المَطلبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: كُلُّ ما جازَ تَعليقُه بالشَّرطِ لا يَفسُدُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ: كُلُّ ما بَطَل بالشَّرطِ الفاسِدِ لا يَصِحُّ تَعليقُه به ولا عَكسَ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَت القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ ما بَطَل بالشَّرطِ الفاسِدِ لا يَصِحُّ تَعليقُه به ولا عَكسَ"
[576] يُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (5/240). ، وبصيغةِ: "ما يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ لا يَصِحُّ تَعليقُه بالشَّرطِ"
[577] يُنظر: ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 443)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/447)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/199). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَنقَسِمُ العُقودُ التي يَتَعَلَّقُ تَمامُها بالقَبولِ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ:
1- قِسمٌ يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ وجَهالةِ البَدَلِ، وهيَ مُبادَلةُ المالِ بالمالِ، كالبَيعِ والصُّلحِ عن دَعوى المالِ.
2- قِسمٌ لا يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ ولا جَهالةِ البَدَلِ، وهو مُعاوَضةُ المالِ بما ليسَ بمالٍ، كالنِّكاحِ والخُلعِ، والصُّلحِ عن دَمِ عَمدٍ.
3- قِسمٌ له شَبَهٌ بالبَيعِ والنِّكاحِ، وهو الكِتابةُ يُبطِلُها جَهالةُ البَدَلِ، ولا يُبطِلُها الشَّرطُ الفاسِدُ.
والعُقودُ التي تَبطُلُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ ولا يَصِحُّ تَعليقُها بالشَّرطِ: البَيعُ، والقِسمةُ، والإجارةُ، والإجازةُ، والرَّجعةُ، والصُّلحُ عن مالٍ، والإبراءُ عنِ الدَّينِ، وعَزلُ الوكيلِ، والاعتِكافُ، والمُزارَعةُ، والمُعامَلةُ، والإقرارُ، والوَقفُ، والتَّحكيمُ.
والأصلُ فيها أنَّ كُلَّ ما كان مُبادَلةَ مالٍ بمالٍ يَبطُلُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ، وما كان مُبادَلةَ مالٍ بغَيرِ مالٍ أو كان مِنَ التَّبَرُّعاتِ لا يَبطُلُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ؛ لأنَّ الشُّروطَ الفاسِدةَ مِن بابِ الرِّبا، وهو يَختَصُّ بالمُعاوَضةِ الماليَّةِ دونَ غَيرِها مِنَ المُعاوَضاتِ والتَّبَرُّعاتِ؛ لأنَّ الرِّبا هو الفضلُ الخالي عنِ العِوَضِ، وحَقيقةُ الشُّروطِ الفاسِدةِ هيَ زيادةُ ما لا يَقتَضيه العَقدُ ولا يُلائِمُه، فيَكونُ فيه فضلٌ خالٍ عنِ العِوَضِ، وهو الرِّبا بعَينِه. وأيضًا فإنَّ التَّعليقَ بالشَّرطِ المَحضِ لا يَجوزُ في التَّمليكاتِ؛ لأنَّه مِن بابِ القِمارِ، وهو مَنهيٌّ عنه
[578] يُنظر: ((كنز الدقائق)) للنسفي (ص: 443)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/131)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/447)، ((درر الحكام)) لملا خسرو (2/199)، ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 318)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 422). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقَواعِدِ الآتيةِ:
1- قاعِدةُ: (مَنِ استَعجَل الشَّيءَ قَبلَ أوانِه عُوقِبَ بحِرمانِهـ) وقدِ استَدَلَّ بها مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ على أنَّ نِكاحَ المُحَلِّلِ يَهدِمُ الشَّرطَ، وهو -وإن لم يَبطُلْ- إلَّا أنَّهما لمَّا قَصَدا الاستِعجالَ عوقِبا بالحِرمانِ، فلا يَثبُتُ به الحِلُّ للزَّوجِ الأوَّلِ، كَما لو قَتَل مُوَرِّثَه بغَيرِ حَقٍّ
[579] يُنظر: ((المخارج)) لمحمد بن الحسن (ص: 121). .
2- قاعِدةُ (كُلُّ شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- عَقدُ البَيعِ يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ، فلا يَصِحُّ تَعليقُه به؛ لأنَّ البَيعَ مُعاوَضةُ مالٍ بمالٍ، فيَفسُدُ بالشُّروطِ الفاسِدةِ، كَما إذا اشتَرَطَ حُضورَ كَفيلٍ في المَجلِسِ، فإذا لم يَحضُرِ الكَفيلُ في المَجلسِ صارَ اشتِراطُ كَفالتِه شَرطًا فاسِدًا، والبَيعُ يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ، وهذا لأنَّ البَيعَ لا يَجوزُ أن يَتَوقَّفَ على القَبولِ بَعدَ المَجلسِ، فكذلك لا تَتَوقَّفُ صِحَّتُه على قَبولِ الكَفالةِ المَشروطِ فيه بَعدَ المَجلِسِ
[580] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (13/4) و(20/127)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/131). .
2- الرَّجعةُ تَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ، فلا يَصِحُّ تَعليقُها به، بأن قال لمُطَلَّقَتِه الرَّجعيَّةِ: راجَعَتُك على أن تُقرِضيني كَذا، أو إن قَدِمَ زَيدٌ؛ لأنَّها استِدامةُ المِلكِ، فيَكونُ مُعتَبرًا بابتِدائِه، فكَما لا يَجوزُ تَعليقُ ابتِدائِه فكَذا لا يَجوزُ تَعليقُها أيضًا. وصورةٌ أُخرى لفسادِ الرَّجعةِ بالشَّرطِ الفاسِدِ: بأن قال راجَعتُكِ إنِ انقَضَت عِدَّتُك فإنَّها تَفسُدُ؛ لأنَّها لا تَصِحُّ إلَّا في العِدَّةِ إجماعًا
[581] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (4/132). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءٌ:يُستَثنى مِنَ البَيعِ إن كان الشَّرطُ بكَلِمةِ (إن) صورةٌ واحِدةٌ، وهيَ: أن يَقولَ: بِعتُ مِنك هذا إن رَضيَ فلانٌ به، فإنَّه يَجوزُ إذا وقَّتَه بثَلاثةِ أيَّامٍ؛ لأنَّه اشتِراطُ الخيارِ للأجنَبيِّ، وهو جائِزٌ. وإن كان الشَّرطُ بكَلمةِ (على)، فإن كان الشَّرطُ مِمَّا يَقتَضيه العَقدُ أو يُلائِمُه، أو فيه أثَرٌ، أو جَرى التَّعامُلُ به، كَما إذا شَرط تَسليمَ المَبيعِ أوِ الثَّمَنِ، أوِ التَّأجيلَ، أوِ الخيارَ، لا يَفسُدُ البَيعُ، ويَجوزُ الشَّرطُ
[582] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/131). .