المَطلبُ الأوَّلُ: المَشروطُ لا يَتَوزَّعُ على أجزاءِ الشَّرطِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المَشروطُ لا يَتَوزَّعُ على أجزاءِ الشَّرطِ"
[479] يُنظر: ((الهداية)) للمرغيناني (2/263)، ((الكافي)) للسغناقي (2/978)، ((العناية)) للبابرتي (4/226)، ((فصول البدائع)) للفناري (2/138)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/44)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/448)، ((اللباب)) للميداني (3/66). ، وبصيغةِ: "المَشروطُ لا يَنقَسِمُ على أجزاءِ الشَّرطِ"
[480] يُنظر: ((الاختيار)) للموصلي (3/159). ، وبصيغةِ: "الشَّرطُ يُقابلُ المَشروطَ جُملةً، ولا يُقابلُه جُزءًا فجُزءًا"
[481] يُنظر: ((المبسوط)) (6/174)، ((شرح السير الكبير)) (ص: 669) كلاهما للسرخسي. ، وبصيغةِ: "شَأنُ الشَّرطِ أن يَعُمَّ أجزاءَ المَشروطِ"
[482] يُنظر: ((درء القول القبيح)) للطوفي (ص: 136). . وكذلك بصيغةِ: "الأصلُ في الجُمَلِ الشَّرطيَّةِ أن لا يَتَعَدَّدَ الحُكمُ بتَعَدُّدِ الشَّرطِ"
[483] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (4/1620). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.ذَكَرَ الحَنَفيَّةُ أنَّ الأصلَ المُقَرَّرَ في الجُمَلِ الشَّرطيَّةِ أنَّ المَشروطَ لا يَتَوزَّعُ على أجزاءِ الشَّرطِ، وإنَّما يَتَوزَّعُ على الجُملةِ، بمَعنى أنَّ الحُكمَ لا يَتَعَدَّدُ بتَعَدُّدِ الشَّرطِ؛ فالمُعَلَّقُ بالشَّرطِ لا يوجَدُ إلَّا عِندَ استِكمالِ الشَّرطِ؛ لأنَّه عَلامةٌ على وُجودِ الجَزاءِ فلا يوجَدُ الجَزاءُ بدونِه، فمَدلولُ كَلمةِ الشَّرطِ بجَميعِ أجزائِه شَرطٌ واحِدٌ
[484] يُنظر: ((الكافي)) للسغناقي (4/1620)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/173)، ((فصول البدائع)) للفناري (2/138)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (2/271). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.الأصلُ أنَّ أجزاءَ الشَّرطِ لا تَتَوزَّعُ على أجزاءِ المَشروطِ؛ لأنَّ ثُبوتَ المَشروطِ مُتَوقِّفٌ على الشَّرطِ، فلا بُدَّ أن يَثبُتَ أوَّلًا ثُمَّ يَتَعَقَّبَه المَشروطُ، فلوِ انقَسَمَت أجزاءُ الشَّرطِ على أجزاءِ المَشروطِ لزِمَ تَقدُّمُ جُزءٍ مِنَ المَشروطِ على الشَّرطِ، فلا يَتَحَقَّقُ التَّعاقُبُ، وهو فاسِدٌ
[485] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/173)، ((التلويح)) للتفتازاني (1/220). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا قال الرَّجُلُ لامرَأتِه: إن دَخَلتِ هذه الدَّارَ وهذه الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ ثِنتَينِ. فدَخَلت إحداهما، لا تُطلَّقُ، ولو كان مُتَوزِّعًا على أجزاءِ الشَّرطِ لوقَعَت تطليقةٌ واحِدةٌ بمُقابَلةِ دُخولِ دارٍ واحِدةٍ مِنهما. فهنا تَعَلَّقَتِ الطَّلقَتانِ بدُخولِ الدَّارَينِ
[486] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (2/173)، ((فصول البدائع)) للفناري (1/163). .
2- إذا قال الزَّوجُ لزَوجَتَيه: إن وَلَدتُما فأنتُما طالقانِ. فوَلَدَت إحداهما: لا تُطلَّقُ حتَّى تَلدَ الأُخرى؛ لأنَّ الجَزاءَ لا يَتَوزَّعُ على أجزاءِ الشَّرطِ، بَل إنَّما يَنزِلُ عِند تَمامِ الشَّرطِ، وذلك فيما إذا وُجِدَتِ الوِلادةُ مِنهما جَميعًا
[487] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/130). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.ثَمَّةَ تَفصيلٌ ذَكَرَه بَعضُ الحَنابلةِ يَتَعَلَّقُ بمَسألةِ: إذا وجَدنا جُملةً ذاتَ أعدادٍ موزَّعةٍ على جُملةٍ أُخرى، فهَل تَتَوزَّعُ أفرادُ الجُملةِ الموزَّعةِ على أفرادِ الأُخرى، أو كُلُّ فَردٍ مِنها على مَجموعِ الجُملةِ الأولى؟ وذلك على النَّحوِ التَّالي:
1- إذا وُجِدَت جُملةٌ ذاتُ عَدَدٍ موزَّعةٌ على جُملةٍ أُخرى ذاتِ عَدَدٍ، ووُجِدَت قَرينةٌ تَدُلُّ على تَخصيصِ كُلِّ فردٍ مِن أفرادِ الجُملةِ الموزَّعِ عليها بفردٍ مِن أفرادِ الجُملةِ الموزَّعةِ- عُمِل بها، فيُقابَلُ كُلُّ فردٍ كامِلٍ بفَردٍ يُقابلُه، ولا خِلافَ في ذلك، سَواءٌ كانتِ القَرينةُ شَرعيَّةً، أم عُرفيَّةً، أم استِحالة ما سِوى هذا التَّوزيعِ.
ومِثالُ ذلك: أن يَقولَ رَجُلٌ لزَوجَتَيه: إن أكَلتُما هَذَينِ الرَّغيفينِ فأنتُما طالقتانِ. فإذا أكَلت كُلُّ واحِدةٍ مِنهما رَغيفًا، طُلِّقَتا؛ لاستِحالةِ أكلِ كُلِّ واحِدةٍ للرَّغيفَينِ؛ لامتِناعِ أن تَستَقِلَّ كُلُّ واحِدةٍ مِنهما بأكلِ الرَّغيفينِ؛ لأنَّه إذا أكَلت إحدى الزَّوجَتَينِ الرَّغيفينِ لم يُمكِنْ أن تَأكُلَهما الأُخرى، وهذه هيَ القَرينةُ على أنَّ المُرادَ أكلُ كُلِّ واحِدةٍ رَغيفًا.
وكَذا: لو أعطى رَجُلٌ لآخَرَ عِشرينَ دِرهَمًا، وقال له: أعطِها لعِشرينَ فقيرًا، فمَعلومٌ أنَّه يوزِّعُها على أفرادِ الجُملةِ الثَّانيةِ. الجُملةُ الأولى: الدَّراهمُ، والجُملةُ الثَّانيةُ: الفُقَراءُ، فيَأخُذُ كُلُّ فقيرٍ دِرهَمًا واحِدًا.
2- إذا وُجِدَت جُملةٌ ذاتُ أعدادٍ موزَّعةٌ على جُملةٍ أُخرى ذاتِ أعدادٍ، ووُجِدَت قَرينةٌ تَدُلُّ على تَوزيعِ كُلِّ فردٍ مِن أفرادِ الجُملةِ على جَميعِ أفرادِ الجُملةِ الأُخرى- عُمِل بها.
ومِثالُ ذلك: أن يَقولَ رَجُلٌ لزَوجَتَيه: إن كَلَّمتُما زَيدًا وكَلَّمتُما عَمرًا فأنتُما طالقتانِ. فلا تُطَلَّقانِ حتَّى تُكَلِّمَ كُلُّ واحِدةٍ مِنهما زَيدًا وعَمرًا؛ لأنَّ المُرادَ تَكليمُ كُلِّ زَوجةٍ لكُلِّ واحِدٍ مِن عَمرٍو وزَيدٍ؛ إذ لا يَتَحَقَّقُ ما ذُكِرَ إلَّا بذلك، فلو كَلَّمَت كُلُّ زَوجةٍ واحِدًا لم يَحصُلْ مِنها تَكليمُ الآخَرِ.
3- إذا وُجِدَت جُملةٌ ذاتُ أعدادٍ موزَّعةٌ على جُملةٍ أُخرى ذاتِ أعدادٍ، ولم يوجَدْ قَرينةٌ تُعَيِّنُ المُرادَ، ففيه قَولانِ: الأوَّلُ: أنَّه يُقابَلُ المُفرَدُ بالمُفرَدِ. والثَّاني: أنَّه يُقابَلُ المُفرَدُ بالجَمعِ.
ومِثالُ ذلك: دَلالةُ حَديثِ:
((فإنِّي أدخَلتُهما طاهرَتَينِ)) [488] لفظُه: عنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كُنتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فأهوَيتُ لأنزِعَ خُفَّيه، فقال: دَعْهما، فإنِّي أدخَلتُهما طاهرَتَينِ. فمَسَحَ عليهما)). أخرجه البخاري (206) واللَّفظُ له، ومسلم (274). ، فإذا غَسَل إحدى رِجليه وأدخَلها الخُفَّ، ثُمَّ غَسَل الأُخرى وأدخَلها الخُفَّ، فإنَّه يَجوزُ المَسحُ على القَولِ بمُقابَلةِ كُلِّ فردٍ مِنَ الجُملةِ الموزَّعةِ بفردٍ مِنَ الجُملةِ الموزَّعِ عليها.
وعلى القَولِ بمُقابَلةِ كُلِّ فردٍ مِنَ الجُملةِ الموزَّعةِ بكُلِّ فردٍ مِنَ الجُملةِ الموزَّعِ عليها لا يَجوزُ؛ لأنَّ مُقتَضى "أدخَلتُهما طاهرَتَينِ" على هذا القَولِ أن يَكونَ دُخولُ كُلِّ قدَمٍ في حالِ طَهارةِ كِلتا القدَمَينِ، وهذا غَيرُ مُتَحَقِّقٍ في حالِ إدخالِ الأولى قَبلَ غَسلِ الثَّانيةِ
[489] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/347)، ((الإنصاف)) للمرداوي (22/544)، ((بغية المقتصد)) للوائلي (12/6805)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبدالكريم اللاحم (ص: 370-374). .