موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: التَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بصيغةِ: "التَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ، ولَكِن يَتَرَجَّحُ جانِبُ الأصلِ" [1331] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/67)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/397). . وصيغةِ: "البَدَلُ لا يُعارِضُ الأصلَ" [1332] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/30). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ التَّابِعَ لا يَقوى على مُعارَضةِ الأصلِ المَتبوعِ؛ لأنَّ التَّابِعَ أضعَفُ مِنَ الأصلِ، والأصلُ لا يُعارَضُ إلَّا بما يَرفعُه ويُزيلُه، والتَّابِعُ ليسَ كذلك مَعَ مَتبوعِه؛ لأنَّه فرعُه فلا يُساويه، ولَكِن يَتَرَجَّحُ جانِبُ الأصلِ، وكذلك البَدَلُ لا يُعارِضُ الأصلَ؛ لأنَّ البَدَلَ تابِعٌ ولَيسَ مِن قَبيلِ المَتبوعِ [1333] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/67)، ((أمالي ابن الشجري)) (3/6)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/257)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/183)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/30). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ الإجماعُ:
ومِمَّن نَقَلَه: عَلاءُ الدِّينِ البُخاريُّ [1334] قال: (التَّبَعُ لا يُعارِضُ الأصلَ بالإجماعِ). ((كشف الأسرار)) (3/128). ، والفَناريُّ [1335] قال: (التَّبَعُ لا يُعارِضُ أصلَه إجماعًا). ((فصول البدائع)) (2/125). .
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- لو أنَّ رَجُلًا أكرَهَه لصٌّ بالقَتلِ على قَطعِ يَدِ نَفسِه، فهو إن شاءَ اللهُ في سَعةٍ مِن ذلك؛ لأنَّه ابتُليَ ببَليَّتَينِ، فلَه أن يَختارَ أهونَهما عليه، ثُمَّ حُرمةُ الطَّرَفِ تابِعةٌ لحُرمةِ النَّفسِ، والتَّابِعُ لا يُعارِضُ الأصلَ، ولَكِن يَتَرَجَّحُ جانِبُ الأصلِ، ففي إقدامِه على قَطعِ اليَدِ مُراعاةُ حُرمةِ نَفسِه، وفي امتِناعِه مِن ذلك تَعريضُ النَّفسِ، وتَلَفُ النَّفسِ يوجِبُ تَلَفَ الأطرافِ لا مَحالةَ، ولا شَكَّ أنَّ إتلافَ البَعضِ لإبقاءِ الكُلِّ يَكونُ أَولى مِن إتلافِ الكُلِّ [1336] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/67)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (4/397). .
2- إذا وقَف شَخصٌ مالَه فقال: إنِّي وقَفتُ مالي على أولادي. وكان له أولادٌ وأولادُ أولادٍ، فيُصرَفُ قَولُه على أولادِه لصُلبِه، ولا تَستَفيدُ أولادُ أولادِه مِن غَلَّةِ الوقفِ؛ لأنَّ المَعنى الحَقيقيَّ أصلٌ، والمَجازيَّ بَدَلٌ، والبَدَلُ لا يُعارِضُ الأصلَ. فلَوِ انقَرَضَ أولادُه لصُلبِه فلا تُصرَفُ غَلَّةُ الوقفِ على أحفادِه، بَل تُصرَفُ إلى الفُقَراءِ. إلَّا إذا لم يوجَدْ للواقِفِ أولادٌ حينَ الوقفِ، بَل كان له أحفادٌ، فبطريقِ المَجازِ يُعَدُّ المالُ مَوقوفًا على أحفادِه، أمَّا إذا وُلِدَ للواقِفِ مَولودٌ بَعدَ إنشاءِ الوَقفِ فيَرجِعُ الوقفُ إلى ولَدِه لصُلبِه؛ لأنَّ اسمَ الولَدِ مَأخوذٌ مِنَ الوِلادةِ، ولَفظُ الولَدِ حَقيقةٌ في الولَدِ الصُّلبيِّ ذَكَرًا أو أُنثى، ولأنَّ لفظةَ الولَدِ حَقيقةٌ في الولَدِ الصُّلبيِّ، فعِندَ عَدَمِ وُجودِ أولادٍ للواقِفِ لصُلبِه يُصرَفُ الوَقفُ إلى الأحفادِ الذينَ تُستَعمَلُ فيهم كَلِمةُ الأولادِ مَجازًا [1337] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/30). .

انظر أيضا: