موسوعة التفسير

سورةُ الكَهفِ
الآيات (74-76)

ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ

غريب الكلمات:

زَكِيَّةً: أي: طاهِرةً من الذُّنوبِ، وأصلُ (زكي): يدلُّ على طَهارةٍ [1184] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/17- 18)، ((المفردات)) للراغب (ص: 381)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 492).   .
نُكْرًا: أي: مُنكرًا عظيمًا، وأصلُ (نكر): يدُلُّ على خِلافِ المَعرِفةِ [1185] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 270)، ((تفسير ابن جرير)) (15/342)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 474)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/476)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 217)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 916).   .

المعنى الإجمالي:

يقول تعالى: انطلق موسَى والخضرُ بعدَ أن خرَجَا مِن السَّفينةِ، فبينما هما يَمشِيانِ إذ أبصَرَا غُلامًا صغيرًا، فقَتَلَه الخَضِرُ، فأنكر موسى عليه وقال: كيف قتَلْتَ نَفسًا طاهِرةً من الذنوبِ وهي لم تَقتُلْ نفسًا، حتى تستحِقَّ القَتلَ بها؟! لقد فَعَلْتَ أمرًا مُنكَرًا عظيمًا. قال الخَضِرُ لموسى مُعاتِبًا ومُذَكِّرًا: ألم أقُلْ لك إنَّك لن تستطيعَ معيَ صَبرًا؟ قال موسى له: إنْ سألْتُك عن شَيءٍ بعد هذه المَرَّةِ فاترُكْني ولا تُصاحِبْني، قد وصلتَ إلى حالٍ تُعْذَرُ فيها في مفارقتي.

تفسير الآيات:

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74).
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ.
أي: فانطلقَ موسى والخَضِرُ بعدَ ذلك يَسيرانِ إلى أن لَقِيَا غُلامًا صَغيرًا [1186] قال القرطبي: (قال الجمهورُ: لم يكُنْ بالغًا؛ ولذلك قال موسَى: «زاكيةً لم تُذْنِبْ»، وهو الَّذي يَقْتَضيه لفظُ الغلامِ، فإنَّ الغلامَ في الرِّجالِ يُقالُ على مَنْ لم يبلُغْ). ((تفسير القرطبي)) (11/21).   ، فقتَلَه الخَضِرُ [1187] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/339)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 117).   !!
وفي قِصَّةِ موسَى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: ((فلمَّا خَرَجا مِن البَحرِ مَرُّوا بغُلامٍ يلعَبُ مع الصِّبيانِ، فأخَذ الخَضِرُ برأسِه فقَلَعَه بيَدِه هكذا- وأومأ سُفيانُ بأطرافِ أصابعِه كأنَّه يَقطِفُ شَيئً ا!)) [1188] رواه البخاري (3401).   .
وفي روايةٍ: ((وَجَد غِلمانًا يَلعَبونَ فأخذ غُلامًا كافِرًا ظَريفًا [1189] الظَّرْفُ: حُسنُ الوَجْهِ والهَيئةِ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (24/112).   ، فأضجَعَه ثمَّ ذبَحَه بالسِّكِّينِ [1190] قال ابن حجر: (فأضْجَعه ثُمَّ ذَبَحه بالسِّكِّينِ، وفي روايةِ سفيانَ: «فأخَذ الخضرُ برأسِه فاقتلَعه بيدِه فقَتَله»، وفي روايتِه في البابِ الَّذي يَلِيه: «فقَطَعه»، وَيُجمَعُ بينَهما بأنَّه ذبَحه ثُمَّ اقتلَع رأسَه، وفي روايةٍ أُخرَى عندَ الطَّبريِّ: «فأخَذ صخرةً فثَلغ رَأسَه» وهي بمثلثة ثمَّ معجمةٍ، والأوَّلُ أصحُّ، ويمكنُ أنْ يكونَ ضَرَب رأسَه بالصَّخرةِ، ثمَّ ذبَحه وقطَع رأسَه). ((فتح الباري)) (8/419).   ) [1191] رواه البخاري (4726).   .
وفي روايةٍ: ((فانطلَقا حتى إذا لَقِيا غِلمانًا يَلعَبونَ، قال: فانطلَقَ إلى أحَدِهم باديَ الرَّأيِ [1192] بادِيَ الرأيِ: أي: ظاهِرَ الرأْي والنَّظرِ من غير فِكرٍ ولا رَويَّةٍ، من البُدُوِّ: وهو الظُّهورُ، ومَن همزه (بادئَ) فيكونُ المعنى: أي: في أوَّل رَأيٍ رآه وابتَدأ به. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/262).   فقتَلَه، فذُعِرَ [1193] فذُعِرَ: الذُّعرُ: الفزعُ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/161).   عندها موسى عليه السَّلامُ ذَعرةً مُنكَرةً )) [1194] رواه مسلم (2380).   .
قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ.
أي: قال موسى مُنكِرًا على الخَضِرِ قَتْلَ الغُلامِ: أقتَلْتَ نفسًا طاهرةً من الذُّنوبِ بغيرِ حَقٍّ ومُستَنَدٍ يُخَوِّلُ لك قَتْلَه؟! فلمْ يَقتُلِ الغُلامُ أحدًا حتى تَقتُلَه [1195] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/339، 341)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 668)، ((تفسير الزمخشري)) (2/736)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482). قال الزمخشري: (قُرِئَ: زاكية، وزكيَّة، وهي: الطَّاهِرةُ مِن الذُّنوبِ؛ إمَّا لأنَّها طاهرةٌ عنده؛ لأنَّه لم يَرَها قد أذنبت، وإمَّا لأنَّها صغيرةٌ لم تبلُغِ الحِنثَ). ((تفسير الزمخشري)) (2/736).   !
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِرِ من حديثِ أبيِّ بنِ كعبٍ رضي الله عنه: ((قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لم تعمَل بالحِنثِ [1196] الحِنث: أي: الإثم والمعصية، أي: لم يَبلُغْ. يُنظر: ((الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري)) للكرماني (17/198).   ؟!)) [1197] رواه البخاري (4726).   .
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا.
أي: لقد فعلتَ -بقَتلِك الغُلامَ بغيرِ ذَنبٍ- فِعلًا مُنكَرًا ظاهِرَ النَّكارةِ [1198] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/342)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482). قال السعدي: (كانت الأولَى مِن موسَى نسيانًا، وهذه غيرُ نِسيانٍ، ولكنْ عَدَم صَبرٍ). ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   !
قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75).
أي: قال الخَضِرُ لموسى: ألم أقُلْ لك مِن قَبلِ أن تَصحَبَني: إنَّك لن تُطيقَ الصَّبرَ على اتِّباعي؛ لِما تراه من أفعالي التي ظاهِرُها مُنكَرٌ، وإنَّك لن تَصبِرَ عن سُؤالي عن أفعالي؛ لأنَّك لم تُحِطْ بها خُبْرًا [1199] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/343)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   ؟!
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76).
قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي.
أي: قال موسى للخَضِرِ: إنْ سألتُك عن أيِّ شَيءٍ بعد هذه المرَّة، ففارِقْني، واترُك صُحبَتي [1200] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/343)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   .
قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا.
أي: قد وصلتَ إلى حالٍ تُعْذَرُ فيها في مُفارَقتي، وتَرْكِ مُصاحَبتي؛ وذلك باعتراضي مَرَّتَينِ، واحتِمالِك لي فيهما [1201] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/343)، ((تفسير القرطبي)) (11/22)، ((تفسير ابن كثير)) (5/183)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 482)، ((تفسير ابن عاشور)) (16/6)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة الكهف)) (ص: 119).   .
وفي قِصَّةِ موسى والخَضِر من حديثِ أبيِّ بنِ كعبٍ: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندَ هذا المكانِ: ((رحمةُ الله علينا وعلى موسى، لولا أنَّه عَجَّلَ لرأى العَجَب، ولكِنَّه أخذَتْه مِن صاحِبِه ذِمامةٌ [1202] ذِمامةٌ: أي: حَياءٌ وإشفاقٌ، مِن الذَّمِّ واللَّومِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/170).   ، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا، ولو صبَرَ لرأى العَجَب!! )) [1203] رواه مسلم (2380).   .

الفوائد التربوية:

قَولُ الله تعالى: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فيه أنَّه ينبغي للصَّاحِبِ ألَّا يُفارِقَ صاحِبَه في حالةٍ مِن الأحوالِ، ويَترُكَ صُحبَتَه، حتى يُعتِبَه [1204] أعتبه: أي: أزال شكواه، والهمزةُ فيه للسَّلبِ. ((المصباح المنير)) للفيومي (2/391).   ، ويُعذِرَ منه، كما فعل الخَضِرُ مع موسى [1205] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 482).   .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قوله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا الحكمُ بالظاهرِ؛ لقولِه عليه السلامُ: نَفْسًا زَكِيَّةً [1206] يُنظر: ((تفسير آيات من القرآن الكريم)) (5/259)، (مطبوع ضمن مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب).   .
2- قَولُ الله تعالى: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا فيه أنَّ القَتلَ قِصاصًا غيرُ مُنكَرٍ، وأنَّ القصاصَ كان في شرعِ مَن قبلَنا [1207] يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (7/373)، ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
3- قَولُ الله تعالى: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا فيه أنَّ القَتلَ مِن أكبَرِ الذُّنوبِ [1208] يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للمازري (7/373)، ((تفسير السعدي)) (ص: ٤٨٢).   .
4- قوله تعالى: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا لم يَعتذِرْ هنا موسى عليه السَّلامُ بالنِّسيانِ؛ إمَّا لأنَّه لم يَكُنْ نَسي، ولكنَّه رجَّح تغييرَ المنكَرِ العَظيمِ، وهو قَتْلُ النَّفسِ بدونِ موجِبٍ، على واجبِ الوفاءِ بالالْتِزامِ، وإمَّا لأنَّه نَسي وأعرَض عن الاعتِذارِ بالنِّسيانِ؛ لِسَماجَةِ تَكرُّرِ الاعْتِذارِ به، وعلى الاحْتِمالَينِ فقد عدَل إلى المبادَرةِ باشْتِراطِ ما تَطمئِنُّ إليه نفسُ صاحبِه بأنَّه إن عاد للسُّؤالِ الَّذي لا يَبْتَغيه صاحِبُه فقد جعَل له أن لا يُصاحِبَه بعدَه [1209] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/6).   .
5- قَولُ الله تعالى: قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فيه أنَّ للثَّلاثِ اعتِبارًا في التَّكرارِ ونَحوِه [1210] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 171).   .
6- قَولُ موسى للخَضِر: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي والتزامُ موسى بذلك ولم يكتُبا ذلك، ولم يُشهِدا أحدًا؛ فيه دَلالةٌ على العَمَلِ بمُقتضى ما دلَّ عليه الشَّرطُ؛ فإنَّ الخَضِرَ قال لموسى لَمَّا أخلَفَ الشَّرطَ: هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ [الكهف: 78] ولم يُنْكِرْ موسى ذلك [1211] يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (5/326).   .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
     - قولُه: فَانْطَلَقَا في الكلامِ حذفٌ تَقديرُه: فخرَجا مِن السَّفينةِ، ولم يقَعْ غرَقٌ بأهلِها، فانطلَقا [1212] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/207).   ، أو: فقَبِل عُذرَه، فخَرَجا مِن السَّفينةِ، فانطَلَقا [1213] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/235).   .
     - وفيه مُناسَبةٌ حسَنة؛ حيثُ قال عزَّ وجلَّ هُنا: حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ بالفاءِ؛ وقال فيما سبق: حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا بغيرِ فاءٍ، ووجهُ ذلك: أنَّه جعَل خَرْقَها جَزاءَ الشَّرطِ، فلم يَحتَجْ للفاءِ، وجعَلَ قتْلَ الغُلامِ مِن جُملةِ الشَّرطِ؛ فعَطَفه عليه بالفاءِ، وجَزاءُ الشَّرطِ قولُه: قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ [الكهف: 74] ، وخُولِفَ بينَهما؛ لأنَّ خَرْقَ السَّفينةِ لم يَتعقَّبِ الرُّكوبَ، وقد تَعقَّبَ القَتْلُ لِقاءَ الغُلامِ [1214] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/736)، ((تفسير أبي حيان)) (7/208)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 345)، ((تفسير ابن عاشور)) (15/376).   .  وقيل: لعلَّ تَغْييرَ النَّظْمِ بأنْ جعَل خرْقَها جَزاءً، واعتِراضَ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مُستَأنَفًا في الأُولى وفي الثَّانية (قَتَلَهُ) مِن جُملةِ الشَّرطِ واعتِراضَه جَزاءً؛ لأنَّ القتلَ أقبَحُ والاعتِراضَ عليه أدخَلُ؛ فكان جَديرًا بأن يُجعَلَ عُمدةَ الكَلامِ؛ ولذلك فصَلَه بقولِه: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [1215] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/289).   . وقيل: ولعلَّ تَغْييرَ النَّظْمِ الكَريمِ بِجَعلِ ما صدَر عن الخَضِرِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ هاهنا مِن جُملةِ الشَّرطِ وإبرازِ ما صدَر عن موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في مَعرِضِ الجَزاءِ المقصودِ إفادتُه، مع أنَّ الحَقيقَ بذلك إنَّما هو ما صدَر عَن الخَضِرِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن الخَوارِقِ البَديعةِ؛ لاسْتِشرافِ النَّفْسِ إلى وُرودِ خَبرِها لِقلَّةِ وُقوعِها في نفسِ الأمرِ، ونُدْرةِ وُصولِ خبَرِها إلى الأذهانِ؛ ولذلك رُوعِيَت تلك النُّكتةُ في الشَّرطيَّةِ الأُولى لِما أنَّ صُدورَ الخَوارِقِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ خرَج بوُقوعِه مرَّةً مَخرَجَ العادةِ، فانصرَفَتِ النَّفسُ عن تَرقُّبِه إلى تَرقُّبِ أحوالِ موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ هل يُحافِظُ على مُراعاةِ شَرطِه بمُوجِبِ وعْدِه الأكيدِ عِندَ مُشاهَدةِ خارِقٍ آخَرَ، أو يُسارِعُ إلى المناقَشةِ، كما مرَّ في المرَّةِ الأُولى؟ فكان المقصودُ إفادةَ ما صدَر عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، ففعَل ما فعَل، وللهِ دَرُّ شأنِ التَّنزيلِ [1216] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/236).   .
وقيل: خَرقُ السفينةِ ملائِمٌ لِسَببِه وهو الركوبُ؛ لأنَّهم فعلوا معهم أمرًا ملائِمًا، فحملوهم بغيرِ نَولٍ، ففعل هو معهم بسبَبِ ذلك أمرًا ملائِمًا، وهو خَرقُ السفينةِ الموجِبُ إنجاءَهم من المَلِك الذي يأخُذُ كُلَّ سفينةٍ غَصبًا، فناسب جعْلَه سببًا عنه، وأمَّا قَتلُ الغلامِ فليس ملائِمًا للَّقاءِ، وإنَّما الملائِمُ له فِعلٌ مُقدَّرٌ، وهو خوفُ أن يُرهِقَ والِدَيه المؤمِنَينِ طُغيانًا وكفرًا؛ فلذلك عطَفَه على الشَّرطِ، ولم يجعَلْه جوابًا له ولا سببًا عنه [1217] يُنظر: ((تفسير ابن عرفة)) (3/96).   .
     - قولُه: فَقَتَلَهُ تَعقيبٌ لفِعلِ لَقِيَا تأكيدًا للمُبادَرةِ المفهومةِ مِن تقديمِ الظَّرفِ؛ فكانَت المبادرةُ بقَتلِ الغُلامِ عندَ لِقائِه أسرَعَ مِن المبادَرةِ بخَرقِ السَّفينةِ حينَ رُكوبِها [1218] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/376).   .
     - قولُه: بِغَيْرِ نَفْسٍ، أي: بغَيرِ قتلِ نَفْسٍ محرَّمةٍ، وتخصيصُ نَفْيِ هذا المبيحِ بالذِّكْرِ مِن بينِ سائرِ المبيحاتِ؛ مِن الكُفرِ بعدَ الإيمانِ، والزِّنا بعدَ الإحصانِ؛ لأنَّه الأقرَبُ إلى الوُقوعِ نَظرًا إلى حالِ الغُلامِ [1219] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (5/236).   .
2- قوله تعالى: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
     - في قولِه: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا استفهامُ تقريرٍ وتعريضٍ باللَّومِ على عدَمِ الوفاءِ بما الْتزَم، أي: أتُقِرُّ أنِّي قُلتُ: إنَّك لا تَستطيعُ مَعي صبرًا [1220] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (15/376).   ؟!
     - واللامُ في قولِه لَكَ لامُ التَّبليغِ، وذلك عندَما يَكونُ الْمَقولُ له الكلامُ مَعلومًا مِن السِّياقِ، فيَكونُ ذِكرُ اللَّامِ لزيادةِ تَقوِّي الكَلامِ، وتَبْليغِه إلى السَّامِعِ؛ ولذلك سُمِّيَت لامَ التَّبليغِ؛ فاللَّامُ لم يُحتَجْ لذِكْرِها في جوابِه أوَّلَ مرَّةٍ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف: 72] ؛ فكان التَّقريرُ والإنكارُ مع ذِكْرِ لامِ تَعدِيَةِ القولِ أقْوى وأشَدَّ [1221] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (16/5).   .