المَطلَبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: يُغتَفَرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفَرُ في المَتبوعِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في المَتبوعِ"
[1407] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (17/30)، ((اللامع الصبيح)) للبرماوي (2/507)، ((أسنى المطالب)) (3/31)، ((منحة الباري)) (1/306) كلاهما لزكريا الأنصاري، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (1/110)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/70)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/95)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (10/506)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/267). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في الأصلِ"
[1408] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/203)، ((فتح الرحمن)) لشهاب الدين الرملي (ص: 623)، ((غاية البيان)) لشمس الدين الرملي (ص: 206). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في المُستَقِلِّ"
[1409] يُنظر: ((كف الرعاع)) لابن حجر الهيتمي (ص: 82). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في الشَّيءِ تابِعًا ما لا يُغتَفرُ فيه مَقصودًا"
[1410] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) (1/93)، ((الفتاوى الكبرى)) (1/35) كلاهما لابن حجر الهيتمي، ((حاشية الجمل على شرح المنهج)) (5/390). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّوابِعِ ما لا يُغتَفرُ في المُتبوعاتِ"
[1411] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (2/462). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّبَعيَّةِ ما لا يُغتَفرُ في الاستِقلالِ"
[1412] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (5/192)، ((طرح التثريب)) للعراقي (6/122)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/13)، ((الفوائد المنتخبات)) لابن جامع (2/665)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/29). . وصيغةِ: "يُغتَفرُ في التَّوابِع ما لا يُغتَفرُ في غَيرها"
[1413] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 120). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.مَعنى: (يُغتَفرُ) أي: يُتَسامَحُ ويُتَساهَلُ، و(في التَّابِعِ) أي: ما اشتَمَلَ عليه غَيرُه، سَواءٌ كان مِن حُقوقِ المَتبوعِ أو لوازِمِه، أو كان عَقدًا أو فسخًا مُتَضَمِّنًا له، أو مِن حُقوقِ عَقدٍ مُتَعَلِّقٍ به، و(ما لا يُغتَفرُ في المَتبوعِ) أي: يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما دامَ تابِعًا ما لا يُغتَفرُ فيه إذا صارَ مَتبوعًا، أي أصلًا مَقصودًا، أي: أنَّ الشَّرائِطَ الشَّرعيَّةَ المَطلوبةَ في مَحَلِّ التَّصَرُّفاتِ يَجِبُ تَوافُرُها جَميعًا في المَحَلِّ الأصليِّ، ولَكِنَّ التَّوابِعَ قد يُتَساهَلُ في استيفائِها بَعضَ هذه الشُّروطِ؛ لأنَّه قد يَكونُ للشَّيءِ قَصدًا شُروطٌ مانِعةٌ، وأمَّا إذا ثَبَتَ ضِمنًا أو تَبَعًا لشَيءٍ آخَرَ فيَكونُ ثُبوتُه ضَرورةَ ثُبوتِ مَتبوعِه أو ما هو ضِمنُه
[1414] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/55)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 291)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 340)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/447). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((مَنِ ابتاعَ نَخلًا بَعدَ أن تُؤَبَّرَ فثَمَرَتُها للبائِعِ إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ، ومَنِ ابتاعَ عَبدًا ولَه مالٌ فمالُه للذي باعَه إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ )) [1415] أخرجه البخاري (2379) واللفظ له، ومسلم (1543). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّه يَجوزُ للمُشتَري أن يَشتَريَ الشَّجَرةَ وعليها ثَمَرةٌ لم تُؤَبَّرْ، أي: تُلَقَّحْ، ومَعلومٌ أنَّها قَبلَ ذلك لم يَبدُ صَلاحُها، والأصلُ أنَّه لا يَجوزُ بَيعُ الثَّمَرِ المُؤَبَّرِ قَبلَ أن يَبدوَ صَلاحُه؛ لوُرودِ النَّهيِ عن بَيعِ الثَّمَرةِ حتَّى يَبدوَ صَلاحُها، ولَكِن جازَ بَيعُ الثَّمَرِ في مِثلِ هذه الحالةِ لكَونِه تَبَعًا لغَيرِه. كَما جازَ للمُشتَري أن يَشتَرِطَ الثَّمَرةَ بَعدَ أن تُؤَبَّرَ، وإن لم يَبدُ صَلاحُها، وجاز له ذلك للعِلَّةِ نَفسِها، فهو تابِعٌ للشَّجَرِ، وهو غَيرُ مَقصودٍ لذاتِه، ويُغتَفرُ في التَّبَعيَّةِ ما لا يُغتَفرُ في الاستِقلالِ
[1416] يُنظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (6/122)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/468)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (11/343). .
2- مِنَ الإجماعِ:حُكيَ الإجماعُ على بَعضِ الصُّورِ الدَّاخِلةِ تَحتَ القاعِدةِ، كَبَيعِ الثَّمَرةِ قَبلَ صَلاحِها مَعَ النَّخلِ، وبَيعِ الجَنينِ مَعَ أُمِّه، ومِمَّن حَكاه الشَّافِعيُّ
[1417] قال: (الدَّلالةُ بالسُّنَّةِ في النَّخلِ قَبلَ أن يُؤَبَّرَ وبَعدَ الإبارِ في أنَّه داخِلٌ في البَيعِ مِثلُ الدَّلالةِ بالإجماعِ في جَنينِ الأَمَةِ وذاتِ الحَملِ مِنَ البَهائِمِ؛ فإنَّ النَّاسَ لم يَختَلِفوا في أنَّ كُلَّ ذاتِ حَملٍ مِن بَني آدَمَ ومِنَ البَهائِمِ بيعَت فحَملُها تَبَعٌ لها كَعُضوٍ مِنها داخِلٌ في البَيعِ بلا حِصَّةٍ مِنَ الثَّمَنِ). ((الأم)) (3/41). ، والنَّوويُّ
[1418] قال: (أجمَعَ المُسلِمونَ على جَوازِ بَيعِ حَيَوانٍ في ضَرعِه لبَنٌ، وإن كان اللَّبَنُ مَجهولًا). ((المَجموع)) (9/326)، وقال أيضًا: (إذا باعَ حامِلًا بَيعًا مُطلَقًا، دَخَلَ الحَملُ في البَيعِ بالإجماعِ). ((المجموع)) (9/324). .
3- مِنَ القَواعِدِ:يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (العِبرةُ للمَتبوعِ دونَ التَّابِعِ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يَجوزُ بَيعُ شاةٍ في ضَرعِها لبَنٌ، مَعَ أنَّ اللَّبَنَ مَجهولٌ؛ لأنَّ كُلًّا مِنَ الشَّاةِ واللَّبَنِ المَضمومِ إليها مَقصودٌ بالبَيعِ، واللَّبَنُ في الضَّرعِ تابِعٌ وإن كان له قِسطٌ مِنَ الثَّمَنِ، بدَليلِ دُخولِه -إذا أُطلِقَ البَيعُ- في الشَّاةِ، ويُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في غَيرِه؛ ولِذلك صَحَّ بَيعُه، كأساسِ الحائِطِ، ورؤوسِ الجُذوعِ
[1419] يُنظر: ((تكملة السبكي على المجموع)) (11/153). وينظر أيضًا: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/13). .
2- يُشتَرَطُ في الوقفِ أن يَكونَ المَوقوفُ مالًا ثابِتًا، أي: عَقارًا، ولا يَصِحُّ وَقفُ المَنقولاتِ، إلَّا إذا تُعورِفَ، كَوقفِ الكُتُبِ وأدَواتِ الجِنازةِ، لكِن لو وقَف شَخصٌ عَقارًا بما فيه مِنَ الأموالِ المَنقولةِ التي لا يَجوزُ وَقفُها ولَم يَكُنْ جائِزًا عُرفًا وعادةً، فإنَّه يَصِحُّ وقفُها تَبَعًا للعَقارِ، وإن كان الوقفُ فيها غَيرَ جائِزٍ ابتِداءً؛ إذ يُغتَفرُ في التَّابِعِ ما لا يُغتَفرُ في المَتبوعِ
[1420] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/56)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 340)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/448). .
3- إذا حَلَف لا يَشتَري صوفًا، فاشتَرى غَنَمةً عليها صوفٌ، جازَ ولا يَحنَثُ؛ لأنَّ الصُّوفَ دَخَلَ في البَيعِ تَبَعًا للشَّاةِ لا قَصدًا، فاغتُفِر فيه، فإن دَخَل مَقصودًا يَحنَثُ
[1421] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/449). .