الفَرعُ الأوَّلُ: مَن مَلَك التَّنجيزَ مَلكَ التَّعليقَ ومَن لا فلا
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن مَلَك التَّنجيزَ مَلكَ التَّعليقَ، ومَن لا فلا"
[589] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (3/258)، ((المنثور)) للزركشي (3/211)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 378)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 318)، ((قواعد الفقهـ)) للبركتي (ص: 130). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.التَّنجيزُ والتَّعليقُ لفظانِ مُتَقابِلانِ.
فالتَّنجيزُ: مَعناه التَّصَرُّفُ الحاليُّ الذي لا يَقبَلُ التَّأخيرَ ولا الشَّرطَ. والتَّعليقُ مَعناه رَبطُ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ وتَمامِه بأجَلٍ أو شَرَطٍ.
ويُشتَرَطُ لصِحَّةِ التَّعليقِ قيامُ المِلكِ في حالِ التَّعليقِ، بمَعنى أن يَكونَ الذي يَصدُرُ مِنه التَّعليقُ قادِرًا على التَّنجيزِ، وإلَّا فلا يَصِحُّ تَعليقُه، فمَن لا يَملِكُ ولا يَستَطيعُ تَنجيزَ التَّصَرُّفِ فهو بالأحرى لا يَملِكُ تَعليقَه بالشَّرطِ أو غَيرِه.
وللمُنَجَّزِ مَزيَّةٌ مِن عِدَّةِ أوجُهٍ؛ مِنها: قوَّةُ التَّنجيزِ على التَّعليقِ، ومِنها: أنَّ المَشروطَ هو المَقصودُ لذاتِه، والشَّرطُ تابعٌ ووسيلةٌ، ومِنها: أنَّ صِحَّةَ التَّعليقِ فرعٌ على مِلكِ التَّنجيزِ، فإذا انتَفى مِلكُه للمُنَجَّزِ انتَفى صِحَّةُ التَّعليقِ، ومِنها: أنَّ وُقوعَ المُنَجَّزِ يَتَوقَّفُ على أمرٍ واحِدٍ، وهو التَّكَلُّمُ باللَّفظِ اختيارًا، ووُقوعُ المُعَلَّقِ يَتَوقَّفُ على التَّكلُّمِ باللَّفظِ ووُجودِ الشَّرطِ، وما تَوقَّف على شَيءٍ واحِدٍ أقرَبُ وُجودًا مِمَّا تَوقَّف على أمرَينِ
[590] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/195)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (12/311)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1084). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ:
فعن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا نَذرَ لابنِ آدَمَ فيما لا يَملِكُ، ولا عِتقَ له فيما لا يَملِكُ، ولا طَلاقَ له فيما لا يَملِكُ )) [591] أخرجه من طرق أبو داود (2190)، والترمذي (1181) واللفظ له، وابن ماجه (2047) مختصرًا قال النووي في ((المجموع)) (9/262): حَسَنٌ أو صحيحٌ، وقال الترمذي والألبانيّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (1181): حَسَنٌ صحيحٌ، وحَسَّنه الخَطابيُّ في ((معالم السنن)) (3/207)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2190). .
وَجهُ الدَّلالةِ:يَدُلُّ الحَديثُ على أنَّ مَن مَلَك التَّنجيزَ مَلَك التَّعليقَ، ومَن لا يَملِكُ التَّنجيزَ لا يَملِكُ التَّعليقَ؛ لأنَّه يُشتَرَطُ لصِحَّةِ التَّعليقِ قيامُ المِلكِ في حالِ التَّعليقِ
[592] يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (12/311). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا تَمَكَّنَ الشَّخصُ مِن بَيعِ مالِه أو أرضِه أو مَتاعِه مُنجَّزًا حالًّا غَيرَ مُتَعَلِّقٍ بأجلٍ أو شَرطٍ، أمكَنَه أن يَبيعَه مُعَلَّقًا على شَرطٍ أو بأجَلٍ
[593] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1085). .
2- الصَّبيُّ لا يَملكُ تَنجيزَ التَّصَرُّفِ ولا المُعامَلةِ؛ لأنَّه مَمنوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ، فلا يَملِكُ تَعليقَه على شَرطٍ أو أجَلٍ، ومِثلُه المَحجورُ والمَجنونُ
[594] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (11/1085). .
3- إذا عَمَّمَ فقال: كُلُّ امرَأةٍ أتَزَوَّجُها طالقٌ، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ في التَّعميمِ سَدَّ بابِ النِّكاحِ على نَفسِه، فلا يَصِحُّ، ولأنَّه لا يَملِكُ التَّنجيزَ؛ لعَدَمِ المَحَلِّ، فلا يَملكُ التَّعليقَ بالمِلكِ كَما لا يَملِكُ التَّعليقَ بغَيرِه مِنَ الشُّروطِ
[595] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/232). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءاتٌ:يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ بَعضُ الصُّورِ؛ مِنها:
1- الوكيلُ بالطَّلاقِ يَملِكُ التَّنجيزَ ولا يَملكُ التَّعليقَ، إلَّا إذا عَلَّقَه، يَعني إذا وكَّله بطَلاقِ امرَأتِه يَملِكُ أن يُنجِّزَ طَلاقَها، ولا يَملِكُ أن يُعَلِّقَ طَلاقَها، فمَن مَلَكَ التَّنجيزَ مَلَكَ التَّعليقَ، إلَّا الزَّوجَ؛ فإنَّه يَقدِرُ على تَنجيزِ الطَّلاقِ والتَّوكيلِ فيه، ولا يَقدِرُ على التَّوكيلِ في التَّعليقِ إذا مَنَعنا التَّوكيلَ فيه
[596] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/211)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 378)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 318)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (4/45). .
2- الوَصيُّ يَملكُ التَّنجيزَ ولا يَملكُ التَّعليقَ، وهذا مِمَّا افتَرَقَ فيه الوصيُّ والوارِثُ؛ فالوصيُّ والوارِثُ يَشتَرِكانِ في الخِلافةِ عنِ المَيِّتِ في التَّصَرُّفِ، لكِنَّ الوارِثَ أقوى؛ لمِلكِ العَينِ، فلو أوصى بعِتقِ عَبدٍ مُعَيَّنٍ فلكُلٍّ مِنهما إعتاقُه، لكِن يَملِكُ الوارِثُ إعتاقَه تَنجيزًا وتَعليقًا وتَدبيرًا وكِتابةً، ولا يَملِكُ الوصيُّ إلَّا التَّنجيزَ
[597] يُنظر: ((غمز عيون البصائر)) للحموي (4/46). .