موسوعة التفسير

سورةُ ص
الآيات (45-48)

ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ

غريب الكلمات:

أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ: أي: أصحابِ القُوَّةِ والبَصائِرِ في الدِّينِ، وأصلُ (أيد): يدُلُّ على القُوَّةِ، وأصلُ (بصر): يدُلُّ على عِلمٍ بالشَّيءِ [650] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/114)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 76)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/163، 253)، ((المفردات)) للراغب (ص: 890)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 359). .
ذِكْرَى الدَّارِ: أي: ذِكرُ الدَّارِ الآخِرةِ، وأصلُ (ذكر): يدُلُّ على خِلافِ النِّسيانِ [651] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/358)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 328)، ((تفسير القرطبي)) (15/218)، ((تفسير ابن كثير)) (7/77)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 457). .
الْمُصْطَفَيْنَ: أي: المُختارينَ، والاصطِفاءُ: تَناوُلُ صَفوِ الشَّيءِ، وأصلُ (صفو): يدُلُّ على خُلوصٍ مِن كُلِّ شَوبٍ [652] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/292)، ((المفردات)) للراغب (ص: 488). .

مشكل الإعراب :

 قَولُه تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
قَولُه: بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ فيها وَجهانِ؛ أحدُهما: أنَّ (خَالِصَة) مَصدرٌ بمعنى الإخلاصِ، فيكونُ ذِكْرَى مَفعولًا به للمَصدَرِ، أي: بأن أخلَصوا ذِكْرى الدَّارِ، أو يكونُ المعنى: بأنْ أخلَصْنا نحنُ لهم ذِكرى الدَّارِ. وأنْ يكونَ بمعنى الخُلوصِ، فيكونَ ذِكْرَى فاعِلًا للمَصدَرِ مَرفوعًا به، أي: بأنْ خَلَصَتْ لهم ذِكْرَى الدَّارِ. الثَّاني: أن يكونُ (خالِصة) اسمَ فاعلٍ على بابِه، و ذِكْرَى بَدَلًا منه، أو عَطْفَ بيانٍ له، أو مَقطوعًا عنه إلى النَّصبِ على المفعوليَّةِ بإضمارِ أعني، أو الرَّفعِ على الخبريَّةِ بإضمارِ (هي) [653] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1102)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/383). .

المعنى الإجمالي:

يَذكُرُ الله تعالى عددًا مِن الأنبياءِ على سبيلِ الإجمالِ، فيقولُ: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- عِبادَنا: إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعقوبَ؛ أصحابَ القُوَّةِ والبَصيرةِ في دينِ اللهِ، إنَّا خَصَصْناهم بخاصَّةٍ امتازُوا بها هي ذِكرُ الدَّارِ الآخِرةِ، بالعَمَلِ لها، مع الزُّهدِ في الدُّنيا، وإنَّهم عِندَنا لَمِنَ الَّذين اصطفاهم اللهُ، ومِن عبادِه الأخيارِ.
ثمَّ يقولُ تعالى: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- إسماعيلَ واليَسَعَ وذا الكِفلِ؛ فإنَّ كلًّا منهم مِن الأخيارِ.

تفسير الآيات:

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45).
أي: واذكرْ -يا مُحمَّدُ- عِبادَنا إبراهيمَ، وابنَه إسحاقَ، وابنَ ابنِه يَعقوبَ: أصحابَ القُوَّةِ والبَصيرةِ في دينِ اللهِ تعالى [654] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/114)، ((منهاج السنة)) لابن تيميَّة (2/13)، ((جامع الرسائل)) لابن تيميَّة (2/188)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (7/540، 541) و(19/ 170، 171)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/167)، ((تفسير ابن كثير)) (7/76)، ((تفسير السعدي)) (ص: 714)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/276)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/348)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 199، 200). قال ابنُ جرير: (الأيدي: القوَّةُ، والأبصارُ: العقولُ. فإنْ قال لنا قائِلٌ: وما الأيدي مِن القُوَّةِ، والأيدي إنَّما هي جمْعُ يدٍ، واليدُ جارحةٌ؟ وما العُقولُ مِن الأبصارِ، وإنَّما الأبصارُ جمعُ بَصرٍ؟ قيل: إنَّ ذلك مَثَلٌ؛ وذلك أنَّ باليَدِ البَطشَ، وبالبَطشِ تُعرَفُ قُوَّةُ القَويِّ؛ فلذلك قيل للقَويِّ: ذو يَدٍ. وأمَّا البصَرُ فإنَّه عَنى به بصَرَ القَلبِ، وبه تُنالُ مَعرفةُ الأشياءِ؛ فلذلك قيل للرَّجُلِ العالِمِ بالشَّيءِ: بصيرٌ به، وقد يمكِنُ أن يكونَ عَنى بقَولِه: أُولِي الْأَيْدِي أولي الأيدي عندَ اللهِ بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ فجعَلَ اللهُ أعمالَهم الصَّالحةَ الَّتي عَمِلوها في الدُّنيا أيديًا لهم عندَ الله؛ تمثيلًا لها باليدِ تكونُ عندَ الرَّجُلِ لآخَرَ). ((تفسير ابن جرير)) (20/116). وقال النحَّاسُ: (فأمَّا وَالْأَبْصَارِ فمُتَّفَقٌ على تأويلِها أنَّها البصائِرُ في الدِّينِ، وأمَّا الْأَيْدِي فمُختَلَفٌ في تأويلِها؛ فأهلُ التَّفسيرِ يقولون: إنَّها القُوَّةُ في الدِّينِ، وقومٌ يقولونَ: الأيدي جمعُ يدٍ، وهي النِّعمةُ، أي: هم أصحابُ النِّعَمِ، أي: الَّذين أنعَمَ اللهُ عليهم، وقيل: هم أصحابُ النِّعَمِ والإحسانِ؛ لأنَّهم قد أحسَنوا، وقَدَّموا خَيرًا). ((إعراب القرآن)) (3/313). وقال ابنُ عطيَّةَ: (قَولُه تعالى: وَالْأَبْصَارِ عبارةٌ عن البصائِرِ، أي: يُبصِرونَ الحقائِقَ، ويَنظُرونَ بنورِ اللهِ تعالى، وبنحوِ هذا فسَّر الجميعُ). ((تفسير ابن عطية)) (4/509). وقال ابنُ القَيِّمِ: (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ فالأيدي: القُوَى والعزائِمُ في ذاتِ اللهِ، والأبصارُ: البصائِرُ في أمرِ اللهِ. وعباراتُ السَّلَفِ تدورُ على ذلك). ((إغاثة اللهفان)) (2/167). .
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46).
القراءات ذات الأثر في التفسير:
1- قِراءةُ: بِخَالِصَةِ ذِكْرَى بالإضافةِ. قيل: المعنى: إنَّا أخلَصْناهم بأفضَلِ ما في الدَّارِ الآخرةِ. وقيل: المعنى: نزَعَ اللهُ ما في قُلوبِهم مِن حُبِّ الدُّنيا وذِكرِها، وأخلَصَهم بحُبِّ الآخِرةِ والرَّغبةِ فيها، والزُّهدِ في الدُّنيا. وقيل «خالِصة»: مَصدرٌ بمعنى الإخلاصِ، أي: بإخلاصِهم ذِكرى الدَّارِ. وقيلَ غيرُ ذلك [655] قرأ بها نافعٌ وأبو جعفرٍ المَدَنيَّانِ، وهشامٌ عن ابنِ عامرٍ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/361). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (20/117 - 119)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 614)، ((تفسير القرطبي)) (15/218). .
2- قراءةُ: بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى بالتَّنوينِ. قيل: المعنى: إنَّا أخلَصْناهم بخالصةٍ هي ذِكْرى الدَّارِ، أي: أنَّهم كانوا يُذَكِّرون النَّاسَ بالدَّارِ الآخرةِ، ويَدْعونهم إلى العملِ لها بطاعةِ الله. وقيل: المعنى: أنَّ اللهَ تعالى قد أخلَصهم بعملِهم للآخرةِ وذِكْرِهم لها، أي: فجعَلهم له خالِصينَ بالإكثارِ مِن ذِكرِ الآخرةِ، والرُّجوعِ إلى الله. وقيل: الدَّارُ يجوزُ أن يُرادَ بها الدُّنيا، أي: لِيَتذكَّروا الدُّنيا ويَزهَدوا فيها، ولِتَخلصَ لهم بالثَّناءِ الحسَنِ عليهم، كما قال تعالى: وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [656] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/361). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (20/117 - 119)، ((معاني القراءات)) للأزهري (2/329)، ((تفسير القرطبي)) (15/218). [مر يم: 50].
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46).
أي: إنَّا جعَلْناهم خالِصينَ لنا بخصلةٍ خالِصةٍ، لا شَوْبَ فيها، هي تذكُّرُهم دائمًا للدَّارِ الآخرةِ، والعملُ لها، والزُّهدُ في الدُّنيا [657] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/119)، ((تفسير الرسعني)) (6/505)، ((تفسير العليمي)) (6/36)، ((تفسير الشربيني)) (3/422)، ((تفسير الألوسي)) (12/201). قال ابنُ جُزَي: (معنى أَخْلَصْنَاهُمْ: جعَلْناهم خالِصينَ لنا، أو أخلَصْناهم دونَ غَيرِهم، وخالِصة: صِفةٌ حُذِفَ مَوصوفُها، تقديرُه: بخَصلةٍ خالِصةٍ، وأمَّا الباءُ في قَولِه: بِخَالِصَةٍ فإنْ كان أَخْلَصْنَاهُمْ بمعنى: جعَلْناهم خالِصينَ؛ فالباءُ سَبَبيَّةٌ للتَّعليلِ، وإن كان أَخْلَصْنَاهُمْ بمعنى: خصَصْناهم؛ فالباءِ لِتَعديةِ الفِعلِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/211). وقال أيضًا: (وإن أرادَ بالدَّارِ: الدُّنيا؛ فالمعنى: حُسْنُ الثَّناءِ، والذِّكرُ الجَميلُ في الدُّنيا، كقَولِه: لِسَانَ صِدْقٍ [الشعراء: 84]). ((تفسير ابن جزي)) (2/211). وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ القيِّمِ، فقال: (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ أي: خَصَصْناهم بخَصيصةٍ، وهو الذِّكرُ الجميلُ الَّذي يُذْكَرونَ به في هذه الدَّارِ، وهو لِسانُ الصِّدقِ الَّذي سأله إبراهيمُ الخَليلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ حيث قال: وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ [الشعراء: 84]، وقال سُبحانَه وتعالى عنه وعن بَنيه: وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا [مريم: 50]). ((الجواب الكافي)) (ص: 80). .
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47).
أي: وإنَّ إبراهيمَ وإسحاقَ ويَعقوبَ عندَ اللهِ لَمِنَ الَّذين اصطفاهم، ومِن عِبادِه الأخيارِ [658] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/120)، ((تفسير القرطبي)) (15/217)، ((تفسير ابن كثير)) (7/77). وقوله: الْأَخْيَارِ قيل: معناه: الَّذين اختارهم اللهُ لرِسالتِه. وممَّن قال بهذا المعنى: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، وابنُ جرير، والقرطبيُّ، والبيضاوي، والخازن. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/649)، ((تفسير ابن جرير)) (20/120)، ((تفسير القرطبي)) (15/217)، ((تفسير البيضاوي)) (5/31)، ((تفسير الخازن)) (4/45). وقيل: الْأَخْيَارِ جمعُ (خَيِّر) بالتَّشديدِ، والتَّخفيفِ، كأمواتٍ جمع مَيِّتٍ ومَيْتٍ. وممَّن اختار هذا المعنى في الجملةِ: الواحديُّ، والرسعني، والعُلَيمي، والشوكاني، وابن عثيمين. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 925)، ((تفسير الرسعني)) (6/505)، ((تفسير العليمي)) (6/37)، ((تفسير الشوكاني)) (4/502)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 201). قال ابن عثيمين: (الخيِّر على وزنِ فيعلٍ، وهو كثيرُ الخيرِ). ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 201). .
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48).
أي: واذكُرْ -يا مُحمَّدُ- إسماعيلَ والْيَسَعَ وذا الكِفْلِ؛ فإنَّ كُلًّا منهم مِنَ الأخيارِ [659] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/120)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/280)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/348). قال السعدي: (اختارهم اللهُ مِن الخَلقِ، واختار لهم أكمَلَ الأحوالِ؛ مِن الأعمالِ والأخلاقِ، والصِّفاتِ الحميدةِ، والخِصالِ السَّديدةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 715). وقال الشوكاني: (المرادُ مِن ذِكرِ هؤلاء أنَّهم مِن جُملةِ مَن صبَر مِن الأنبياءِ، وتحمَّلوا الشَّدائِدَ في دينِ الله. أمَر الله رسولَه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنْ يَذكُرَهم؛ لِيَسلُكَ مسلكَهم في الصَّبرِ). ((تفسير الشوكاني)) (4/502). والْيَسَع اسمُ نبيٍّ مِن الأنبياءِ، ذُكِر معهم هنا، وفي سورةِ (الأنعام) الآية (86)، وهو اسمٌ أعجميٌّ، ودخَلت عليه الألفُ واللامُ زائدتينِ. يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (8/258)، ((تفسير القرطبي)) (7/33)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (2/285)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/490). واختَلَف العلماءُ في ذي الكِفْلِ، هل هو نبيٌّ أم لا؟ فذهَب مقاتلُ بنُ سليمانَ، والرازي، والقرطبي، وابنُ كثير، والبقاعي، والعُليمي، والسعدي إلى أنَّه نبيٌّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/649)، ((تفسير الرازي)) (26/401)، ((تفسير القرطبي)) (15/219)، ((تفسير ابن كثير)) (5/363)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/400)، ((تفسير العليمي)) (4/383)، ((تفسير السعدي)) (ص: 715). قال ابن كثير: (وأمَّا ذو الكِفْلِ فالظَّاهرُ مِنَ السِّياقِ أنَّه ما قُرِنَ معَ الأَنبياءِ إلَّا وهو نَبِيٌّ). ((تفسير ابن كثير)) (5/363). وممن قال بذلك مِن السلفِ: الحسنُ، وعطاءٌ. يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/207).  وقيل: لم يكن نبيًّا، ونسَبه القرطبي إلى الجمهورِ. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/328). وممن قال بذلك مِن السلفِ: أبو موسى الأشعري، ومجاهدٌ، وقتادةُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/371)، ((تفسير الماوردي)) (3/464)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/207). وتوقَّفَ ابنُ جرير في ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/368). واستظهر ابنُ عثيمينَ أنَّ معنى (ذي الكفل) صاحبُ العملِ الكثيرِ، والجدِّ والنَّشاطِ. يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 203). وقال الألوسي: (وقيل في تسميتِه «ذا الكفل» أقوالٌ مضطربةٌ لا تصحُّ، والله تعالى أعلم). ((تفسير الألوسي)) (9/78). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/368)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/207). .
كما قال الله تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ [الأنعام: 86] .
وقال سبحانَه: وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الأنبياء: 85] .

الفوائد التربوية:

1- قال الله تعالى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ أي: البَصائِرِ في دينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ فبالبصائِرِ يُدرَكُ الحَقُّ ويُعرَفُ، وبالقُوى يُتمَكَّنُ مِن تبليغِه وتَنفيذِه والدَّعوةِ إليه، ولذلك كان وَرَثةُ الرُّسُلِ وخُلَفاءُ الأنبياءِ -عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- هم الَّذين قاموا بالدِّينِ عِلمًا وعَمَلًا ودَعوةً إلى اللهِ -عزَّ وجَلَّ- ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهؤلاء أتْباعُ الرُّسُلِ -صَلَواتُ اللهِ عليهم وسَلامُه- حَقًّا، وهؤلاء هم الَّذين جَمَعوا بيْنَ البَصيرةِ في الدِّينِ، والقُوَّةِ على الدَّعوةِ [660] يُنظر: ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص: 58). .
2- في قَولِه تعالى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إلى آخرِ الآياتِ: أنَّه ينبغي ذِكرُ أهلِ الخيرِ بالثَّناءِ؛ لأنَّ في ذلك فائِدَتينِ:
الفائِدةُ الأُولى: إحياءُ ذِكْرِ هؤلاء؛ لِيَتبيَّنَ فَضلُهم، ويُدْعَى لهم.
والفائِدةُ الثَّانيةُ: الاقتِداءُ بهم، واتِّباعُهم فيما هم عليه ممَّا استحَقُّوا به الثَّناءَ، ويَتفرَّعُ على هذه الفائدةِ: أنَّ مَن أَنعَمَ اللهُ عليه بهذه الصِّفَةِ -وهي تَذَكُّرُ الدَّارِ الآخرةِ- فإنَّ هذا مِن الأمْرِ الَّذي يَستَحِقُّ الثَّناءَ عليه هو، ويَستَحِقُّ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ عليه الشُّكرَ؛ حيث لم يَجعَلْ هذا مِمَّن يَنطوي في سِلْكِ أهلِ الدُّنيا [661] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة ص)) (ص: 201). !

 الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ الله تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ إطلاقُ الدَّارِ؛ للإشعارِ بأنَّها الدَّارُ الحَقيقيَّةُ، والدُّنيا مَعبَرٌ [662] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/422). .
2- قَولُ الله تعالى: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ احتَجَّ العُلَماءُ بهذه الآيةِ في إثباتِ عِصمةِ الأنبياءِ [663] قال ابنُ تيميَّة: (القَولُ بأنَّ الأنبياءَ مَعصومونَ مِن الكبائِرِ دونَ الصَّغائِرِ هو قولُ أكثَرِ عُلَماءِ الإسلامِ، وجميعِ الطَّوائِفِ، حتَّى إنَّه قَولُ أكثَرِ أهلِ الكَلامِ، كما ذكَرَ أبو الحسَنِ الآمِديُّ أنَّ هذا قَولُ أكثَرِ الأشعَريَّةِ، وهو أيضًا قَولُ أكثَرِ أهلِ التَّفسيرِ والحَديثِ والفُقَهاءِ، بل لم يُنقَلْ عن السَّلَفِ والأئمَّةِ والصَّحابةِ والتَّابِعينَ وتابعيهم إلَّا ما يُوافِقُ هذا القَولَ). ((مجموع الفتاوى)) (4/319). وقال أيضًا: (أهلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقونَ على أنَّ الأنبياءَ مَعصومون فيما يُبَلِّغونَه عن اللهِ تعالى، وهذا هو مَقصودُ الرِّسالةِ). ((منهاج السنة)) (1/470). وقال ابنُ حزم: (يَقَعُ مِن الأنبياءِ السَّهوُ عن غيرِ قَصدٍ، ويَقَعُ منهم أيضًا قَصدُ الشَّيءِ يُريدونَ به وَجْهَ الله تعالى والتَّقَرُّبَ به منه، فيُوافِقُ خِلافَ مُرادِ الله تعالى، إلَّا أنَّه تعالى لا يُقِرُّهم على شَيءٍ مِن هذينِ الوَجهَينِ). ((الفِصَل في المِلَل والأهواء والنِّحَل)) (4/2). ؛ لأنَّه تعالى حَكَم عليهم بكَونِهم أخيارًا على الإطلاقِ، وهذا يَعُمُّ حُصولَ الخَيريَّةِ في جَميعِ الأفعالِ والصِّفاتِ [664] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (26/400). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ
- ذِكرُ هؤلاء الثَّلاثةِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ذِكرُ اقتِداءٍ وائْتِساءٍ بهم؛ فأمَّا إبراهيمُ عليه السَّلامُ فبما عُرِفَ مِن صَبرِه على أذى قَومِه، وإلقائِه في النَّارِ، وابتِلائِه بتَكليفِ ذَبحِ ابْنِه، وأمَّا ذِكرُ إسحاقَ ويَعقوبَ فاستِطرادٌ بمُناسَبةِ ذِكرِ إبراهيمَ، ولِمَا اشتَرَكا به مِنَ الفَضائِلِ مع أبيهما؛ لِيَقتَديَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَلاثَتِهم في القُوَّةِ في إقامةِ الدِّينِ، والبَصيرةِ في حَقائِقِ الأُمورِ. وابتُدِئَ بإبراهيمَ؛ لِتَفضيلِه بمَقامِ الرِّسالةِ والشَّريعةِ، وعُطِفَ عليه ذِكرُ ابنِه، وعُطِفَ على ابنِه ابنُه يَعقوبُ [665] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/276). .
- قَولُه: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا قُرئَ عَبَدْنَا [666] قرأ ابنُ كثيرٍ عَبَدْنَا بغيرِ ألِفٍ، وقرَأ الباقون عِبَادَنَا بالألِفِ. يُنظر: ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 613)، ((النشر في القراءات العشر)) لابن الجزري (2/361). ؛ إمَّا على أنَّ إبراهيمَ وحْدَه -لِمَزيدِ شَرَفهِ- عَطفُ بَيانٍ، وقيلَ: بَدَلٌ، وقيلَ: نُصِبَ بإضمارِ (أَعْنِي)، والباقيانِ عَطفٌ على (عَبدَنا)، وإمَّا على أنَّ (عَبدَنا) اسمُ جِنسٍ وُضِعَ مَوضِعَ الجَمعِ [667] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/230). .
- وفي قَولِه: أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ كِنايةٌ عنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، والفِكرِ، كأنَّ الَّذين لا يَعمَلونَ أعمالَ الآخِرةِ، ولا يُجاهِدونَ في اللهِ، ولا يُفَكِّرونَ أفكارَ ذَوي الدِّياناتِ، ولا يَستَبصِرونَ؛ في حُكمِ الزَّمْنى الَّذين لا يَقدِرونَ على إعْمالِ جَوارِحِهم، والمَسلوبي العُقولِ الَّذين لا استِبصارَ بهم، وفيه تَعريضٌ بكُلِّ مَن لم يَكُنْ مِن عُمَّالِ اللهِ مِنَ الجَهَلةِ البَطَّالينَ، ولا مِنَ المُستَبصِرينَ في دِينِ اللهِ، وتَوبيخٌ على تَركِهمُ المُجاهَدةَ والتَّأمُّلَ مع كَونِهم مُتَمكِّنينَ منهما [668] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/99)، ((تفسير البيضاوي)) (5/31)، ((تفسير أبي حيان)) (9/164)، ((تفسير أبي السعود)) (7/230)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/370، 371). .
- قَولُه: أُولِي الْأَيْدِي أي: القُوَّةِ الشَّديدةِ، والأعمالِ السَّديدةِ؛ لأنَّ الأيديَ أعظَمُ آلاتِ ذلك [669] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/396). ، أو لأنَّ أكثَرَها بمُباشَرتِها [670] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (3/422). .
2- قولُه تعالَى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ عِلَّةٌ لِلأمْرِ بذِكرِهم، ولِمَا وُصِفوا به مِن شَرَفِ العُبوديَّةِ، وعُلُوِّ الرُّتبةِ في العِلْمِ؛ لِأنَّ ذِكرَهم يُكسِبُ الذَّاكِرَ الاقتِداءَ بهم في إخلاصِهم، ورَجاءَ الفَوزِ بما فازوا به مِنَ الاصطِفاءِ والأفضَليَّةِ في الخَيرِ، والمَعنى: أخلَصْناهم بسَبَبِ هذه الخَصلةِ، وبأنَّهم مِن أهلِها، أو أخلَصْناهم بتَوفيقِهم لها، واللُّطفِ بهم في اختيارِها؛ وذلك لِأنَّ مَطمَحَ نَظَرِهم فيما يأْتونَ ويَذَرونَ جِوارُ اللهِ، والفَوزُ بلِقائِه، وذلك في الآخِرةِ، أوِ المَعنى: أخلَصْناهم: جَعَلْناهم خالِصينَ، فالهَمزةُ لِلتَّعديةِ، أيْ: طَهَّرْناهم مِن دَرَنِ النُّفوسِ، فصارَتْ نُفوسُهم نَقيَّةً مِنَ العُيوبِ العارِضةِ لِلبَشَرِ، وهذا الإخلاصُ هو مَعنى العِصمةِ اللَّازِمةِ لِلنُّبُوَّةِ [671] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/99)، ((تفسير البيضاوي)) (5/31)، ((تفسير أبي حيان)) (9/164)، ((تفسير أبي السعود)) (7/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/276، 277)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/370). .
- قَولُه: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ إسنادُ الإخلاصِ إلى اللهِ تعالى؛ لأنَّه أمْرٌ لا يَحصُلُ لِلنَّفْسِ البَشَريَّةِ إلَّا بجَعلٍ خاصٍّ مِنَ اللهِ تَعالى، وعِنايةٍ لَدُنِّيَّةٍ، بحيثُ تُنزَعُ مِنَ النَّفْسِ غَلَبةُ الهَوى في كُلِّ حالٍ، وتُصرَفُ النَّفْسُ إلى الخَيرِ المَحضِ؛ فلا تَبقَى في النَّفْسِ إلَّا نَزَعاتٌ خَفيفةٌ تُقلِعُ النَّفْسُ عنها سَريعًا بمُجرَّدِ خُطورِها [672] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/164)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/277). .
- وقَولُه: بِخَالِصَةٍ أيْ: بخَصلةٍ خالِصةٍ لا شَوْبَ فيها، ثم فَسَّرَها بـ ذِكْرَى الدَّارِ؛ شَهادةً لِذِكرى الدَّارِ بالخُلوصِ والصَّفاءِ وانتِفاءِ الكُدورةِ عنها. وقيلَ: أيْ: جَعَلْناهم خالِصينَ لنا بخَصلةٍ خالِصةٍ عَظيمةِ الشَّأنِ، كما يُنبِئُ عنه التَّنكيرُ التَّفخيميُّ. وقُرِئَ بِخَالِصَةِ بدونِ تنوينٍ؛ لِإضافَتِه إلى ذِكْرَى الدَّارِ، والإضافةُ بَيانيَّةٌ؛ لِأنَّ ذِكرى الدَّارِ هي نَفْسُها الخالِصةُ، فكَأنَّه قيلَ: بذِكرى الدَّارِ. وإنَّما ذَكَر لَفظَ (خَالِصة)؛ لِيَقَعَ إجمالٌ ثمَّ يُفَصَّلُ بالإضافةِ؛ لِلتَّنبيهِ على دِقَّةِ هذا الخُلوصِ. والتَّعريفُ بالإضافةِ؛ لِأنَّها أقصى طَريقٍ لِلتَّعريفِ في هذا المَقامِ [673] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/99)، ((تفسير البيضاوي)) (5/31)، ((تفسير أبي حيان)) (9/164، 165)، ((تفسير أبي السعود)) (7/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/278). .
- والباءُ في بِخَالِصَةٍ لِلسَّبَبيَّةِ؛ تَنبيهًا على سَبَبِ عِصمَتِهم، وعَبَّرَ عن هذا السَّبَبِ تَعبيرًا مُجمَلًا؛ تَنبيهًا على أنَّه أمْرٌ عَظيمٌ دَقيقٌ لا يُتصَوَّرُ بالكُنْهِ، ولكِنْ يُعرَفُ بالوَجْهِ؛ ولذلك استَحضَرَ هذا السَّبَبَ بوَصفٍ مُشتَقٍّ مِن فِعلِ أَخْلَصْنَاهُمْ، ثم بُيِّنتْ هذه الخالِصةُ بأقصَى ما تُعبِّرُ عنه اللُّغةُ، وهي أنَّها ذِكْرَى الدَّارِ [674] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/165)، ((تفسير أبي السعود)) (7/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/277)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (8/370). .
- والذِّكرى: اسمُ مَصدَرٍ يَدُلُّ على قُوَّةِ مَعنى المَصدَرِ، مِثلُ: الرُّجْعى، والبُقْيا؛ لِأنَّ زِيادةَ المَبنى تَقتَضي زِيادةَ المَعنى، والدَّارُ المَعهودةُ لِأمثالِهم هي الدَّارُ الآخِرةُ، أيْ: بحيث لا يَنسَوْنَ الآخِرةَ، ولا يُقْبِلونَ على الدُّنيا، فالدَّارُ الَّتي هي مَحَلُّ عِنايَتِهم هي الدَّارُ الآخِرةُ [675] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/277، 278). .
3- قولُه تعالَى: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ هذا عطفٌ على ما قَبْلَه؛ لِأنَّه مِمَّا يَبعَثُ على ذِكرِهم بأنَّهمُ اصطَفاهمُ اللهُ مِن بَينِ خَلقِه، فقَرَّبَهم إليه، وجَعَلَهم أخيارًا. وصيغَتا الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ تَدُلَّانِ على شِدَّةِ الوَصفِ في المَوصوفِ [676] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/279). .
- وعِنْدَنَا ظَرفٌ مَعمولٌ لِمَحذوفٍ، دَلَّ عليه الْمُصْطَفَيْنَ، أيْ: وإنَّهم مُصطَفَوْنَ عِندَنا، أو مَعمولٌ لِـ الْمُصْطَفَيْنَ، وإنْ كان بـ (ال)؛ لِأنَّهم يَتسَمَّحونَ في الظَّرفِ والمَجرورِ ما لا يَتسَمَّحونَ في غَيرِهما، أو على التَّبيينِ، أيْ: أعْني عِندَنا، ويَعني بالعِنديَّةِ: المَكانةَ [677] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (9/165). .
4- قولُه تعالَى: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ
- قولهُ: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ فُصِلَ ذِكرُه عن ذِكرِ أبيه وأخيه؛ لِلإشعارِ بعَراقَتِه في الصَّبرِ، الَّذي هُو المَقصودُ بالتَّذكيرِ. وقيلَ: لِأنَّ إسماعيلَ كان جَدَّ الأُمَّةِ العَربيَّةِ، أيْ: مُعظَمِها؛ فإنَّه أبو العَدنانِيِّينَ، وجَدٌّ لِلأُمِّ لِمُعظَمِ القَحطانِيِّينَ؛ لِأنَّ زَوجَ إسماعيلَ جُرهُميَّةٌ؛ فلذلك قُطِعَ عن عَطفِه على ذِكرِ إبراهيمَ، وعادَ الكَلامُ إليه هنا [678] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (7/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (23/279). ، أو أفرَدَه بالذِّكرِ؛ دَلالةً على أنَّه أصلٌ عَظيمٌ برأسِه مِن أُصولِ الأئِمَّةِ الأعلامِ [679] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/399). .
- وقَرَنَ ذِكرَ إسماعيلَ بذِكرِ اليَسَعَ وذي الكِفلِ عليهم السَّلامُ، بعَطفِ اسمَيْهما على اسمِه؛ لِوَجهٍ دَقيقٍ في البَلاغةِ؛ فأمَّا عَطفُ اليَسَعَ على إسماعيلَ؛ فلِأنَّ اليَسَعَ كان مَقامُه في بَني إسرائيلَ كمَقامِ إسماعيلَ في بَني إبراهيمَ، وأمَّا عَطفُ ذي الكِفلِ على إسماعيلَ؛ فلِأنَّه مُماثِلٌ لِإسماعيلَ في صِفةِ الصَّبرِ؛ قال اللهُ تَعالى في سُورةِ (الأنبياءِ): وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [680] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (23/279، 280). [الأنبياء: 85] .