الفَرعُ الثَّاني: المُتَولِّدُ بَينَ شَيئَينِ يَنفرِدُ باسمِه وجِنسِه وحُكمِه عنهما
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المُتَولِّدُ بَينَ شَيئَينِ يَنفرِدُ باسمِه وجِنسِه وحُكمِه عنهما"
[1398] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/36)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/70)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (6/296). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ المُتَولِّدَ النَّاتِجَ بَينَ شَيئَينِ مُختَلِفينِ في النَّوعِ والحُكمِ يَنفَرِدُ باسمِه وجِنسِه وحُكمِه عنهما، فلا يَتبَعُ أحَدَ الشَّيئَينِ في حُكمِه، وإنَّما يَستَقِلُّ بحُكمٍ مُنفرِدٍ، ولا يَصِحُّ إلحاقُه بأحَدِ هَذَين الشَّيئَينِ، كالسِّمْعِ المُتَولِّدِ بَينَ الضَّبُعِ والذِّئبِ.
أمَّا المُتَولِّدُ بَينَ شَيئَينِ مُتَّحِدَينِ في الحُكمِ فهو مِثلُهما في الحُكمِ كذلك، كَما إذا تَولَّدَ البَغلُ بَينَ فرَسٍ وحِمارِ وَحشٍ، أو بَينَ أتانٍ وحِصانٍ، جاز أكلُه، وهَكَذا كُلُّ مُتَولِّدٍ بَينَ أصلَينِ مُباحَينِ، وإنَّما حَرُمَ ما تولَّد مِن بَينِ حَلالٍ وحَرامٍ "كالبَغلِ" الذي أحَدُ أبَوَيه حِمارٌ أهليٌّ
[1399] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/36)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/70)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (35/208). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (الشَّيءُ الواحِدُ لا يَكونُ مَقصودًا وتَبَعًا)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المُتَولِّدَ بَينَ شَيئَينِ لا يَكونُ تابِعًا لأحَدِهما في الحُكمِ؛ وإنَّما يَستَقِلُّ بنَفسِه؛ لأنَّ الشَّيءَ الواحِدَ لا يَكونُ مَقصودًا وتَبَعًا.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ (الشَّيءُ الواحِدُ لا يَكونُ مَقصودًا وتَبَعًا).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- المُتَولِّدُ بَينَ الظِّباءِ والمَعزِ ليسَ بمَعزٍ ولا ظَبيٍ، فلا يَكونُ مِنَ المَعزِ، ولا تَتَناولُه نُصوصُ الشَّارِعِ، ولا يُمكِنُ قياسُه على ما تَناولَه النَّصُّ؛ لتَبايُنِهما وبُعدِ ما بَينَهما، واختِلافِ حُكمِهما في كَونِه لا يُجزِئُ في هَديٍ ولا أُضحيَّةٍ ولا ديةٍ
[1400] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/36)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/70). .
2- لا تَجِبِ الزَّكاةُ في المُتَولِّدِ بَينَ الظِّباءِ والمَعزِ؛ لأنَّه لا يَحصُلُ مِنه ما يَحصُلُ مِنَ الشِّياهِ مِنَ الدَّرِّ، وكَثرةِ النَّسلِ، بَلِ الظَّاهِرُ أنَّه لا نَسلَ له أصلًا؛ فإنَّ المُتَولِّدَ بَينَ شَيئَينِ لا نَسلَ له، كالبِغالِ، وما لا نَسَلَ له لا دَرَّ فيه، فامتَنَعَ القياسُ، ولَم يَدخُلْ في نَصٍّ ولا إجماعٍ
[1401] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/36)، ((شرح المقنع)) للبهاء المقدسي (2/70). وينظر أيضًا: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (2/405)، ((المحرر في الفقهـ)) لمجد الدين ابن تيمية (1/215)، ((الممتع)) لابن المنجى (1/665). .
3- إذا وكَّلَ وكيلًا في شِراءِ شاةٍ، لم يَدخُلِ المُتَولِّدُ بَينَ الظِّباءِ والمَعزِ في الوَكالةِ؛ لأنَّه ليسَ بمَعزٍ ولا ظَبيٍ
[1402] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (4/36)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (6/296). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ التي يُلحَقُ فيها المُتَولِّدُ بَينَ شَيئَينِ بأحَدِهما، ومِن ذلك:
1- المُتَولِّدُ بَينَ أهليٍّ ووَحشيٍّ يَحرُمُ قَتلُه في الحَرَمِ، وفيه الجَزاءُ؛ تَغليبًا للتَّحريمِ
[1403] يُنظر: ((اللباب)) لابن المحاملي (ص: 207)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/494). .
2- يَحرُمُ أكلُ الحِمارِ المُتَولِّدِ بَينَ الوَحشيِّ والأهليِّ، فهو مُتَولِّدٌ بَينَ حَلالٍ وحَرامٍ، فيُغَلَّبُ جانِبُ التَّحريمِ، ويَكونُ حُكمُه حُكمَ الذي أبَواه وحشيَّانِ
[1404] يُنظر: ((شرح الرسالة)) للقاضي عبد الوهاب (2/203)، ((الكافي)) لابن قدامة (1/494)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (4/104). .
قال الماوَرديُّ: (كُلُّ مُتَولِّدٍ مِن بَينِ مَأكولٍ وغَيرِ مَأكولٍ: حَرامٌ؛ تَغليبًا لحُكمِ التَّحريمِ على التَّحليلِ، كالسِّمْعِ المُتَولِّدِ بَينَ الضَّبُعِ والذِّئبِ، كَما أنَّ كُلَّ مُتَولِّدٍ مِن بَينِ طاهرٍ ونَجِسٍ، فهو نَجِسٌ)
[1405] ((الحاوي الكبير)) (15/143). .
3- إن كان أحَدُ أبَوَيِ المَرأةِ غَيرَ كِتابيٍّ، فقد قَطَعَ الخِرَقيُّ، والقاضي، وجُمهورُ أصحابِه، بأنَّه لا يَحِلُّ لمُسلِمٍ نِكاحُها؛ لأنَّها مُتَولِّدةٌ بَينَ مَن يَحِلُّ ومَن لا يَحِلُّ، كالمُتَولِّدِ بَينَ مَأكولٍ وغَيرِه
[1406] يُنظر: ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/512). .