موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: مَن قدَرَ على بَعضِ الشَّرطِ لزِمَه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن قَدَرَ على بَعضِ الشَّرطِ لزِمَه" [490] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/315)، ((الشرح الكبير على المقنع)) لشمس الدين ابن قدامة (2/194)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/315)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/382)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/397)، ((هداية الراغب)) لابن قائد (1/434)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/199). . ويُعَبَّرُ عنها بـ"كُلُّ مَن كان قادِرًا على بَعضِ الشَّرطِ فإنَّه يَلزَمُه" [491] يُنظر: ((أحكام التيمم)) لرائد الحازمي (ص: 131). . ومِن صيَغِها: "مَن قدَرَ على بَعضِ العِبادةِ وعَجَز عن باقيها هَل يَلزَمُه الإتيانُ بما قدَرَ عليه مِنها أم لا؟" [492] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/ 85).           .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا عَجَزَ المُكَلَّفُ عنِ الإتيانِ بالشَّرطِ كامِلًا، وقدَرَ على الإتيانِ ببَعضِه، فإنَّه يَلزَمُه فِعلُ ما قَدَرَ عليه مِنَ الشَّرطِ، كالسُّترةِ للعَورةِ، وإزالةِ النَّجاسةِ، فإنَّه يَلزَمُه سَترُ ما قدَرَ عليه مِن عَورَتِه، وإزالةُ ما قدَرَ عليه مِنَ النَّجاسةِ.
وتَلتَقي هذه القاعِدةُ في المَعنى مَعَ قاعِدةِ (المَيسورُ لا يَسقُطُ بالمَعسورِ)؛ ولذلك استَدَلَّ الفُقَهاءُ لها بنَفسِ دَليلِها مِنَ السُّنَّةِ، إلَّا أنَّها أخَصُّ مِنها؛ حَيثُ إنَّها خاصَّةٌ بالشُّروطِ [493] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/315)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/155)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/382). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالسُّنَّةِ، والإجماعِ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((دَعُوني ما تَرَكتُكُم، إنَّما هَلَكَ مَن كان قَبلَكُم بسُؤالِهم واختِلافِهم على أنبيائِهم، فإذا نَهَيتُكُم عن شَيءٍ فاجتَنِبوه، وإذا أمَرتُكُم بأمرٍ فَأْتوا مِنه ما استَطَعتُم )) [494] أخرجه البخاري (7288) واللفظ له، ومسلم (1337). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أمَرتُكُم بأمرٍ فَأْتوا مِنه ما استَطَعتُم)) فيه دَلالةٌ على أنَّ مَن قدَرَ على بَعضِ الشَّرطِ لزِمَه [495] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/315)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/315)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (1/382). .
قال ابنُ المُلقِّنِ: (هذا الحَديثُ أحَدُ قَواعِدِ الإسلامِ المُهمَّةِ، ومِمَّا أوتيَه عليه أفضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ مِن جَوامِعِ الكَلمِ الجَمَّةِ؛ فإنَّه يَدخُلُ فيه ما لا يُحصى مِنَ الأحكامِ، كَما إذا وَجَدَ بَعضَ ما يَكفيه لطَهارَتِه فإنَّه يَستَعمِلُه ويَتَيَمَّمُ للباقي) [496] ((المعين)) (ص: 181). .
2- مِنَ الإجماعِ:
وقد حُكيَ في بَعضِ فُروعِ القاعِدةِ، ومِمَّن حَكاه الخَطيبُ الشِّربينيُّ [497] قال: (لو وجَدَ المُصَلِّي بَعضَ السُّترةِ لزِمَه أن يَستَتِرَ به بلا خِلافٍ). ((مغني المحتاج)) (1/399). ، والسُّيوطيُّ [498] قال: (القادِرُ على بَعضِ الفاتِحةِ يَأتي به بلا خِلافٍ). ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 159). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا وجَدَ الجُنُبُ ما يَكفي بَعضَ بَدَنِه لزِمَه استِعمالُه، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ للباقي على أحَدِ قَوليِ الفُقَهاءِ؛ لأنَّه وَجَد مِنَ الماءِ ما يُمكِنُه استِعمالُه في بَعضِ جَسَدِه، فلزِمَه ذلك، كَما لو كان أكثَرُ بَدَنِه صحيحًا وباقيه جَريحًا، ولأنَّه قدَرَ على بَعضِ الشَّرطِ فلزِمَه [499] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/314)، ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (2/194)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (1/315). .
2- مَن كان قادِرًا على إزالةِ بَعضِ النَّجاسةِ فيَلزَمُه أن يُزيلَ مِنَ النَّجاسةِ ما قدَرَ عليه ويُصَلِّي؛ لأنَّ كُلَّ مَن كان قادِرًا على بَعضِ الشَّرطِ فإنَّه يَلزَمُه [500] يُنظر: ((الاصطلام)) للسمعاني (1/ 152)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/ 50)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (1/ 220). .

انظر أيضا: