موسوعة التفسير

سُورةُ يُوسُفَ
الآيات (30-35)

ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ

غريب الكلمات:

شَغَفَهَا: أي: أصاب حبُّه شَغافَ قلبها، والشَّغافُ: غِلافُ القَلبِ [360] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 215)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 287)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/195)، ((المفردات)) للراغب (ص: 457). .
وَأَعْتَدَتْ: أي: هَيَّأَتْ وأعَدَّتْ، وأصلُه مِن الإعدادِ الذي هو تَهيئةُ الشَّيءِ [361] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/308)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/29)، ((تفسير القرطبي)) (9/178)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 196)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 171). .
مُتَّكَأً: أي: مجلسًا يُتكأُ فيه، أو وَسائِدَ يُتكأُ عليها، وأصلُ (وكأ): يدلُّ على شدِّ شيءٍ [362] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 216)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/137)، ((تفسير القرطبي)) (9/179)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 243). قال محمد رشيد رضا: (والاتكاءُ على الشَّيءِ هو التمكُّنُ بالجلوسِ عليه، أو الاعتمادُ عليه باليدِ أو اليديْنِ). ((تفسير المنار)) (12/241)، ويُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/193). .
أَكْبَرْنَهُ: أي: أجلَلْنَه وأعظَمْنَه، وأصلُ (كبر): يدُلُّ على خِلافِ الصِّغَرِ [363] يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (1/309)، ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 217)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/153)، ، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 171). .
حَاشَ لله: أي: معاذَ اللهِ، وتنزيهًا له؛ من المحاشاةِ: وهي التَّخليةُ والتَّبعيدُ [364] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 264)، ((مختار الصحاح)) للفيومي (ص: 74)، ((لسان العرب)) لابن منظور (6/291)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 403). قال الواحدي: (حاش وحاشا يُستعملان في الاستثناءِ والتبرئةِ، والأصلُ حاشا؛ لأنَّه مِن فاعلِ المحاشاةِ، يُقال: حاشَى يحاشي. والحشاءُ: الناحيةُ). ((الوسيط)) (2/610). .
فَاسْتَعْصَمَ: أي: امتنَعَ، وتحرَّى ما يَعصِمُه، وأصلُ (عصم): يدلُّ على إمساكٍ، ومَنعٍ، ومُلازمةٍ [365] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 217)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/331)، ((المفردات)) للراغب (ص: 570)، ((تفسير القرطبي)) (9/183)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 115). .
أَصْبُ: أي: أمِلْ، يُقال: صَبَا فلانٌ: إذا نزَع واشتاق، وفعَل فعلَ الصِّبيانِ، وأصلُ (صبا): يدلُّ على صِغَرِ السِّنِّ [366] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 65)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/331)، ((المفردات)) للراغب (ص: 475)، ((تفسير القرطبي)) (9/185)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 244). .

المعنى الإجمالي:

يخبرُ الله تعالى عن شيوعِ خبرِ امرأةِ العزيزِ، وأنَّ نِسوةً في المدينةِ تحَدَّثنَ به، وقُلنَ مُنكِراتٍ عليها: امرأةُ العزيزِ تُراوِدُ غُلامَها عن نفسِه، وتدعوه إلى نَفسِها، وقد بلَغ حبُّها له مبلغًا عظيمًا، إنَّا لَنَراها في هذا الفِعلِ في ضلالٍ واضِحٍ، فلمَّا سَمِعَت امرأةُ العزيزِ بغِيبتِهنَّ إيَّاها، واحتيالهِنَّ في ذمِّها، أرسَلَت إليهنَّ تَدعوهنَّ لزيارتِها، وهيَّأَت لهنَّ ما يتَّكِئنَ عليه مِن الوسائِدِ، وما يأكُلنَه مِن الطَّعامِ، وأعطَتْ كلَّ واحدةٍ منهنَّ سِكِّينًا؛ ليُقَطِّعنَ الطَّعامَ، ثمَّ قالت ليوسُفَ: اخرُجْ عليهنَّ، فلمَّا رأينَه أعظَمْنَه وأجلَلْنَه، وأخَذَهنَّ حُسنُه وجَمالُه، فجَرَحنَ أيديَهنَّ وهُنَّ يُقَطِّعنَ الطَّعامَ؛ مِن فَرطِ الدَّهشةِ والذُّهولِ، وقُلنَ مُتعَجِّباتٍ: مَعاذَ اللهِ، ما هذا مِن جِنسِ البشَرِ؛ لأنَّ جمالَه غيرُ مَعهودٍ في البشَرِ، ما هو إلَّا مَلَكٌ كريمٌ مِن الملائكة.
قالت امرأةُ العزيزِ للنِّسوةِ اللَّاتي قطَّعْنَ أيديَهنَّ: فهذا- الذي أصابَكنَّ في رؤيَتِكنَّ إيَّاه ما أصابَكنَّ- هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتانِ به، ولقد راودتْه عن نفسِه، فامتنَعَ وأبى، ولئنْ لم يفعَلْ ما آمُرُه به لَيُعاقَبَنَّ بدخولِ السِّجنِ، ولَيكونَنَّ مِن الأذلَّاءِ.
قال يوسُفُ مُستعيذًا مِن شَرِّهنَّ ومَكرِهنَّ: يا ربِّ، السِّجنُ أحَبُّ إليَّ ممَّا يدعونَني إليه مِن عمَلِ الفاحِشةِ، وإنْ لم تدفَعْ عنِّي مَكرَهنَّ أَمِلْ إليهنَّ، وأكُنْ مِن الجاهلينَ، فاستجاب اللهُ ليوسُفَ دعاءَه، فصرف عنه ما أرادت منه امرأةُ العزيزِ وصَواحِباتُها مِن معصيةِ الله، إنَّ اللهَ هو السَّميعُ لدُعاءِ يوسُفَ، ودُعاءِ كُلِّ داعٍ مِن خَلقِه، العليمُ بمَطلبِه وحاجتِه وما يُصلِحُه، وبحاجةِ جميعِ خَلقِه وما يُصلِحُهم، ثمَّ ظهر للعزيزِ وأصحابِه- من بعدِ ما رأَوا الأدلَّةَ على براءةِ يوسُفَ وعِفَّتِه- أن يسجُنوه إلى مُدَّةٍ مِن الزَّمَن؛ لينقطِعَ بذلك الخبرُ، ويتناساه النَّاسُ.

تفسير الآيات:

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (30).
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ.
أي: وقال نساءٌ في مدينة مصرَ: امرأةُ العزيزِ ذاتُ القَدرِ الكبيرِ تُراوِدُ غُلامَها عن نَفسِه، وتدعوه إلى مواقَعتِها [367] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/114)، ((تفسير ابن كثير)) (4/384، 385)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). !
قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا.
أي: قد وصل حُبُّ فتاها إلى شَغافِ قَلبِها، وبلغ حبُّها له مبلغًا عظيمًا [368] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 215)، ((تفسير ابن جرير)) (13/115)، ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (2/269)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). قال ابنُ القَيِّم: (يُقال: شُغِفَ بكذا. فهو مَشْغوفٌ به. وقد شَغَفه المحبوبُ. أي وصَل حُبُّه إلى شَغافِ قلبِه. كما قال النِّسوةُ عن امرأةِ العزيز: قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا [يوسف: 30] وفيه ثلاثةُ أقوالٍ: أَحدُها: أنَّه الحُبُّ المستولي على القلبِ، بحيثُ يَحْجُبُه عن غيرِه. قال الكلبيُّ: حَجَب حُبُّه قلبَها حتَّى لا تعقلُ سِواه. الثَّاني: الحُبُّ الواصِلُ إلى داخِلِ القلبِ. قال صاحِبُ هذا القَول: المعنى أحَبَّتْه حَتَّى دَخَل حُبُّه شَغافَ قلبِها، أي داخِلَه. الثَّالِث: أنَّه الحُبُّ الواصِل إلى غِشاءِ القلبِ. والشَّغافُ غِشاءُ القلبِ إذا وَصَل الحُبُّ إليه باشَر القلبَ. قال السُّدِّيُّ: الشَّغافُ جلدَة رقيقةٌ على القلبِ. يقولُ: دَخَله الحُبُّ حتَّى أصابَ القلبَ). ((مدارج السالكين)) (3/30). !
إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ.
أي: إنَّا لنرى امرأةَ العزيزِ في خطأٍ واضحٍ في مُراودتِها فتاها، وحُبِّها له [369] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/121)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/261). .
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31).
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ.
أي: فلمَّا سَمِعَت امرأةُ العزيزِ مقالةَ [370] إنَّما سُمِّي قولُهنَّ مَكرًا؛ لأنَّ قولَهنَّ لم يكُنْ على وجه النَّصيحةِ، والنَّهيِ عن المُنكَر، ولكن كان على وجهِ الشَّماتةِ والتَّعيير، وسيأتي في الفوائدِ العلميةِ بيانُ ما اشتَمل عليه كلامُهنَّ مِن وجوهِ المكرِ، أو لأنَّ النِّسوةَ قُلنَ ما قُلنَه استدعاءً لرؤيةِ يوسُفَ، والنَّظَرِ إلى وجهِه، فعِبْنَها بحُبِّها يوسُفَ؛ لتُريَهنَّ يوسُفَ- وكان يوصَفُ لهنَّ حُسنُه وجمالُه- فلمَّا كان هذا القولُ منهنَّ طمعًا في أن يكونَ سببًا لمشاهدةِ يوسُفَ، سُمِّيَ مكرًا، لَمَّا خالفَ ظاهرُه باطِنَه؛ وذلك أنهنَّ قَدَّرنَ أنَّ هذا القولَ إذا اتَّصلَ بها، أبرَزَت لهنَّ يوسُفَ ليَعذُرنَها، ويُزِلنَ العيبَ عنها. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (2/190)، ((البسيط)) للواحدي (12/92). النِّساءِ اللاتي تكلَّمْنَ عن مراوَدتِها يوسُفَ، وشِدَّةِ حُبِّها له، أرسلَتْ إليهنَّ تدعوهنَّ إلى بَيتِها؛ لتُضيفَهُنَّ [371] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/122)، ((تفسير القرطبي)) (9/177)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/262). .
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً.
القراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التفسيرِ:
في قوله: مُتَّكَأً قراءتان:
1- مُتَّكًا: مشددُ التاءِ دونَ همزٍ، وفيها وجهان: أحدهما: أن يكونَ أصلُه مُتَّكَأً كالقراءةِ الأُخرَى، وإنما خُفِّفَ همزُه. والثاني: أن يكونَ مُفْتَعَلًا، مِن: أوكَيْتُ القِرْبةَ إذا شَدَدْتَ فاها بالوِكاءِ، فالمعنى: أَعْتَدَتْ شيئًا يَشْتَدِدْنَ عليه: إمَّا بالاتِّكاءِ، وإمَّا بالقطعِ بالسِّكِّينِ [372] قرأ بها أبو جعفر. يُنظر: ((المبسوط في القراءات العشر)) للنيسابوري (ص: 246)، ((النشر)) لابن الجزري (1/399). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير أبي حيان)) (6/268)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/477). .
2- مُتَّكَأً: والمتَّكأُ الشيءُ الذي يُتَّكَأُ عليه من وسادةٍ ونحوها. وقيل: المتكأ: مكان الاتِّكاء. وقيل غيرُ ذلك [373] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((المبسوط في القراءات العشر)) للنيسابوري (ص: 246)، ((النشر)) لابن الجزري (1/399). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير أبي حيان)) (6/267)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (6/477). .
وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً.
أي: وهيَّأت لهنَّ مجلِسًا يتَّكِئنَ عليه، مِن الوسائدِ والفُرُشِ [374] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (9/178)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/262). قال الرسعني: (أعَدَّتْ وهَيَّأتْ لهنَّ مجلسًا يتكِئْنَ عليه من النَّمَارق والفُرشِ، كعادةِ المترفين. هذا قولُ ابنِ عبَّاسٍ والأكثرينَ). ((تفسير الرسعني)) (3/324). وقال ابنُ كثيرٍ: (قال ابنُ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ جبيرٍ، ومجاهدٌ، والحسنُ، والسُّدِّيُّ، وغيرُهم: هو المجلسُ المعدُّ، فيه مفارشُ ومخادُّ وطعامٌ، فيه ما يُقْطَعُ بالسَّكاكِينِ من أُتْرُجٍّ ونحوِه). ((تفسير ابن كثير)) (4/285). وقال ابنُ عاشورٍ: (المتَّكأُ: محَلُّ الاتِّكاءِ. والاتِّكاءُ: جِلسةٌ قريبةٌ من الاضطجاعِ على الجَنبِ مع انتصابٍ قليلٍ في النِّصف الأعلى، وإنَّما يكونُ الاتِّكاءُ إذا أُريدَ إطالةُ المكثِ والاستراحة). ((تفسير ابن عاشور)) (12/262). .
وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا.
أي: وأعطَتْ كلَّ واحدةٍ مِن النِّساءِ اللَّاتي حَضَرنَ مَجلِسَها سِكِّينًا؛ لتُقَطِّعَ به ما يحتاجُ إلى تقطيعٍ مِن الطَّعامِ [375] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/128)، ((تفسير ابن عطية)) (3/238)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). .
وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ.
أي: وقالت ليوسُفَ: اخرُجْ على هؤلاءِ النِّسوةِ [376] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/130)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/262). .
فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ.
أي: فخرج يوسفُ عليهنَّ، فلمَّا رأى النِّسوةُ يوسُفَ أعظَمْنَ جمالَه، وأجلَلْنَ قَدْرَه [377] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/130)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/262). .
وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ.
أي: وجَرَحنَ أيديَهنَّ بالسَّكاكينِ، وهُنَّ يَحسَبنَ أنَّهنَّ يُقَطِّعنَ الطَّعامَ؛ لدَهشتِهنَّ بما رأينَ مِن جمالِ يوسُفَ [378] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/116)، ((تفسير ابن كثير)) (4/285)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/263). وممن قال بنحوِ المعنَى المذكورِ: ابنُ عبَّاسٍ، ومجاهِدٌ، وقَتادَةُ، والسُّدِّيُّ، وابنُ زيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/133)،  ((تفسير ابن الجوزي)) (2/436). قال السمعاني: (الأكثرونَ على أنَّ هذا خدشٌ وجرحٌ بِلَا إبانةٍ، وقال بعضُهم: إنَّهنَّ قطَّعْنَ أيديَهنَّ على تحقيقِ قطعِ اليدِ جملَةً، والأوَّلُ أصحُّ. يُقَال: قطَع فلانٌ يدَه إِذا خدَشها وجرَحها). ((تفسير السمعاني)) (3/27). ويُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/239)، ((تفسير الشوكاني)) (3/27). .
وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ.
أي: وقالت النِّسوةُ: مَعاذَ اللهِ، وتنزيهًا له [379] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/138)، ((تفسير ابن كثير)) (4/286)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). قال الواحدي: (ومعنى حَاشَ لِلَّهِ صار يوسفُ في حشا أي: في ناحيةٍ مما قُذف به أي: لم يلابسْه، كأنَّ المعنى: بعُد يوسفُ عن هذا الذي رُمِي به، أي: لخوفِه ومراقبتِه أمرَه، وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرين، قالوا: هذا تنزيهٌ ليوسفَ عما رَمَتْه به امرأةُ العزيزِ، وقال آخرونَ: هذا تنزيهٌ له مِن تهمةِ البشرِ؛ لفرطِ جمالِه، يدلُّ على هذا سياقُ الآيةِ). ((التفسير الوسيط)) (2/610). وممن قال بالمعنى الثاني: الواحديُّ، وابنُ الجوزيِّ. يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 544)، ((تفسير ابن الجوزي)) (2/436). وقال القاسمي: (أي تنزيهًا له سبحانَه عن صفاتِ النقصِ والعجزِ، وتعجبًا مِن قدرتِه على مثلِ ذلك الصنعِ البديعِ). ((تفسير القاسمي)) (6/172). .
مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ.
أي: ما هذا مِن البشَرِ، ما هو إلَّا ملَكٌ مِن الملائكةِ، كريمٌ على اللهِ [380] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/140، 141)، ((الوسيط)) للواحدي (2/611)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397).
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، في حديثِ الإسراءِ والمِعراجِ الطَّويلِ: قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((ثمَّ عُرِجَ بي إلى السَّماءِ الثَّالثة، فاستفتَحَ جبريلُ، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ، قيل: ومن معك؟ قال: محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قيل: وقد بُعِثَ إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففُتِح لنا، فإذا أنا بيوسُفَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا هو قد أُعطِيَ شَطرَ الحُسنِ، فرَحَّبَ ودعا لي بخ يرٍ)) [381] رواه مسلم (162). .  
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32).
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ.
أي: قالت امرأةُ العزيزِ للنِّسوةِ لَمَّا رأت افتِتانَهنَّ بيوسُفَ: فهذا الذي أصابَكنَّ حين نظرتنَّ إليه ما أصابكُنَّ؛ مِن الذهولِ وغيابِ العقل، حتَّى قطَّعتنَّ أيديَكنَّ- هو الفتَى الذي لُمتُنَّني في الافتتانِ به، وعيَّرتُموني في مُراودتي له، وحُبِّي إيَّاه [382] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/141)، ((تفسير القرطبي)) (9/183)، ((تفسير الشوكاني)) (3/28)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/242، 243). !
وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ.
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
لمَّا تَقَرَّرَ عِندهُنَّ جَمالُ يُوسُف الظَّاهِر، وأَعْجَبَهُنَّ غايَة، وظَهَرَ مِنهُنَّ مِن العُذْرِ لِامْرَأَةِ العزيز شَيْءٌ كَثيرٌ -أَرادَت أن تُرِيهنَّ جَمالَه الباطِنَ بالعِفَّةِ التَّامَّة، فقالت [383] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 397). :
وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ.
أي: ولقد راوَدْتُ يوسُفَ عن نَفسِه فدَعوتُه إلى الفاحشةِ، فامتنَعَ [384] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/141)، ((تفسير ابن كثير)) (4/286)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/264). .
وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ.
أي: وَلَئِن لم يفعَلْ يوسُفُ ما آمُرُه به ليُلقَيَنَّ في السِّجنِ، ولَيكونَنْ من الأذلَّاءِ المُهانِينَ [385] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/142)، ((تفسير القرطبي)) (9/184)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/244)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). .
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا عَلِمَ يوسُفُ أنَّ القُوَّةَ البشَريَّةَ والطَّاقةَ الإنسانيَّةَ لا تفي بحُصولِ هذه العِصمةِ القَويَّة، فعند هذا التجأ يوسُفُ عليه السَّلامُ إلى الله تعالى [386] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (18/451). .
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.
أي: قال يوسُفُ مُتضَرِّعًا إلى الله: يا ربِّ، دخُولي السِّجنَ، وتحمُّلُ مَشاقِّه أفضَلُ لديَّ وأهوَنُ ممَّا يَدعونَني إليه مِن مَعصيتِك، ويُراوِدنَني عليه مِن الفاحِشةِ [387] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/143، 144)، ((تفسير القرطبي)) (9/184)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/265). .
وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ.
أي: وإنْ لم تدفَعْ عنِّي كيدَ أولئك النِّسوةِ أمِلْ إليهنَّ لضَعفي، وأُتابِعْهنَّ على ما يُرِدْنَ منِّي، وأكُنْ من الجاهلينَ بحقِّك، المُخالفينَ لأمرِك ونَهيِك، فاعصِمْني، ولا تَكِلْني إلى نَفسي [388] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/144، 145)، ((تفسير ابن كثير)) (4/386)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). .
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34).
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ.
أي: فاستجاب اللهُ ليوسُفَ دُعاءَه، فدفع عنه ما أرادَت منه امرأةُ العزيزِ وصواحِباتُها مِن معصيةِ الله [389] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/146)، ((الوسيط)) للواحدي (2/612)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). .
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
أي: إنَّ اللهَ هو السَّميعُ لدُعاءِ يوسُفَ حين دعاه، ويسمَعُ كُلَّ داعٍ مِن خَلقِه، العليمُ بمَكرِ النِّسوةِ، وبنِيَّةِ يوسُفَ وحاجتِه وبما يُصلِحُه، ويعلمُ جميعَ أحوالِ عبادِه [390] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (13/147)، ((تفسير البغوي)) (2/490)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397).
ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35).
أي: ثمَّ ظهَر للعزيزِ وأصحابِه من بعدِ ما رأَوُا الأدلَّةَ المُبَرِّئةَ ليوسُفَ أنَّ المصلَحةَ في إيداعِه السِّجنَ مدَّةً مِن الزَّمَن [391] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (12/108)، ((تفسير ابن كثير)) (4/387)، ((تفسير السعدي)) (ص: 397). قال ابن كثير: (فكأنَّهم- والله أعلم- إنَّما سجنوه لَمَّا شاع الحديثُ؛ إيهامًا أنَّ هذا راودَها عن نفسِها، وأنَّهم سَجَنوه على ذلك؛ ولهذا لَمَّا طلبه الملِكُ الكبيرُ في آخر المدَّة، امتنع من الخروجِ حتى تتبيَّنَ براءتُه ممَّا نسب إليه من الخيانة، فلمَّا تقرَّرَ ذلك خرج وهو نقيُّ العِرضِ- صلواتُ اللهِ عليه وسلامُه). ((تفسير ابن كثير)) (4/387). .

الفوائد التربوية :

1- قولُ الله تعالى: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا فيه الحذَرُ مِن المحبَّةِ التي يُخشى ضَررُها؛ فإنَّ امرأةَ العزيزِ جرى منها ما جرى، بسبَبِ توحُّدِها بيوسُفَ، وحُبِّها الشَّديدِ له، الذي ما ترَكَها حتى راودَتْه تلك المُراوَدةَ، ثمَّ كذَبَت عليه، فسُجِنَ بسَبَبِها مدَّةً طويلةً [392] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
2- قولُ الله تعالى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ هكذا ينبغي للعبدِ إذا ابتُلِيَ بين أمرينِ: إمَّا فِعلِ مَعصيةٍ، وإمَّا عُقوبةٍ دُنيويَّةٍ، أن يختارَ العُقوبةَ الدُّنيويَّةَ على مواقَعةِ الذَّنبِ المُوجِبِ للعُقوبةِ الشَّديدةِ في الدُّنيا والآخرةِ؛ ولهذا مِن علاماتِ الإيمانِ: أن يكرهَ العبدُ أن يعودَ في الكُفرِ بعد أن أنقَذَه اللهُ منه، كما يكرَهُ أن يُلقى في النَّارِ [393] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
3- قال اللَّهُ تعالى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، مَن احْتَمَل الهَوانَ والأذَى في طاعَةِ اللَّهِ على الكَرامَةِ والعِزِّ في مَعْصيةِ اللَّهِ-كما فَعَل يُوسفُ عليه السَّلامُ وغيرُه مِنَ الأنبياءِ والصَّالحينَ- كانتِ العاقِبةُ له في الدُّنيا والآخرةِ، وكان ما حَصَل له مِنَ الأذَى قد انقَلَب نَعيمًا وسُرورًا، كما أنَّ ما يحصُلُ لأربابِ الذُّنوبِ مِنَ التَّنعُّمِ بالذُّنوبِ ينقَلِبُ حُزْنًا وثُبورًا [394] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/132). .
4- ينبغي للعبدِ أن يلتجئَ إلى اللهِ، ويحتميَ بحِماه عند وجودِ أسبابِ المَعصيةِ، ويتبَرَّأَ مِن حولِه وقُوَّتِه؛ لقولِ يوسُفَ عليه السَّلامُ: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [395] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
5- قال الله تعالى عن يوسُفَ: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فاختار السِّجنَ على الفاحِشةِ، ثمَّ تبرَّأ إلى اللهِ مِن حَولِه وقُوَّتِه، وأخبَرَ أنَّ ذلك ليس إلَّا بمعونةِ اللهِ له وتوفيقِه وتأييدِه لا مِن نَفسِه، فقال: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فلا يركَن العبدُ إلى نفسِه وصَبرِه وحالِه وعِفَّتِه، ومتى ركنَ إلى ذلك تخلَّت عنه عِصمةُ اللهِ، وأحاط به الخِذلانُ؛ وقد قال اللهُ تعالى لأكرمِ الخَلقِ عليه وأحبِّهِم إليه، صلَّى الله عليه وسلَّم: وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا [396] يُنظر: ((روضة المحبين)) لابن القيم (ص: 459). الإسراء: 74، فكيف بمن يُعرِّضُ نفسَه للفتنةِ بالخلوةِ أو المخالطةِ للأجنبياتِ أو بالسفرِ إلى بلادٍ تكثرُ فيها الفتنُ، ويزعمُ أنَّه واثقٌ مِن نفسِه.
6- الجَهلُ- كما يُطلَقُ على عدمِ العِلمِ- يُطلَقُ على عدَمِ الحِلمِ، وعلى ارتكابِ الذَّنبِ؛ لِقَولِه تعالى: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وقوله: هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ يوسف: 89 ليس المعنى في ذلك عدَمَ العِلمِ، وإنَّما هو عدمُ العمَلِ به، واقتحامُ الذُّنوبِ، ومنه قولُ موسى صلَّى الله عليه وسلَّم: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ البقرة: 67، وقولُه تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ النساء: 17، وكلُّ من عصى الله فهو جاهِلٌ باعتبارِ عدمِ العمَلِ بالعِلمِ؛ لأنَّ العِلمَ الحقيقيَّ ما زال الجهلُ به، وأوجَبَ العملَ [397] يُنظر: ((فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام)) للسعدي (ص: 46). .
7- ابْتُلِي يُوسُف عليه السَّلامُ بِأَمْرٍ لا يَصبِر عليه إلَّا مَن صَبَّرَهُ الله، فإنَّ مُواقَعَة الفِعْل بِحَسْبِ قُوَّةِ الدَّاعِي وزَوالِ المانِع، وكان الدَّاعي هاهنا في غايَةِ القُوَّة، وذلك مِن وُجوهٍ:
أَحَدُها: ما رَكَّبَهُ الله سُبحانه في طبعِ الرَّجُلِ مِن ميلِه إلى المرأَةِ.
الثَّاني: أنَّ يُوسُفَ عليه السَّلامُ كان شَابًّا، وشهوةُ الشَّبابِ وَحِدَّتُه أقوَى.
الثَّالِث: أنَّه كان عَزَبًا، ليس له زَوجَة ولا سُرِّيَّة تَكْسرُ شِدَّةَ الشَّهوةِ.
الرَّابِع: أنَّه كان في بِلادِ غُرْبَةٍ، يَتَأَتَّى للغَريبِ فيها مِن قَضاءِ الوَطَرِ ما لا يَتَأَتَّى له في وطنِه وبينَ أهلِه ومَعارِفِه.
الخامِس: أنَّ المَرأةَ كانت ذاتَ مَنْصِبٍ وجَمالٍ، بحيث إنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن هَذينِ الأَمرَينِ يَدعو إلى مُواقعتِها.
السَّادِس: أنَّها طَلَبَت وأَرادَت وبَذَلت الجهدَ، فكَفَتْه مُؤْنةَ الطَّلَبِ وذُلَّ الرَّغبةِ إليها؛ بل كانت هي الرَّاغبةَ الذَّليلةَ، وهو العَزيزُ المَرغوبُ إليه.
السَّابِع: أنَّه في دارِها، وتحت سُلطانِها وقَهْرِها، بحيثُ يخشَى إن لم يُطاوِعْها مِن أذاها له، فاجْتَمَع داعي الرَّغبةِ والرَّهبةِ.
الثَّامِن: أنَّه لا يخشَى أن تَنُمَّ عليه هي، ولا أحدٌ مِن جِهَتِها، فإنَّها هي الطَّالِبَةُ الرَّاغبةُ، وقد غَلَّقَت الأَبوابَ، وغَيَّبَت الرُّقَباء.
التَّاسِع: أنَّه كان في الظَّاهِر مَمْلوكًا لها في الدَّار، بحيث يَدخُل ويَخرُج ويَحْضُر معها ولا يُنْكَر عليه، وكان الأُنْسُ سابِقًا على الطَّلَب وهو مِن أَقوَى الدَّواعِي.
العاشِر: أنَّها اسْتَعانَت عليه بأئمَّةِ المكرِ والاحتيالِ، فأَرَتْه إيَّاهنَّ، وشَكَتْ حالَها إليهنَّ؛ لتستعينَ بهنَّ عليه.
الحادي عَشَر: أنَّها تَوعَّدَتْه بالسَّجنِ والصَّغارِ، وهذا نَوعُ إكراهٍ، إذ هو تهديدُ مَن يَغْلِبُ على الظَّنِّ وُقوعُ ما هَدَّدَ به.
الثَّاني عَشَر: أنَّ الزَّوجَ لم يُظهِرْ مِن الغَيرةِ والنَّخْوةِ ما يُفَرِّقُ به بينَهما، ويُبْعِدُ كُلًّا منهما عن صاحبِه؛ بل كان غايةُ ما قابَلَها به أن قال لِيُوسُف: أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وللمرأةِ: واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الخَاطِئِينَ، وشِدَّةُ الغَيْرَةِ للرَّجُل مِن أَقوَى المَوانِع، وهنا لم تَظْهَرْ منه غَيرةٌ.
ومع هذه الدَّواعِي كُلِّها فآثَر مَرضاةَ الله وخَوفَه، وحَمَله حُبُّه لله على أن اخْتار السِّجنَ على الزِّنا: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وعَلِمَ أنَّه لا يَطيقُ صَرْفَ ذلك عن نَفسِه، وأنَّ رَبَّه تعالى إن لم يعصِمْه، ويصرِفْ عنه كيدَهنَّ؛ صَبَا إليهِنَّ بطبعِه، وكان مِن الجاهِلينَ، فقال: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وهذا مِن كمالِ معرفتِه برَبِّه وبنفسِه [398] يُنظر: (( الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 208، 209، 210)، وينظر أيضًا: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/138، 139). .
8- قَولُه تعالى على لسانِ يوسُفَ: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ أَحَبُّ هنا ليسَتْ على بابها من التفضيلِ؛ لأنَّه لم يحِبَّ ما يدعونَه إليه قطُّ، وإنَّما هذان شَرَّان، فآثرَ أحدَ الشَّرَّينِ على الآخرِ، وإن كان في أحدِهما مَشقَّةٌ وفي الآخر لذَّةٌ، لكنْ لِمَا يترتَّبُ على تلك اللذَّةِ مِن معصيةِ اللهِ وسُوءِ العاقبة، لم يخطُرْ له ببالٍ، ولِمَا في الآخَرِ مِن احتمالِ المشقَّةِ في ذاتِ الله، والصَّبرِ على النَّوائب، وانتظارِ الفرَجِ، والحضورِ مع الله تعالى في كلِّ وقتٍ داعيًا له في تخليصِه- آثَرَه، ثمَّ ناط العِصمةَ بالله، واستسلمَ لله كعادةِ الأنبياءِ والصَّالحينَ، وأنَّه تعالى لا يَصرِفُ السُّوءَ إلَّا هو [399] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/273). .
9- في قولِه تعالى عن يوسُفَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ طَلَبُ سؤالِ اللهِ ودُعائِه أنْ يُثَبِّتَ القلبَ على دينِه، ويصرِفَه إلى طاعتِه، وإلَّا فإذا لم يُثَبِّتِ القلبَ صَبَا إلى الآمِرينَ بالذُّنوبِ، وصارَ مِن الجاهلين [400] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (15/130). .
10- قولُ الله تعالى: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فيه أنَّ العِلمَ والعَقلَ يدعُوانِ صاحِبَهما إلى الخيرِ، ويَنهَيانِه عن الشَّرِّ، وأنَّ الجَهلَ يدعو صاحِبَه إلى مُوافَقةِ هوى النَّفسِ، وإن كان معصيةً ضارًّا لصاحِبِه [401] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:407). .
11- قال اللَّهُ تعالى: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فإنَّ هذا جَهْلٌ؛ لأنَّه آثَرَ لذَّةً قَليلَةً مُنَغَّصَةً على لذَّاتٍ مُتَتابِعاتٍ، وشَهَواتٍ مُتَنَوِّعاتٍ في جنَّاتِ النَّعيمِ، ومَن آثَرَ هذا على هذا فمَنْ أجْهَلُ منه؟! فإنَّ العلمَ والعقلَ يدعو إلى تقديمِ أعظمِ المصلحتينِ وأعظمِ اللَّذَّتينِ، ويُؤثرُ ما كان محمودَ العاقبةِ [402] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 397). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال الله تعالى: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ ، قوله: فَتَاهَا إضافتُه إلى ضميرِ امرأةِ العزيزِ؛ لأنَّه غلامُ زوجِها، فهو غلامٌ لها بالتبعِ، ما دامتْ زوجةً لمالكِه [403] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/260). .
2- في قولِه تعالى: فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ إنْ قيل: فما كان مَكرُ النِّسوةِ اللَّاتي مكَرْنَ به، وسمِعَت به امرأةُ العزيزِ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانه لم يقُصَّه في كتابِه؟
قيل: بلى، قد أشارَ إليه بقَولِه: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
وهذا الكلامُ متضَمِّنٌ لوجوهٍ مِن المَكرِ:
أحدها: قولُهنَّ: امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا ولم يُسَمُّوها باسمِها، بل ذكَرُوها بالوَصفِ الذي يُنادي عليها بقبيحِ فِعلِها؛ بكَونِها ذاتَ بَعْلٍ، فصُدورُ الفاحشةِ منها أقبَحُ مِن صُدورِها ممَّن لا زوجَ لها.
الثاني: أنَّ زَوجَها عزيزُ مِصرَ ورئيسُها وكبيرُها، وذلك أقبحُ لوقوعِ الفاحشةِ منها.
الثالث: أنَّ الذي تُراوِدُه مملوكٌ لا حُرٌّ، وذلك أبلغُ في القبح.
الرابع: أنَّه فتاها الذي هو في بيتِها وتحت كَنَفِها، فحُكمُه حُكمُ أهلِ البيتِ، بخلافِ مَن طلب ذلك مِن الأجنبيِّ البعيدِ.
الخامس: أنَّها هي المُراوِدةُ الطَّالبةُ.
السادس: أنَّها قد بلغ بها عِشقُها له كلَّ مَبلغٍ، حتى وصل حُبُّها له إلى شَغافِ قَلبِها.
السابع: أنَّ في ضِمنِ هذا أنَّه أعَفُّ منها وأبَرُّ وأوفى؛ حيث كانت هي المُراوِدةَ الطَّالبةَ، وهو المُمتنِعَ؛ عَفافًا وكَرَمًا وحَياءً، وهذا غايةُ الذَّمِّ لها.
الثامن: أنهنَّ أتينَ بفِعلِ المُراوَدةِ بصيغةِ المُستقبَلِ الدَّالَّةِ على الاستمرارِ والوُقوعِ حالًا واستقبالًا، وأنَّ هذا شأنُها، ولم يقُلْنَ: راودَت فتاها. وفَرقٌ بين قولك: فلانٌ أضاف ضيفًا، وفلانٌ يَقري الضَّيفَ، ويُطعِمُ الطَّعامَ، ويَحمِلُ الكَلَّ؛ فإنَّ هذا يدُلُّ على أنَّ هذا شأنُه وعادتُه.
التاسع: قولُهنَّ: إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ، أي: إنَّا لَنستقبِحُ منها ذلك غايةَ الاستقباحِ، فنَسَبنَ الاستقباحَ إليها، ومِن شأنهنَّ مُساعدةُ بعضِهنَّ بعضًا على الهوى، ولا يَكَدْنَ يرَينَ ذلك قبيحًا، كما يساعِدُ الرِّجالُ بعضُهم بعضًا على ذلك؛ فحيث استقبحْنَ منها ذلك كان هذا دليلًا على أنَّه من أقبحِ الأمورِ، وأنَّه ممَّا لا ينبغي أن تُساعَدَ عليه، ولا يَحسُنُ مُعاونتُها عليه.
العاشر: أنهنَّ جَمَعْن لها في هذا الكلامِ واللَّومِ بين العِشقِ المُفرِط، والطَّلبِ المُفرِط، فلم تقتَصِدْ في حُبِّها، ولا في طَلَبِها؛ أمَّا العِشقُ فقولُهنَّ: قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا، أي: وصل حُبُّه إلى شَغافِ قَلبِها، وأمَّا الطَّلَبُ المُفرِطُ فقَولُهنَّ: تُرَاوِدُ فَتَاهَا، والمُراودةُ: الطَّلَبُ مَرَّةً بعدَ مَرَّةٍ، فنَسَبوها إلى شِدَّةِ العِشقِ، وشِدَّةِ الحِرصِ على الفاحِشةِ، فلمَّا سَمِعَت بهذا المكرِ منهنَّ هيَّأتْ لهنَّ مكرًا أبلَغَ منه [404] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/115). .
3- قولُ الله تعالى: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ لَمَّا كان عَزمُها على السَّجنِ أقوى مِن العَزمِ على إيقاعِ الصَّغارِ به، أكَّدَتْه بالنُّونِ الثَّقيلةِ، فقالت: لَيُسْجَنَنَّ، وقالت: وَلَيَكُونًا بالنُّونِ الخفيفة مِنَ الصَّاغِرِينَ أي: الأذلَّاء. وفيه وجهٌ آخرُ: أنَّ الزِّيادةَ في تأكيدِ السَّجنِ؛ لأنَّه يلزَمُ منه إبعادُه، وإبعادُ الحبيبِ أولى بالإنكارِ مِن إهانتِه [405] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (10/74-75). .
4- قولُ الله تعالى: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فيه دليلٌ على أنَّ المؤمِنَ إذا ارتكبَ ذَنبًا، يرتكِبُه عن جَهالةٍ [406] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (2/490)، ((تفسير ابن عادل)) (11/97). .
5- في قولِه تعالى عن يوسف: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ رَدٌّ على المعتزلة والجَهميَّة فيما يزعمونَ أنَّ الإنسانَ مالِكُ نفسِه؛ لا يحتاجُ إلى عصمة ربِّه عن المعاصي؛ فهذا نبيُّ اللهِ يوسفُ صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو بصرفِ كيدِهِنَّ عنه؛ عِلمًا منه أنَّ العِصمةَ هي التي تُنجيه، وتُحولُ بينه وبينَ المعصيةِ، فأخبر اللهُ عن إجابةِ دعوتِه؛ وصَرَفَ عنه كيدَهنَّ [407] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (1/615). .
6- قولُ الله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ عطْفُ استجابةِ رَبِّه له، وصَرْفِ كيدِهنَّ عنه بالفاء الدالَّةِ على التَّعقيبِ، وتَعليلُها بأنَّها مقتضى كمالِ صِفتَي السَّمعِ والعِلم- دليلٌ على أنَّ رَبَّه تعالى لم يتخَلَّ عن عنايتِه بتربيتِه أقصَرَ زمَنٍ يهتَمُّ فيه بأمرِ نَفسِه ومُجاهدتِه [408] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (12/247). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالى: وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
- قولُه: امْرَأَتُ الْعَزِيزِ صرَّحَ النِّسوةُ بإضافتِها إلى العزيزِ؛ مُبالَغةً في التَّشنيعِ؛ لأنَّ النُّفوسَ أقبَلُ لِسَماعِ ذَوي الأخطارِ وما يَجْري لهم [409] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/266). .
- قولُه: تُرَاوِدُ فَتَاهَا فيه التَّعبيرُ بصِيغةِ المضارِعِ تُرَاوِدُ مع كَوْنِ المراوَدةِ مضَتْ؛ لِقَصْدِ استِحْضارِ الحالةِ العَجيبةِ؛ لِقَصدِ الإنكارِ عليها في أنفُسِهنَّ ولَوْمِها على صَنيعِها؛ وللدَّلالةِ على أنَّ ذلك صارَ سجيَّةً لها؛ تُخادِعُه دائمًا عن نفسِه [410] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/266)، ((تفسير أبي السعود)) (4/270)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/261). .
- قولُه: فَتَاهَا في التَّعبيرِ عن يوسُفَ عليه السَّلامُ بذلك مُضافًا إليها لا إلى العزيزِ- الَّذي لا تَستلزِمُ الإضافةُ إليه الهوانَ، بل ربَّما يُشعِرُ بنوعِ عزَّةٍ-؛ لإبانةِ ما بينَهما مِن التَّبايُنِ البيِّنِ النَّاشئِ عن المالكيَّةِ والمملوكيَّةِ، وذلك للمُبالَغةِ والإشباعِ في اللَّومِ؛ فإنَّ مَن لا زوجَ لها مِن النِّساءِ، أو لها زوجٌ دَنيءٌ قد تُعذَرُ في مُراوَدةِ الأخدانِ لا سيَّما إذا كان فيهم عُلوُّ الجَنابِ، وأمَّا الَّتي لها زوجٌ وأيُّ زوجٍ! عزيزُ مِصرَ؛ فمُراوَدتُها لغَيرِه- لا سيَّما لِمَن لا كَفاءةَ بينَها وبينَه أصلًا، وتَماديها في ذلك- غايةُ الغيِّ، ونهايةُ الضَّلالِ [411] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/270). .
- قولُه: قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا تكريرٌ للَّومِ، وتأكيدٌ للعَذْلِ ببَيانِ اختلالِ أحوالِها القَلبيَّةِ كأحوالِها القالَبيَّة [412] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/270). .
- ولِمَا في قَدْ شَغَفَهَا مِن الإجمالِ جِيءَ بالتمييزِ للنِّسبةِ بقولِه: حُبًّا، وأصله: شغَفَها حبُّه، أي: أصاب حبُّه شغافَها، أي: اخترَقَ الشَّغافَ فبلَغَ القلبَ؛ كنايةً عن التمكُّنِ [413] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/260). .
- قولُه: إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ جملةٌ مُقرِّرةٌ لِمَضمونِ الجُملتَين السَّابِقَتين المسوقَتَين لِلَّومِ والتَّشنيعِ، وتَسجيلٌ عليها بأنَّها في أمرِها على خطَأٍ عظيمٍ، وهي استئنافٌ ابتدائيٌّ لإظهارِ اللومِ والإنكارِ عليها. والتأكيدُ بـ (إنَّ) واللام؛ لتحقيقِ اعتقادهنَّ ذلك، وإبعادًا لتُهمتِهنَّ بأنهنَّ يَحسِدْنَها على ذلِك الفتى، وإنَّما لم يَقُلْن: (إنَّها لَفي ضَلالٍ مبينٍ)؛ إشعارًا بأنَّ ذلك الحُكْمَ غيرُ صادرٍ عنهنَّ مُجازَفةً، بل عن عِلمٍ ورأيٍ، مع التَّلويحِ بأنَّهنَّ مُتنزِّهاتٌ عن أمثالِ ما هي عليه [414] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/271)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/261). .
2- قولُه تعالى: فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ
- قولُه تعالى: فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ: حَقُّ (سَمِع) أن يُعَدَّى إلى المسموعِ بنَفسِه، فتَعديَتُه بالباءِ هنا إمَّا لأنَّه ضُمِّن معنى أُخبِرَتْ، كقولِ المثَلِ: «تَسْمَعُ بالمعيديِّ خيرٌ مِن أن تَراه» أي تُخبَرُ عنه. وإمَّا أن تَكونَ الباءُ مَزِيدةً للتَّوكيدِ، مثلَ قولِه تعالى: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ [415] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/261). المائدة: 6.
- قولُه: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ عَطفٌ على مُقدَّرٍ يَستَدْعيه الأمرُ بالخروجِ، ويَنسحِبُ عليه الكلامُ، والتَّقديرُ: فخرَج عليهِنَّ فرأَينَه، وإنَّما حُذِف تَحقيقًا لِمُفاجَأةِ رُؤيتِهنَّ، كأنَّها تَفوتُ عند ذِكرِ خُروجِه عليهِنَّ، وفيه إيذانٌ بسُرعةِ امتِثالِه عليه السَّلامُ بأمرِها فيما لا يُشاهِدُ مَضرَّتَه مِن الأفاعيلِ [416] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/270). .
- قولُه: وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ في التَّعبيرِ عن الجَرْحِ بالقَطعِ دَلالةٌ على كَثرةِ جَرحِهنَّ، ومع ذلك لم يُبالينَ بذلك، ولم يَشعُرْنَ به [417] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/270). ؛ فأطلق عليه القطعَ؛ للمبالغةِ في شِدَّتِه حتَّى كأنَّه قَطَع قطعةً مِن لحمِ اليدِ [418] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/263). .
- قولُه: وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ اللَّامُ في لِلَّهِ للتَّعليلِ، أي: جانَبَ يوسُفُ المعصيَةَ لأجْلِ طاعةِ اللهِ [419] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/270). ، وحَاشَ لِلَّهِ تركيبٌ عربيٌّ جرَى مجرَى المَثَل؛ يُرادُ منه إبطالُ شيءٍ عن شيءٍ وبراءتُه منه [420] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/263). .
- وقولُهنَّ: مَا هَذَا بَشَرًا مُبالَغةٌ في فَوْتِه مَحاسِنَ البشَرِ، فمَعناه التَّفضيلُ في مَحاسِنِ البَشَرِ، وهو ضِدُّ معنى التَّشابُهِ في بابِ التَّشبيهِ، ثمَّ شبَّهنَه بواحِدٍ مِن الملائكةِ بطَريقةِ حَصْرِه في جِنْسِ الملائكةِ تَشْبيهًا بَليغًا مؤكَّدًا، وأُطلِقَ في الآيةِ اسْمُ الملَكِ على ما كانتْ حَقيقتُه مُماثِلةً لحقيقةِ مُسمَّى الملَكِ في اللُّغةِ العَرَبيَّةِ؛ تَقريبًا لأَفْهامِ السَّامِعين؛ فهذا التَّشْبيهُ مِن تَشبيهِ المحسوسِ بالمتخيَّلِ [421] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/263). .
3- قولُه تعالى: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ
- قولُه: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ والإشارةُ بما يُشارُ به إلى البعيدِ في قولِها: فَذَلِكُنَّ، فلم تقُلْ: (فهذا)، مع قربِ المُشارِ إليه وحضورِه؛ رفعًا لمنزلتِه في الحُسنِ، واستبعادًا لمحلِّه فيه، وإشارةً إلى أنَّه لغرابتِه بعيدٌ أن يوجدَ مثلُه [422] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/466)، ((تفسير الألوسي)) (6/423). .
- وقولُها: فَاسْتَعْصَمَ قيل: إنَّه بناءُ مُبالَغةٍ يدُلُّ على الامتناعِ البليغِ، والتَّحفُّظِ الشَّديدِ، كأنَّه في عِصْمةٍ، وهو يَجتَهِدُ في الاستِزادةِ منها، كما في استَمسَك واستجمَع الرَّأيَ، وفيه بُرهانٌ نيِّرٌ على أنَّه لم يَصدُرْ عنه عليه السَّلامُ شيءٌ مُخِلٌّ باستعصامِه، والمعنى: أنَّه امتنَع امتِناعَ مَعصومٍ، أي: جاعِلًا المراوَدةَ خَطيئةً عصَم نفْسَه منها [423] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/467)، ((تفسير أبي السعود)) (4/273)، ((تفسير ابن عاشور)) (12/264). ، وقيل: بل اسْتَعْصَمَ موافِقٌ لاعتَصَم؛ فاستَفْعَل فيه مُوافِقٌ لافتَعَل، وهذا أجوَدُ مِن جَعْلِ استَفعَل فيه للطَّلبِ؛ لأنَّ اعتَصَم يَدُلُّ على وُجودِ اعتِصامِه، وطلَبُ العصمةِ لا يَدُلُّ على حُصولِها، وأمَّا أنَّه بِناءُ مُبالَغةٍ يَدُلُّ على الاجتهادِ في الاستزادةِ مِن العصمةِ، فلم يَذكُرِ التَّصريفيُّون هذا المعنى لاستَفعَل [424] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/272). .
- قولُها: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ فيه التَّعبيرُ عن مُراوَدتِها بالأمرِ- وذلك في قولِها: آمُرُهُ-؛ إظهارًا لجرَيانِ حُكومتِها عليه، واقتِضاءً للامتثالِ بأمرِها [425] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/273). .
- قولُه: لَيُسْجَنَنَّ فيه بناءُ الفعلِ للمفعولِ؛ جَريًا على رَسْمِ الملوكِ، أو إيهامًا لِسُرعةِ تَرتُّبِ ذلك على عدَمِ امتِثالِه لأمْرِها؛ كأنَّه لا يَدخُلُ بينَهما فِعلُ فاعِلٍ [426] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/273). ، وأكَّدَت حُصولَ سَجْنِه بنُونَيِ التَّوكيدِ، وقد قالت ذلك بمَسمَعٍ منه إرهابًا له [427] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/264). .
- قولُها: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ فيه مُناسَبةٌ حسنةٌ، حيث لم يَذكُرْ هنا العذابَ الأليمَ الَّذي ذكَرَتْه في قولِها السَّابِقِ: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يوسف: 25؛ لأنَّها إذْ ذاك كانت في طَراوةِ غَيظِها، ومُتنصِّلةً مِن أنَّها هي الَّتي راوَدَتْه، فناسَب هناك التَّغليظُ بالعقوبةِ، وأمَّا هنا فإنَّها في طَماعيَةٍ ورَجاءٍ، وأقامَت عُذرَها عِندَ النِّسوةِ، فرَقَّت عليه، فتوَعَّدَتْه بالسَّجنِ [428] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/273). .
4- قولُه تعالى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
- قولُه: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ ما حُكي قَبْلَه مَقامُ شِدَّةٍ، مِن شأنِه أن يَسأَلَ سامِعُه عن حالِ تَلقِّي يوسُفَ عليه السَّلامُ فيه لِكَلامِ امرأةِ العزيزِ [429] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/265). .
- وقولُه: السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ فيه الاقتصارُ على ذِكرِ السِّجنِ؛ لأنَّ الصَّغارَ مِن فُروعِه ومُستتبَعاتِه [430] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/274). .
- وعبَّر عما عرَضتْه المرأةُ بالموصوليَّةِ مِمَّا يَدْعُونَنِي؛ لِمَا في الصِّلةِ من الإيماءِ إلى كونِ المطلوبِ حالةً هي مَظِنَّةُ الطواعيةِ؛ لأنَّ تَمالُؤَ الناسِ على طلبِ الشيءِ من شأنِه أن يُوطِّنَ نفسَ المطلوبِ للفِعلِ؛ فأظهرَ أنَّ تمالُؤَهنَّ على طَلَبهنَّ منه امتثالَ أمْرِ المرأةِ لم يَفُلَّ من صارمِ عزْمِه على الممانعةِ، وجعَل ذلك تمهيدًا لسُؤالِ العِصمةِ من الوُقوعِ في شَرَكِ كَيدِهنَّ؛ فانتقَلَ مِن ذِكر الرِّضا بوعيدِها إلى سؤالِ العِصمةِ مِن كيدِها [431] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/266). .
- وأُسنِد فِعْلُ يَدْعُونَنِي إلى ضَميرِ جَمْعِ النِّساءِ (نونِ النِّسوةِ) مع أنَّ الَّتي دعَتْه امرأةٌ واحدةٌ؛ إمَّا لأنَّ تِلك الدَّعوَةِ مِن رَغَباتِ صِنْفِ النِّساءِ؛ فيَكونُ على وِزَانِ جَمْعِ الضَّميرِ في كَيْدَهُنَّ، وإمَّا لأنَّ النِّسوَةَ اللَّاتي جمَعَتْهنَّ امرأةُ العزيزِ لَمَّا سَمِعْن كلامَها تَمالَأْن على لَوْمِ يوسُفَ عليه السَّلامُ، وتَحريضِه على إجابةِ الدَّاعيَةِ، وتَحْذيرِه مِن وَعيدِها بالسِّجنِ [432] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/266). ، وقيل: دعَوْنه إلى أنفُسِهنَّ [433] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/274). .
- وجملةُ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ خبرٌ مُستعمَلٌ في التَّخوُّفِ والتَّوقُّعِ؛ الْتِجاءً إلى اللهِ ومُلازَمةً للأدَبِ نحوَ ربِّه؛ بالتَّبرُّؤِ مِن الحولِ والقوَّةِ، والخشيةِ مِن تَقلُّبِ القلبِ، ومِن الفتنةِ بالميلِ إلى اللَّذَّةِ الحرامِ؛ فالخبَرُ مُستعمَلٌ في الدُّعاءِ؛ ولذلك فرَّع عنه جُملةَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ [434] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/266). .
- قولُه: أَصْبُ كلمةٌ مُشعِرةٌ بالمَيلِ فقَط، لا بمُباشَرةِ المعصيةِ [435] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (6/273). .
5- قولُه تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
- قولُه: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فيه العطفُ بفاءِ التَّعقيبِ في قولِه: فَاسْتَجَابَ؛ إشارةً إلى أنَّ اللهَ عجَّل إجابةَ دُعائِه الَّذي تَضمَّنه قولُه: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ [436] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/267). ، وفي إسنادِ الاستجابةِ إلى الرَّبِّ مضافًا إلى يوسُفَ عليه السَّلامُ ما لا يَخفْى مِن إظهارِ اللُّطفِ [437] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/274). .
- وجملةُ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ في موضِعِ العِلَّةِ لقولِه: فَاسْتَجَابَ المعطوفِ بفاءِ التَّعقيبِ، أي: أجاب دُعاءَه بدُونِ مُهلَةٍ؛ لأنَّه سَريعُ الإجابةِ، وعليمٌ بالضَّمائرِ الخالصةِ [438] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (12/267). .