موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ المانِعُ إنَّما يَكونُ مانِعًا مَعَ المُقتَضي: ما كان وُجودُه شَرطًا كان عَدَمُه مانِعًا


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما كان وُجودُه شَرطًا كان عَدَمُه مانِعًا" [773] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/260). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بـ "وُجودُ الشَّرطِ كَعَدَمِ المانِعِ" [774] يُنظر: ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (4/6). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الشَّرطُ هو ما يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ، ولا يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ لذاتِه، فالشَّرطُ إذا انتَفى انتَفى الحُكمُ، وإذا وُجِدَ الشَّرطُ قد يوجَدُ الحُكمُ وقد لا يوجَدُ، والمانِعُ يَلزَمُ مِن وُجودِه العَدَمُ، ولا يَلزَمُ مِن عَدَمِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ لذاتِه، فإذا وُجِدَ المانِعُ انتَفى الحُكمُ، وإذا انتَفى المانِعُ قد يوجَدُ الحُكمُ وقد لا يوجَدُ، فيَظهَرُ حينَئِذٍ أنَّ انتِفاءَ الشَّرطِ يَنفي الحُكمَ، وأنَّ وُجودَ المانِعِ يَنفي الحُكمَ أيضًا، وهذا هو المَقصودُ بأنَّ وُجودَ الشَّرطِ كَعَدَمِ المانِعِ، أي: في أنَّ كُلًّا مِنهما يَنفي الحُكمَ، وبه يَظهَرُ أنَّ ما كان وُجودُه شَرطًا لثُبوتِ الحُكمِ، يُصبحُ عَدَمُ وُجودِه مانِعًا مِن ثُبوتِ الحُكمِ [775] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/433:430)، ((المنثور)) للزركشي (2/260)، ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (4/6). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ الدَّليلُ العَقليُّ:
وهو أنَّ الشَّرطَ يَلزَمُ مِن عَدَمِه العَدَمُ، والمانِعُ يَلزَمُ مِن وُجودِه العَدَمُ أيضًا، فيَكونُ كُلٌّ مِنهما كالآخَرِ؛ إذ لا فرقَ حينَئِذٍ [776] يُنظر: ((تصحيح الفروع)) للمرداوي (4/6). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- القُدرةُ على التَّسليمِ شَرطٌ في صِحَّةِ البَيعِ، فمِن ثَمَّ أفتى العُلماءُ بعَدَمِ صِحَّةِ بَيعِ الطَّيرِ في الهَواءِ ونَحوِه؛ لعَدَمِ القُدرةِ على التَّسليمِ، فيُعتَبَرُ العَجزُ عنِ التَّسليمِ مانِعًا مِن صِحَّةِ البَيعِ [777] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/260). .
2- الطَّهارةُ؛ فإنَّها شَرطٌ لصِحَّةِ الصَّلاةِ، وعَدَمُ الطَّهارةِ مَعَ القُدرةِ عليها يَمنَعُ مِن صِحَّةِ الصَّلاةِ [778] يُنظر: ((التعليق الكبير)) لأبي يعلى (1/340)، ((التمهيد)) للكلوذاني (4/36)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/432)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/201،200)، ((فتح العين)) للمعبري (ص:40). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
دَفعُ وَهمٍ:
التَّشابُهُ بَينَ الشَّرطِ والمانِعِ في تلك الجُزئيَّةِ ليسَ مَعناه أنَّهما سَواءٌ؛ فقد أشارَ القَرافيُّ إلى الفرقِ بَينَهما ببَيانِ أنَّ كُلَّ مَشكوكٍ فيه مُلغًى في الشَّريعةِ، فإذا شَكَكنا في السَّبَبِ لم نُرَتِّبْ عليه حُكمًا، أو في الشَّرطِ لم نُرَتِّبِ الحُكمَ أيضًا، أو في المانِعِ رَتَّبنا الحُكمَ، فلو كان عَدَمُ المانِعِ شَرطًا لاجتَمَعَ النَّقيضانِ فيما إذا شَكَكنا في طَرَيانِ المانِعِ، وبَيانُه: أنَّ القاعِدةَ أنَّ الشَّكَّ في أحَدِ النَّقيضَينِ يوجِبُ الشَّكَّ في الآخَرِ بالضَّرورةِ، فمَن شَكَّ في وُجودِ زَيدٍ في الدَّارِ فقد شَكَّ في عَدَمِه مِنَ الدَّارِ بالضَّرورةِ، فالشَّكُّ في أحَدِ النَّقيضَينِ يوجِبُ الشَّكَّ في الآخَرِ، فإذا شَكَكنا في وُجودِ المانِعِ فقد شَكَكنا في عَدَمِه بالضَّرورةِ، وعَدَمُه شَرطٌ [779] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (1/112،111). .

انظر أيضا: