الفَرعُ الثَّالِثُ: إذا بَطَلَ الشَّيءُ بَطَل ما في ضِمنِه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "إذا بَطَلَ الشَّيءُ بَطَل ما في ضِمنِه"
[1320] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 338)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/557)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 273)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 56)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 342)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/457). . وصيغةِ: "إذا بَطَلَ المُتَضَمِّنُ بَطَل المُتَضَمَّنُ"
[1321] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 338)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 395)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/515). . وصيغةِ: "المَبنيُّ على الباطِلِ باطِلٌ"
[1322] يُنظر: ((نعمة الذريعة)) للحلبي (ص: 73)، ((فتاوى الخليلي)) (1/142)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (3/616). . وصيغةِ: "المَبنيُّ على الفاسِدِ فاسِدٌ"
[1323] يُنظر: ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (4/140)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (1/97)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 339)، ((فتح باب العناية)) للقاري (1/298)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 395)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (4/159)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/432). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّيءَ الذي ثَبَتَ ضِمنًا إذا بَطَلَ مُتَضَمِّنُه لا يَبقى له حُكمٌ، فإذا بَطَلَ الشَّيءُ مِنَ التَّصَرُّفاتِ غَيرِ العُقودِ، أو فسَدَ الشَّيءُ مِنَ العُقودِ، فإنَّه يَبطُلُ ما يَدخُلُ فيه، كالصَّلاةِ المُشتَمِلةِ على واجِباتٍ وسُنَنٍ، إذا بَطَلَت بَطَلَ جَميعُ ما تَضَمَّنَته، وكما إذا بَطَلَ عَقدٌ بَطَل ما تَضمَّنه مِن شُروطٍ والتِزاماتٍ؛ لأنَّها تَبَعٌ له.
والشَّيءُ قد يتضمَّنُ شَيئًا آخَرَ حَقيقةً بأن يَكونَ المُتَضَمَّنُ مِن أجزاءِ مَدلولِه، ويَشمَلُه المُتَضَمِّنُ في حُكمِه. والمُتَضَمَّنُ يَكونُ مُصاحِبًا في الحُكمِ للمُتَضَمِّنِ غَيرَ مُتَأخِّرٍ عنه زَمانًا، وإن تَأخَّر رُتبةً، بحَيثُ مَتى أُطلِقَ المُتَضَمِّنُ يَشمَلُ حُكمُه المُتَضَمَّنَ، كالصَّلاةِ مَثَلًا: فهيَ مُتَضَمِّنةٌ لأجزاء فُروضٍ وواجِباتٍ وسُنَنٍ وآدابٍ، وإذا بَطَلَت بَطَلَ جَميعُ ما تَضَمَّنَته، والمُطلَقُ مَثَلًا مُتَضَمِّنٌ للمُقَيَّدِ، فإذا نُسِخَ المُطلَقُ يُنسَخُ المُقَيَّدُ في ضِمنِه.
وقد يَكونُ المُتَضَمَّنُ مُرَتَّبًا على المُتَضَمِّنِ تَرَتُّبَ المُسَبَّبِ على السَّبَبِ، فإطلاقُ المُتَضَمِّنِ والمُتَضَمَّنِ عليهما مجازٌ لأدنى مُلابَسةٍ.
وقدِ اشتَهَرَ استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، إلَّا أنَّ أغلَبَ كُتُبِ الحَنَفيَّةِ تُجري القاعِدةَ على الفسادِ لا على البُطلانِ؛ حَيثُ إنَّهم يُفرِّقونَ بَينَ الباطِلِ والفاسِدِ؛ لأنَّ الباطِلَ مَعدومٌ شَرعًا أصلًا ووصفًا، والمَعدومُ لا يَتَضَمَّنُ شَيئًا، أمَّا الفاسِدُ فهو فائِتُ الوصفِ دونَ الأصلِ، فلَم يَكُنْ مَعدومًا بأصلِه، فصَحَّ أن يَكونَ مُتَضَمِّنًا، فإن فسَدَ المُتَضَمِّنُ فسَدَ المُتَضَمَّنُ
[1324] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/54)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/457)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 342)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (8/114). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارُ التَّبَعِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ المُتَضَمِّنَ هو الأصلُ المَتبوعُ، والمُتَضَمَّنُ تابِعُه، وإذا بَطَلَ الأصلُ بَطَل فرعُه وتابِعُه؛ لأنَّ في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارَ التَّبَعِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقواعدِ التَّاليةِ:
- القاعِدةُ الأُمُّ: (في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارُ التَّبَعِ).
- وقاعِدةُ: (إذا سَقَطَ الأصلُ سَقَطَ الفَرعُ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا أقَرَّ إنسانٌ لآخَرَ، أو أبرَأه ولَو إبراءً عامًّا، وكان الإقرارُ أوِ الإبراءُ مُتَرَتِّبًا على عَقدٍ، كَبَيعٍ أو صُلحٍ، ثُمَّ انتَقَضَ البَيعُ أوِ الصُّلحُ بوجهٍ ما، بَطَلَ الإقرارُ والإبراءُ، وذلك كَما إذا اشتَرى شَيئًا مِن آخَرَ، فإنَّ شِراءَه مِنه يَتَضَمَّنُ إقرارَه له بالمِلكِ، أو شَراه مِنه وأقَرَّ له بوُجوبِ الثَّمَنِ في ذِمَّتِه، ثُمَّ ظَهَرَ أنَّ المَبيعَ مُستَحِقٌّ للغَيرِ، ولَم يُجِزِ المُستَحِقُّ البَيعَ، بَطَل البَيعُ وبَطَل ما تَضَمَّنَه أو تَرَتَّبَ عليه مِنَ الإقرارِ بالمِلكِ أو بوُجوبِ الثَّمَنِ، ورَجَعَ المُشتَري على البائِعِ بالثَّمَنِ إذا كان دَفعَه له، ولا يَمنَعُه إقرارُه مِن ذلك؛ لأنَّه بَطَلَ ببُطلانِ البَيعِ الذي تَضمَّنه
[1325] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 273)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/458). .
2- إذا اشتَرى شَيئًا مِمَّن أُكرِهَ على البَيعِ، وتَصَرَّف فيه المُشتَري تَصَرُّفًا يَقبَلُ النَّقضَ، ثُمَّ زالَ الإكراهُ، فالبائِعُ له نَقضُ تَصَرُّفاتِ المُشتَري
[1326] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 274)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/458). .
3- إذا قال لآخَرَ: بِعتُك دَمي بكَذا، فقَتَلَه، وجَبَ القِصاصُ. وكَذا لوِ اشتَرى مِن خَصمِه اليَمينَ التي تَوجَّهَت عليه بمالٍ، لم يَلزَمِ المالُ، وكان للخَصمِ أن يَستَحلِفَه؛ لأنَّه لمَّا بَطَلَ العَقدُ في الصُّورَتَينِ بَطَل ما في ضِمنِه مِنَ الإذنِ بالقَتلِ وإسقاطِ اليَمينِ. بخِلافِ ما لو أمَرَه بقَتلِه، أو صالَحَه عن طَلَبِ اليَمينِ على مالٍ، أوِ افتَداه مِنه به؛ حَيثُ يَسقُطُ القِصاصُ في الأولى، واليَمينُ في الثَّانيةِ، ويَلزَمُ فيها المالُ
[1327] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 275). ويُنظر أيضًا: ((معين الحكام)) للطرابلسي (ص: 182)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 339)، ((مجمع الضمانات)) للبغدادي (ص: 171)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/55). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ، مِنها:
1- إذا تَصالَحَ الشَّفيعُ والمُشتَري ببَدَلٍ مَعلومٍ على حَقِّ الشُّفعةِ، فالصُّلحُ غَيرُ صَحيحٍ، ولَكِن يَسقُطُ حَقُّ الشَّفيعِ في الشُّفعةِ
[1328] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/55). .
2- إذا دَخَلَ الزَّوجُ بالزَّوجةِ بَعدَ نِكاحٍ فاسِدٍ قد سَمَّى لها فيه مَهرًا، فإنَّه يَجِبُ لها مَهرُ المِثلِ لا يُتَجاوزُ به المُسَمَّى؛ لرِضا الزَّوجةِ بالمُسَمَّى؛ فهنا فسَدَ المُتَضَمِّنُ، وهو النِّكاحُ، ولَم يَفسُدِ المُتَضَمَّنُ، وهو الرِّضا بالمُسَمَّى الذي تَضَمَّنَه العَقدُ
[1329] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 278)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/462). .
فائِدةٌ:يَتَبَيَّنُ مِن أمثِلةِ القاعِدةِ أنَّه لا فرقَ في بُطلانِ المُتَضَمِّنِ بَينَ أن يَكونَ مُتَضَمِّنًا حَقيقةً للباطِلِ، كَمَسألةِ بَيعِ الإنسانِ دَمَه لآخَرَ، ومَسألةِ شِرائِه اليَمينَ مِن خَصمِه، وبَينَ أن يَكونَ مُتَرَتِّبًا عليه بأن أُفرِدَ بذِكرِه مَعَه وقَرنِه به، كالإبراءِ والإقرارِ بَعدَ عَقدٍ فاسِدٍ، وكَتَصَرُّفاتِ المُشتَري مِنَ المُكرَهِ على البَيعِ
[1330] يُنظر: ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 276)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/460). .