موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: ما يَستَقِلُّ بنَفسِه لا يُبنى على غَيرِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما يَستَقِلُّ بنَفسِه لا يُبنى على غَيرِه" [1264] يُنظر: ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 142). . وصيغةِ: "الأصلُ في كُلِّ كَلامٍ تامٍّ أن يَكونَ مُستَنِدًا بنَفسِه" [1265] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/263). . وصيغةِ: "الأصلُ في كُلِّ كَلامٍ تامٍّ أن يَنفرِدَ بحُكمِه، ولا يُشارِكَه غَيرُه فيه" [1266] يُنظر: ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (2/197). . وصيغةِ: "كُلُّ كَلامٍ له حُكمُه، غَيرُ جائِزٍ تَضمينُه بغَيرِه إلَّا بدَلالةٍ تَقومُ عليه سِواه" [1267] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للكيا الهراسي (3/112). . وصيغةِ: "ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه تَبَعٌ لِما يَستَقِلُّ بنَفسِه" [1268] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/17). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
ما يَستَقِلُّ بنَفسِه لا يَتبَعُ غَيرَه ولا يُبنى على غَيرِه؛ لأنَّه أصلٌ مَتبوعٌ، فيَتبَعُه غَيرُه مِمَّا لا يَستَقِلُّ بنَفسِه؛ لأنَّ الأصلَ إتباعُ ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه لِما يَستَقِلُّ بنَفسِه. فكُلُّ كَلامٍ يَستَقِلُّ بنَفسِه يوجَدُ مِنه الحُكمُ لا مِن غَيرِه، ولا يُبنى على غَيرِه. وأمَّا ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه فيُؤخَذُ حُكمُه مِن غَيرِه ويُبنى على غَيرِه [1269] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/17) و(2/140)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/19)، ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 142). .
وهذه القاعِدةُ مُرتَبِطةٌ بقاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ)؛ لأنَّ ما يَستَقِلُّ بنَفسِه هو الأصلُ، فلا يَكونُ تابِعًا لغَيرِه، وإنَّما يَتبَعُه ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه؛ لأنَّ التَّابِعَ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
فقد نَفى الشَّوكانيُّ وُجودَ النِّزاعِ في هذه القاعِدةِ [1270] قال: (الأصلُ في كُلِّ كَلامٍ تامٍّ أن يَنفرِدَ بحُكمِه، ولا يُشارِكَه غَيرُه فيه، فمَنِ ادَّعى خِلافَ هذا في بَعضِ المَواضِعِ فلِدَليلٍ خارِجيٍّ، ولا نِزاعَ فيما كان كذلك). ((إرشاد الفحول)) (2/197). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ:
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا قال رَجُلٌ لآخَرَ: لي عليك ألفٌ. فقال: الحَقَّ أوِ اليَقينَ أوِ الصِّدقَ، أو حَقًّا حَقًّا، أو يَقينًا يَقينًا، أو صِدقًا صِدقًا... إلخ، فهو إقرارٌ بالألفِ. لكِن لو قال: الحَقُّ حَقٌّ، أوِ اليَقينُ يَقينٌ، أوِ الصِّدقُ صِدقٌ؛ لم يَكُنْ شَيءٌ مِن هذا إقرارًا؛ لأنَّه كَلامٌ تامٌّ، بخِلافِ ما تقدَّمَ؛ لأنَّه لا يَصلُحُ للِابتِداءِ، فجُعِلَ جَوابًا، فكَأنَّه قال: ادَّعَيتَ الحَقَّ... إلخ [1271] يُنظر: ((الجامع الكبير)) للشيباني (ص: 137)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/370)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/622). .
2- إذا قال الرَّجُلُ: إن تَزَوَّجتُ فُلانةَ فهيَ طالِقٌ، لا بَل فُلانةَ. والثَّانيةُ امرَأتُه؛ فإنَّها لا تُطَلَّقُ السَّاعةَ؛ لأنَّ الكَلامَ الثَّانيَ غَيرُ مُستَقِلٍّ، فتَعَلَّقَ بالشَّرطِ؛ لأنَّ ما لا يَستَقِلُّ بنَفسِه يُبنى على غَيرِه [1272] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (1/454)، ((القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير)) لعلي الندوي (ص: 142). .

انظر أيضا: