موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ: في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارُ التَّبَعِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارُ التَّبَعِ" [1286] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (27/30). . وصيغةِ: "ثُبوتُ التَّبَعِ بثُبوتِ الأصلِ، فإذا لم يَثبُتِ الأصلُ لا يَثبُتُ التَّبَعُ" [1287] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/218). . وصيغةِ: "ثُبوتُ التَّبَعِ بثُبوتِ المَتبوعِ" [1288] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (7/127). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
مَعنى الاعتِبارِ عِندَ الفُقَهاءِ: الاعتِدادُ بالشَّيءِ في تَرَتُّبِ الحُكمِ.
وتُفيدُ هذه القاعِدةُ أنَّ اعتِبارَ الأصلِ المَتبوعِ والِاعتِدادَ به يُعَدُّ اعتِدادًا بالتَّابِعِ؛ لأنَّ قِوامَ التَّابِعِ ببَقاءِ المَتبوعِ؛ فإنَّه لا يُخالِفُ مَتبوعَه بحالٍ، ومِن شَرطِ التَّابِعِ أن يَكونَ حُكمُه حُكمَ المَتبوعِ. وبِهذا تَلتَقي هذه القاعِدةُ في بَعضِ مَعانيها مَعَ قاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ) [1289] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (27/30)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 147)، ((شرح المقدمة)) لابن بابشاذ (2/407). .
وقد ورَدَ النَّصُّ على هذه القاعِدةِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، كَما استُعمِلَت عِندَهم تَعليلًا لعَدَمِ إسقاطِ الأصلِ مِن أجلِ مُراعاةِ التَّبَعِ؛ حَيثُ قال السَّرَخْسيُّ: (ولا يَجوزُ إهدارُ الأصلِ بحالٍ لمُراعاةِ التَّبَعِ؛ لأنَّ في اعتِبارِ الأصلِ اعتِبارَ التَّبَعِ، ولَيسَ في اعتِبارِ التَّبَعِ اعتِبارُ الأصلِ) [1290] ((المبسوط)) (27/30). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- تَوابِعُ المَبيعِ المُتَّصِلةُ بالمَبيعِ اتِّصالَ قَرارٍ تَدخُلُ في البَيعِ تَبَعًا بدونِ ذِكرٍ، كما إذا بِيعَ مَنزِلٌ فيَدخُلُ في البَيعِ الأقفالُ المُسَمَّرةُ الثَّابِتةُ ومَفاتيحُها، والدَّواليبُ المُستَقِرَّةُ، والبُستانُ الذي هو داخِلَ حُدودِ الدَّارِ ونَحوُ ذلك؛ لأنَّ جَميعَ هذه المَذكوراتِ لا تَنفصِلُ عنِ المَبيعِ، فتَدخُلُ في البَيعِ [1291] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/210). .
2- الدَّابَّةُ الحامِلُ يَدخُلُ حَملُها في البَيعِ؛ لأنَّه وإن كان اتِّصالُه بها ليسَ اتِّصالَ قَرارٍ، فكان يَنبَغي ألَّا يَدخُلَ في البَيعِ، إلَّا أنَّ فَصلَه لمَّا كان خارِجًا عنِ القُدرةِ البَشَريَّةِ وإنَّما يَنفصِلُ بقُدرةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فقدِ اعتُبِرَ مِنَ التَّوابِعِ المُتَّصِلةِ، وعلى ذلك هو جُزءٌ مِنَ الدَّابَّةِ، فيَجِبُ أن يَتبَعَها [1292] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/211). وينظر أيضًا: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/11)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/283). .
3- إذا أكرَهَ مَجنونٌ امرَأةً عاقِلةً حتَّى زَنا بها، فلا حَدَّ على واحِدٍ مِنهما، أمَّا المَرأةُ فلأنَّها مُكرَهةٌ غَيرُ مُمكِنةٍ طَوعًا، وأمَّا الرَّجُلُ فلأنَّه مَجنونٌ ليسَ مِن أهلِ التِزامِ العُقوبةِ، كَما أنَّ المُباشِرَ للفِعلِ هو الرَّجُلُ، والمَرأةُ تابِعةٌ، وإن لم يَكُنْ أصلُ الفِعلِ زِنًا فهيَ لا تَصيرُ زانيةً؛ لأنَّ ثُبوتَ التَّبَعِ بثُبوتِ الأصلِ، وفِعلُ المَجنونِ زِنًا لُغةً، ولَكِن ليسَ بزِنًا شَرعًا، وإذا انعَدَمَ الزِّنا شَرعًا في جانِبِه فكذلك في جانِبِها [1293] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (9/54). .

انظر أيضا: