الفَرعُ الأوَّلُ: التَّابِعُ لا يَستَتبِعُ المَتبوعَ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّابِعُ لا يَستَتبِعُ المَتبوعَ"
[1255] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/184). . وصيغةِ: "التَّبَعُ لا يَستَتبِعُ الأصلَ"
[1256] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/56). . وصيغةِ: "الفَرعُ لا يَستَتبِعُ الأصلَ"
[1257] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (5/147)، ((تكملة السبكي على المجموع)) (11/332). . وصيغةِ: "الأصلُ لا يَتبَعُ الفَرعَ"
[1258] يُنظر: ((النجم الوهاج)) للدميري (10/473)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/437)، ((الإقناع)) للخطيب الشربيني (2/650)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/647)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/295)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/814). . وصيغةِ: "التَّبَعُ لا يَقومُ مَقامَ الأصلِ في إثباتِ الحُكمِ به ابتِداءً"
[1259] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/153). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. لا يَجوزُ قَلبُ الحَقيقةِ بجَعلِ التَّابِعِ مَتبوعًا والمَتبوعِ تابِعًا؛ لأنَّ جَعْلَ التَّابِعِ مَتبوعًا يُعَدُّ نَقضًا للأُصولِ؛ لأنَّه عَكسُ المَعقولِ؛ فأثَرُ الشَّيءِ لا يَتَنَزَّلُ مَنزِلَتَه في وُجودِه وعَدَمِه، ومَن فَعَل ذلك فقد قَلَبَ الحَقائِقَ وخالَف الحِسَّ
[1260] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/209)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/291)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (3/280). .
وهذه القاعِدةُ مُرتَبِطةٌ بقاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ)؛ لأنَّ عَدَمَ كَونِ التَّابِعِ مَتبوعًا هو الأصلُ، أمَّا جَعلُ التَّابِعِ مَتبوعًا فهو نَقضٌ للأُصولِ؛ لأنَّ التَّابِعَ تابِعٌ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (التَّابِعُ تابِعٌ).
رابِعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا قَرَأ رَجُلٌ آيةَ السَّجدةِ خَلفَ الإمامِ، فسَمِعَها الإمامُ والقَومُ، فلَيسَ على أحَدٍ مِنهم أن يَسجُدَها في الحالِ، ولا بَعدَ الفراغِ مِنَ الصَّلاةِ، عِند أبي حَنيفةَ وأبي يوسُفَ، وقال مُحَمَّدٌ: يَسجُدونَ إذا فرَغوا مِن صَلاتِهم. أمَّا في الصَّلاةِ فلا يَسجُدونَ؛ لأنَّه لو سَجَدَها التَّالي وتابَعَه الإمامُ انقَلَبَ المَتبوعُ تابِعًا، وإن لم يُتابِعْه الإمامُ كان هو مُخالِفًا لإمامِه
[1261] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (2/10). ويُنظر أيضًا: ((فتح باب العناية)) لصدر الشريعة (1/380). .
2- يَلزَمُ سُجودُ السَّهوِ على المُقتَدي -أي: المُؤتَمِّ الحَقيقيِّ، والحُكميِّ، كاللَّاحِقِ- بسَهوِ إمامِه إن سَجَد، وإن لم يَسجُدِ الإمامُ لسَهوِه لا يَسجُدُ المُؤتَمُّ؛ لأنَّه تَبِعٌ لإمامِه، وبسُجودِه بدونِه يَصيرُ مُخالِفًا لإمامِه، ولا فَرقَ في ذلك بَينَ السَّهوِ مِنَ الإمامِ حالةَ الاقتِداءِ به أو قَبلَها؛ لأنَّ السَّبَبَ الموجِبَ إذا تَقَرَّرَ في حَقِّ الأصلِ يَتَقَرَّرُ على التَّبَعِ حَسَبَ تقَرُّرِه على الأصلِ. ولا يَلزَمُ سُجودُ السَّهوِ بسَهوِ المُقتَدي، لا عليه ولا على إمامِه؛ لأنَّه إن سَجَدَ وحدَه خالَف إمامَه، وإن سَجَد الإمامُ مَعَه انقَلَبَ المَتبوعُ تابِعًا، والتَّابِعُ مَتبوعًا، والمَسبوقُ يَسجُدُ مَعَ إمامِه تَبَعًا له ولا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقضي ما فاتَه
[1262] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/149). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. فائِدةٌ: يُستَفادُ مِن هذه القاعِدةِ أنَّه يَجِبُ على المُسلِمِ أن يَستَدِلَّ أوَّلًا، ثُمَّ يَحكُمَ ثانيًا، لا أن يَحكُمَ ثُمَّ يَستَدِلَّ، بمَعنى أنَّك إذا أرَدتَ إثباتَ حُكمٍ في العَقائِدِ أو في الجَوارِحِ فاستَدِلَّ أوَّلًا ثُمَّ احكُمْ، أمَّا أن تَحكُمَ ثُمَّ تَستَدِلَّ فهذا يَعني أنَّك جَعَلتَ المَتبوعَ تابِعًا، وجَعَلتَ الأصلَ عَقلَك والفَرعَ الكِتابَ والسُّنَّةَ؛ ولِهذا تَجِدُ الذينَ يَنتَحِلونَ لمَذاهبِهم يَجعَلونَ الأدِلَّةَ تَبَعًا لمَذاهبِهم، ثُمَّ يُحاوِلونَ أن يَلووا أعناقَ النُّصوصِ إلى ما يَقتَضيه مَذهَبُهم على وجهٍ مُستَكرَهٍ بَعيدٍ، والواجِبُ أن يَكونَ هَوى العَبدِ تَبَعًا لِما جاءَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[1263] يُنظر: ((شرح الأربعين النووية)) لابن عثيمين (ص: 395). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش