكِهم للخَيرِ، بعِلمِ اللهِ عَدمَ الخَيرِ فيهم. ووقع تشبيهُ عَدمِ انتفاعِهم بِفَهمِ آياتِ القُرآنِ بِعَدمِ إسماعِ اللهِ إيَّاهم؛ لأنَّ الآياتِ كَلامُ اللهِ، فإذا لم يَقبَلوها فكأنَّ اللهَ لم يُسمِعْهم كلامَه، فالمرادُ انتفاءُ الخَيرِ الجبليِّ عنهم، وهو القابليَّةُ للخَيرِ [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/307).   .
- قوله: وَهُمْ مُعْرِضُونَ صَوغُ هذه الجُملةِ بِصيغةِ الجُملةِ الاسميَّةِ؛ للدَّلالةِ على تمكُّنِ إعراضِهم، أي: إعراضًا لا قَبولَ بعده، وهذا يُفيدُ أنَّ مِن التَّولِّي ما يعقُبُه إقبالٌ، وهو تولِّي الذين تولَّوا، ثمَّ أسلَمُوا بعد ذلك [308] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (9/311). .