موسوعة التفسير

سُورةُ ق
مقدمة السورة

أسماء السورة :

سُمِّيَت هذه السُّورةُ بسُورةِ ق، وق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [1] سُمِّيَتْ هذه السُّورةُ بـ ق، أو: ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ؛ لافتِتاحِها بهما. يُنظر: ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/437). قال ابنُ عاشور: (وهي مِنَ السُّوَرِ التي سُمِّيَت بأسماءِ الحُروفِ الواقِعةِ في ابتدائِها، مِثلُ: طه، وص، وق، ويس؛ لانفِرادِ كُلِّ سُورةٍ منها بعدَدِ الحُروفِ الواقِعةِ في أوائِلِها، بحيثُ إذا دُعِيَت بها لا تلتَبِسُ بسُورةٍ أُخرى). ((تفسير ابن عاشور)) (26/273). ، وممَّا يدُلُّ على ذلك:
1- أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ سَألَ أبا واقِدٍ اللَّيثيَّ: ((ما كان يَقرَأُ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الأَضحَى والفِطرِ، فقال: كان يَقرَأُ فيهما بـ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] ، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1])) [2] أخرجه مسلم (891). .
2- عن أمِّ هِشامٍ بِنتِ حارِثةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالتْ: ((لقدْ كان تَنُّورُنا [3] التَّنُّور: الَّذي يُخْبَزُ فيه.  يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 199)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/ 95). وتَنُّورُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واحِدًا سَنَتينِ أو سَنةً وبَعضَ سَنةٍ، وما أَخذْتُ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ إلَّا عن لِسانِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ يَقرَؤُها كُلَّ يومِ جُمُعةٍ [4] قيل: المرادُ يَقرأُ أولَ السُّورةِ لا جميعَها. وقيل: كان يَقرأُ في كُلِّ جُمعةٍ بعضَها، فحَفِظَت الكلَّ. وقيل: لعلَّ المرادَ جُمُعاتٌ حضَرَت أمُّ هشامٍ فيها. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/ 1044)، ((لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح)) للدهلوي (3/ 523). على المِنبَرِ إذا خَطَب النَّاسَ)) [5] أخرجه مسلم (873). .
وفي رِوايةٍ: ((مَا حَفِظْتُ ق إلَّا مِنْ فِي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ...)) [6] أخرجه مسلم (873). .
3- عن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقرَأُ في الفَجرِ بـ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ، وكانتْ صلاتُه بَعْدُ تخفيفًا)) [7] أخرجه مسلم (458). .

فضائل السورة وخصائصها :

1- يُستَحَبُّ قِراءتُها على المِنبَرِ يَومَ الجُمُعةِ:
عن أمِّ هِشامٍ بنتِ حارِثةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((ما أَخذْتُ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ إلَّا عن لِسانِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ يَقرَؤُها كُلَّ يومِ جُمُعةٍ على المِنبَرِ إذا خَطَب النَّاسَ)) [8] أخرجه مسلم (873). قال النَّووي: (قال العُلَماءُ: سَبَبُ اختيارِ ق أنَّها مُشتَمِلةٌ على البَعثِ والمَوتِ، والمواعِظِ الشَّديدةِ، والزَّواجِرِ الأكيدةِ...، وفيه استِحبابُ قِراءةِ ق أو بَعضِها في كُلِّ خُطبةٍ). ((شرح النووي على مسلم)) (6/161). .
2- كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقرَأُ بها في الرَّكعةِ الأُولى مِن صَلاةِ العِيدِ:
عن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كان يَقرَأُ في الفِطرِ والأضْحَى بـ ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ [ق: 1] ، واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1])) [9] أخرجه مسلم (891). وقال ابنُ كثير: (والقَصدُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقرَأُ بهذه السُّورةِ في المجامِعِ الكِبارِ، كالعيِد والجُمَعِ؛ لاشتِمالِها على ابتِداءِ الخَلقِ، والبَعثِ والنُّشورِ، والمَعادِ والقِيامِ، والحِسابِ، والجنَّةِ والنَّارِ، والثَّوابِ والعِقابِ، والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ). ((تفسير ابن كثير)) (7/393). .
3- أنَّ سُورةَ (ق) هي أوَّلُ المُفَصَّلِ [10] قال السُّيوطي: (والمُفَصَّلُ ... سُمِّيَ بذلك لكَثرةِ الفُصولِ التي بيْنَ السُّوَرِ بالبَسملةِ. وقيلَ: لقِلَّةِ المنسوخِ منه؛ ولهذا يُسَمَّى بالمُحْكَمِ أيضًا، كما روَى البُخاريُّ [5035] عن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال: «إنَّ الذي تَدْعونَه المُفَصَّلَ هو المُحكَمُ»، وآخِرُه سورةُ النَّاسِ بلا نِزاعٍ. واختُلِفَ في أوَّلِه على اثنَي عَشَرَ قَولًا). ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/221). ، على ما رَجَّحه بَعضُ أهلِ العِلمِ [11] وممَّن اختار أنَّ المُفَصَّلَ يَبدأُ مِن سُورةِ ق إلى آخِرِ القُرآنِ: أبو الوَليدِ ابنُ رُشدٍ الجَدُّ، وابنُ كثيرٍ، والبقاعيُّ، وابن حَجرٍ، ومَرعي الكرميُّ، والشَّوكاني. يُنظر: ((البيان والتحصيل)) لابن رشد الجد (1/295)، ((تفسير ابن كثير)) (7/392)، ((مصاعد النظر)) للبقاعي (3/ 17)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/195)، ((قلائد المرجان)) لمرعي (ص: 194)، ((تفسير الشوكاني)) (5/83). وقال الزَّرْكشيُّ: (والصَّحيحُ عندَ أهلِ الأثَرِ أنَّ أوَّلَه ق). ((البرهان في علوم القرآن)) (1/246). ويُنظر: ((الإنصاف)) للمَرْداوي (2/55). وقال ابنُ حجر: (واختُلِفَ في أوَّلِ المُفَصَّلِ مع الاتِّفاقِ على أنَّه آخِرُ جُزءٍ مِنَ القُرآنِ). ((فتح الباري)) (9/84). وقال السُّيوطيُّ: (فائِدةٌ: للمُفَصَّلِ طِوالٌ وأوساطٌ وقِصارٌ؛ قال ابنُ مَعْنٍ: فطِوالُه إلى عَمَّ، وأوساطُه منها إلى «الضُّحَى»، ومنها إلى آخِرِ القُرآنِ قِصارُه. هذا أقرَبُ ما قيلَ فيه). ((الإتقان في علوم القرآن)) (1/222). .

بيان المكي والمدني :

سورةُ ق مَكِّيَّةٌ [12] وقيل: السُّورةُ مَكِّيَّةٌ إلَّا قَولَه تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38] ، فمَدَنيٌّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/400)، ((تفسير الماوردي)) (5/339)، ((تفسير الزمخشري)) (4/379). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [13] ممَّن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عطية، والفيروزابادي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/138)، ((بصائر ذوي التمييز)) للفيروزابادي (1/437). .

مقاصد السورة :

مِن أهمِّ مَقاصِدِ هذه السُّورةِ:
تقريرُ أُصولِ الإيمانِ: البَعثُ والنُّشورُ، والنبُوَّةُ [14] يُنظر: ((الفوائد)) لابن القيم (ص: 5)، ((تفسير ابن كثير)) (7/393)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/396)، ((تفسير ابن عاشور)) (26/325). .

موضوعات السورة:

مِن أبرزِ الموضوعاتِ التي اشتَمَلت عليها هذه السُّورةُ:
1- الثَّناءُ على القُرآنِ الكريمِ، والتَّنويهُ بشَأنِه.
2- ذِكرُ دَعاوَى المُشرِكينَ وإنكارِهم للنبُوَّةِ والبَعثِ، والرَّدُّ عليهم.
3- الحَثُّ على النَّظَرِ في خَلقِ السَّمَواتِ وما فيها، وخَلقِ الأرضِ وما عليها، ونَشأةِ النَّباتِ والثِّمارِ، وأنَّ ذلك مَثَلٌ للإحياءِ بعدَ الموتِ.
4- التَّذكيرُ بسُوءِ عاقِبةِ المكَذِّبينَ السَّابِقينَ، وما استحَقُّوا مِن وَعيدٍ وعَذابٍ.
5- التَّذكيرُ بعِلمِ اللهِ تعالَى الشَّامِلِ لكُلِّ شَيءٍ.
6- ذِكرُ سكراتِ الموتِ ومشاهدَ مِن يومِ القيامةِ وأهوالِها، وما يَجري فيها.
7- وَعْدُ المُؤمِنينَ بالجَنَّةِ في الآخِرةِ، مع ذِكرِ أهَمِّ صِفاتِهم.
8- تَسليةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّا أصابه مِن قَومِه، وإرشادُه إلى ما يُعينُه على مُداوَمةِ الصَّبرِ؛ مِنَ التَّسبيحِ آناءَ اللَّيلِ، وأطرافَ النَّهارِ، وأدبارَ السُّجُودِ.
9- أمرُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم بالتذكيرِ بالقرآنِ مَن يخافُ وعيدَ الله ويخشَى عقابَه.