موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: ما صَحَّ تَعليقُه بالشَّرطِ يَنزِلُ عِندَ وُجودِ الشَّرطِ جُملةً، إذا لم يَكُنْ في لفظِه ما يَدُلُّ على التَّرتيبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "ما صَحَّ تَعليقُه بالشَّرطِ يَنزِلُ عِندَ وُجودِ الشَّرطِ جُملةً، إذا لم يَكُنْ في لفظِه ما يَدُلُّ على التَّرتيبِ" [598] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (6/127). ، وبصيغةِ: "ما صَحَّ تَعليقُه بالشَّرطِ لا يَنزِلُ إلَّا بَعدَ وُجودِ الشَّرطِ" [599] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/257)، ((البناية)) للعيني (11/371)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (9/415). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ ما صَحَّ تَعليقُه بالشَّرطِ يَتَحَقَّقُ وجودُه عِندَ وُجودِ الشَّرطِ جُملةً -أي: دَفعةً واحِدةً- إلَّا إذا كان في لفظِه ما يَدُلُّ على التَّرتيبِ، فيَقَعُ مُرَتَّبًا.
ومَعنى صِحَّةِ تَعليقِه بالشَّرطِ: أي: الشَّرطِ الذي يَصِحُّ شَرعًا تَعليقُه به، وهذا يُشيرُ إلى أنَّه إذا كان الشَّرطُ مَمنوعًا شَرعًا لا يَصِحُّ به التَّعليقُ، والتَّعليقُ: هو التِزامُ أمرٍ لم يوجَدْ ويُمكِنُ وُجودُه في المُستَقبَلِ، أو هو رَبطُ حُصولِ مَضمونِ جُملةٍ بحُصولِ مَضمونِ جُملةٍ أُخرى، سَواءٌ كان الرَّبطُ بإحدى أدَواتِ الشَّرطِ، نَحوُ: إنْ، وإذا، وإذا ما، وكُلّ، ومَتى، وكُلَّما، ومَتى ما، ولو، أو بما يَقومُ مَقامَها في إفادةِ الرَّبطِ المَذكورِ مِن نَحوِ ظَرفٍ أو حَرفِ جَرٍّ، غَيرِ لامِ التَّعليلِ، أوِ استِثناءٍ بـ "إلَّا أنْ" إذا تَقدَّمَه ما لا يَحتَمِلُ التَّأقيتَ، كالطَّلاقِ، كَما لو قال: امرَأتُه طالِقٌ إلَّا أنْ يَقدَمَ زَيدٌ مَثَلًا؛ فإنَّه يُحمَلُ على الشَّرطِ، فيَصيرُ كَأنَّه قال: إن لم يَقدَمْ زَيدٌ فامرَأتُه طالِقٌ [600] يُنظر: ((الوجيز)) (ص: 401)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) (9/146) كلاهما للبورنو، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 415)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/530). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ الآتيةِ:
1- القاعِدةُ الأُمُّ (الأصلُ أنَّ المُعَلَّقَ بالشَّرطِ عِندَ وُجودِه كالمُنجَّزِ).
2- قاعِدةُ (المَشروطُ لا يَتَوزَّعُ على أجزاءِ الشَّرطِ) فالجَزاءُ كَما يَثبُتُ باعتِبارِ الشَّرطِ جُملةً، ولا يَتَوزَّعُ على أجزائِه، فكَذا يَنزِلُ عِندَ وُجودِ الشَّرطِ جُملةً واحِدةً.
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا قال المَدينُ للدَّائِنِ: إن لم أوافِكَ بدَينِك آخِرَ الشَّهرِ فقد أحَلتُك به على فُلانٍ ثُمَّ فلانٍ. فإذا جاءَ آخِرُ الشَّهرِ ولم يُؤَدِّ الدَّينَ فله مُطالبةُ فلانٍ، فإن لم يُؤَدِّه فيُطالِبُ الآخَرَ. بخِلافِ ما لو قال: على فُلانٍ وفُلانٍ، فله مُطالبَتُهما مَعًا [601] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (9/147). .
2- إذا قال الرَّجُلُ لزَوجَتِه: أنتِ طالِقٌ ثَلاثًا إن شِئتِ، فقالت: قد شِئتُ واحِدةً وواحِدةً وواحِدةً، وقَعَ عليها ثَلاثُ تطليقاتٍ، دَخَل بها أو لم يَدخُلْ بها؛ لأنَّ تَمامَ الشَّرطِ بآخِر كَلامِها، فما لم يَتِمَّ الشَّرطُ لا يَنزِلُ الجَزاءُ؛ فلهذا وقَعَ الثَّلاثُ عِندَ تَمامِ الشَّرطِ جُملةً، سَواءٌ دَخَل بها أو لم يَدخُلْ بها، ولأنَّ الكَلامَ المَعطوفَ بَعضُه على بَعضٍ يَتَوقَّفُ أوَّلُه على آخِرِه، وبآخِرِه تَتَحَقَّقُ مِنها مَشيئةُ الثَّلاثِ، فكَأنَّها قالت: شِئتُ ثَلاثًا [602] يُنظر: ((المبسوط)) لسرخسي (6/199). .

انظر أيضا: