موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: الأصلُ أنَّ المُعَلَّقَ بالشَّرطِ عِندَ وُجودِه كالمُنجَزِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ أنَّ المُعَلَّقَ بالشَّرطِ عِندَ وُجودِه كالمُنجَزِ" [583] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (3/97)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (16/123). ، وبصيغةِ: "التَّعليقُ بالشَّرطِ المَوجودِ تَنجيزٌ" [584] يُنظر: ((فصول البدائع)) للفناري (1/279). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الشَّيءَ المُعَلَّقَ على شَرطٍ يَكونُ مَعدومًا قَبلَ ثُبوتِ شَرطِه، ويَكونُ مُتَحَقِّقًا واجِبَ التَّنفيذِ عِندَ ثُبوتِ الشَّرطِ وتَحَقُّقِه.
وبَيانُ ذلك: أنَّ التَّصَرُّفاتِ القَوليَّةَ -ومِنها العُقودُ- لها حالتانِ عامَّتانِ:
الحالُ الأولى: حالةُ الإطلاقِ: وذلك عِندَما تَصدُرُ العِبارةُ عنِ المُتَكَلِّمِ مُنجَزةً ومُطلَقةً مِن كُلِّ قَيدٍ وشَرطٍ، ففي هذه الحالةِ يُعتَبَرُ التَّصَرُّفُ أوِ العَقدُ شَرعًا، وتَتَرَتَّبُ عليه أحكامُه وآثارُه فورَ إنشائِه.
والحالُ الثَّانيةُ: حالةُ التَّقييدِ أوِ التَّعليقِ: وذلك حينَما يَصدُرُ التَّصَرُّفُ مِنَ المُتَكَلِّمِ مَربوطًا بأمرٍ يُقصَدُ به رَبطُ وُجودِ العَقدِ بوُجودِ شَيءٍ آخَرَ، أو تَقييدُ حُكمِه وآثارِه، أو تَأخيرُه مَفعولَه إلى زَمَنٍ مُستَقبَلٍ.
فما يُعَلَّقُ عليه العَقدُ وما يُقَيَّدُ به وما يُقصَدُ به تَأخيرُ سَرَيانِ مَفعولِه يُسَمَّى شَرطًا.
ومَتى عُلِّقَ أمرٌ بشَرطٍ، ثُمَّ وُجِدَ الشَّرطُ، فالمُعَلَّقُ بالشَّرطِ يَنفُذُ ويَأخُذُ حُكمَه، كَما لو كان مُنجَزًا؛ لأنَّ المُعَلَّقَ بالشَّرطِ يَجِبُ ثُبوتُه عِندَ وُجودِ الشَّرطِ [585] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 401)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 415)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/530). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (الشَّرطُ أمْلَكُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا نَذَرَ الرَّجُلُ، فجَعل للهِ عليه أن يَصومَ اليَومَ الذي يَقدَمُ فيه فلانٌ أبَدًا، فقَدِمَ فُلانٌ ليلًا، لم يَلزَمْه شَيءٌ؛ لأنَّ اليَومَ حَقيقةً لبَياضِ النَّهارِ، ولم يوجَدْ ذلك عِندَ قُدومِ فُلانٍ، ولا يُقالُ: اليَومُ بمَعنى الوقتِ؛ لأنَّ اليَومَ قد يَحتَمِلُ مَعنى الوقتِ، ولكِن إذا قَرَنَ به ما يَختَصُّ بأحَدِ الوقتَينِ -وهو بَياضُ النَّهارِ- عُلمَ أنَّه ليسَ مُرادُه الوقتَ مُطلقًا. وإن قَدِمَ فُلانٌ في يَومٍ قد أكَل فيه، فعليه أن يَصومَ ذلك اليَومَ فيما يَستَقبِلُ، ولا يَقضي هذا اليَومَ الذي أكَل فيه؛ لأنَّه أضاف النَّذرَ إلى وقتِ قُدومِ فُلانٍ، فعِندَ وُجودِ القُدومِ يَصيرُ كالمُجَدِّدِ للنَّذرِ، كَما هو الأصلُ أنَّ المُعَلَّقَ بالشَّرطِ عِندَ وُجودِه كالمُنجَزِ [586] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (3/97). .
2- لو أنَّ رَجُلًا قال: إن كانت هذه الدَّارُ في مِلكي فهيَ صَدَقةٌ مَوقوفةٌ، فإنَّه يُنظَرُ إن كانت في مِلكِه وقتَ التَّكَلُّمِ صَحَّ الوَقفُ؛ لأنَّ التَّعليقَ بشَرطٍ كائِنٍ تَنجيزٌ [587] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (2/355). .
3- لو قال شَخصٌ: إن غابَ المَدينُ أو ماتَ، ولم يَدَعْ شَيئًا، فأنا كَفيلُه، أو قال: إن قَدِمَ فأنا كَفيلُه، فإذا تَحَقَّقَ الشَّرطُ يَثبُتُ المَشروطُ [588] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/532). .

انظر أيضا: