الفرعُ الثَّاني: الشُّروطُ الفاسِدةُ تُبطِلُ العُقودَ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "الشُّروطُ الفاسِدةُ تُفسِدُ العُقودَ"
[467] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 377)، ((المطلع)) لعبد الكريم اللاحم (4/27). ، وبصيغةِ: "الشَّرطُ الفاسِدُ يَعودُ ببُطلانِ أصلِ العَقدِ"
[468] يُنظر: ((بداية المجتهد)) لابن رشد (4/158)، ((بغية المقتصد)) للوائلي (15/8974). ، وبصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ أنَّ الشُّروطَ الباطِلةَ تُؤثِّرُ على العُقودِ الصَّحيحةِ"
[469] يُنظر: ((فقه الهندسة المالية)) لمرضي العنزي (ص: 105). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.تَنقَسِمُ الشُّروطُ الفاسِدةُ إلى ثَلاثةِ أقسامٍ:
القِسمُ الأوَّلُ: ما يُنافي مُقتَضى العَقدِ، مِثلُ أن يشتَرطَ ألَّا يَبيعَ إلَّا برَأسِ المالِ أو أقَلَّ، أو لا يَبيع إلَّا مِمَّنِ اشتَرى مِنه، فهذه شُروطٌ فاسِدةٌ؛ لأنَّها تُفَوِّتُ المَقصودَ مِنَ العَقدِ.
القِسمُ الثَّاني: ما يَعودُ بجَهالةِ الرِّبحِ، مِثلُ أن يَشتَرِطَ للمُضارِبِ جُزءًا مِنَ الرِّبحِ مَجهولًا، أو رِبحَ إحدى السَّفْرَتَينِ، أو ما يربَحُ في هذا الشَّهرِ، فهذه شُروطٌ فاسِدةٌ؛ لأنَّها تُفضي إلى جَهلِ حَقِّ كُلِّ واحِدٍ مِنهما مِنَ الرِّبحِ، أو إلى فواتِه بالكُلِّيَّةِ، ومِن شَرطِ المُضارَبةِ كَونُ الرِّبحِ مَعلومًا.
القِسمُ الثَّالثُ: اشتِراطُ ما ليسَ مِن مَصلحةِ العَقدِ ولا مُقتَضاه، مِثلُ أن يشتَرِطَ على المُضارِبِ المُضارَبةَ له في مالٍ آخَرَ، أو يَأخُذَه بضاعةً أو قَرضًا، أو أن يَخدُمَه في شَيءٍ بعَينِه، أو يَرتَفِقَ ببَعضِ السِّلعِ، مِثلُ رُكوبِ السَّيَّارةِ. فهذه كُلُّها شُروطٌ فاسِدةٌ.
والعُقودُ يَنبَغي أن تَحصُلَ بها مُقتَضَياتُها بالشَّرعِ، فيُعتَبَرُ تَغييرُها تَغييرًا لِما أوجَبَه الشَّرعُ. فالعُقودُ مَشروعةٌ على وَجهٍ، واشتِراطُ ما يُخالفُ مُقتَضاها تَغييرٌ للمَشروعِ
[470] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/179)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/131)، ((المطلع)) لعبد الكريم اللاحم (4/27)، ((وبل الغمامة)) لعبد الله الطيار (4/183)، ((شركات العقد)) لصالح البقمي (ص: 151)، ((فقه الهندسة المالية)) لمرضي العنزي (ص: 105). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ فهو باطِلٌ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّه إذا بَطَل الشَّرطُ المُخالِفُ لمَقصودِ العَقدِ فإنَّه يُؤَدِّي إلى بُطلانِ العَقدِ المُعَلَّقِ عليه؛ إذِ المَبنيُّ على الباطِلِ باطِلٌ.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمّ: (كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ فهو باطِلٌ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ؛ مِنها:
1- إذا باعَ شَيئًا، وشَرَط على المُشتَري أن يَتَصَدَّقَ بالمَبيعِ، أوِ اشتَرَطَ عليه أن لا يَبيعَه، فالبَيعُ باطِلٌ
[471] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (7/449). .
2- مَن باعَ دارًا بشَرطِ أن يَسكُنَها مُدَّةً، أو ثَوبًا بشَرطِ أن يَخيطَه له، بَطَل البَيعُ
[472] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/23)، ((الاعتناء)) للبكري (ص: 445). .
3- إذا اشتَرَطَ ألَّا يُسَلِّمَ الرَّهنَ إليه، أو ألَّا يُباعَ الرَّهنُ عِندَ حُلولِ الدَّينِ، أو شَرَطَ ألَّا يَقبِضَه المُرتَهِنُ، أو شَرَط ألَّا يوفِّيَ الدَّينَ مِن ثَمَنِ الرَّهنِ؛ فهذه شُروطٌ فاسِدةٌ تُخالفُ مُقتَضى العَقدِ
[473] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (6/2838)، ((وبل الغمامة)) لعبد الله الطيار (4/183). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.فائِدةٌ:يَختَلِفُ أثَرُ الشَّرطِ الفاسِدِ على العُقودِ بحَسَبِ نَوعِ العَقدِ. والقاعِدةُ المُقَرَّرةُ في ذلك هيَ: أنَّ الشَّرطَ الفاسِدَ في عُقودِ المُعاوَضاتِ الماليَّةِ يُفسِدُها، وفي غَيرِها لا يُؤَثِّرُ عليها.
فالشَّرطُ الفاسِدُ في المُعاوَضاتِ الماليَّةِ -كالبَيعِ والإجارةِ والقِسمةِ والمُزارَعةِ والمُساقاةِ والصُّلحِ عنِ المالِ- يُفسِدُها؛ لأنَّ الشَّرطَ الفاسِدَ يَتَنافى مَعَ مَبدَأِ التَّعادُلِ الذي تَقومُ عليه المُبادَلاتُ الماليَّةُ.
وأمَّا العُقودُ الأُخرى غَيرُ المُبادَلاتِ الماليَّةِ؛ كالتَّبَرُّعاتِ (هبةٌ أو إعارةٌ)، والتَّوثيقاتِ (كَفالةٌ أو حَوالةٌ أو رَهنٌ)، والزَّواجِ والطَّلاقِ، والإطلاقاتِ، كالوَكالةِ- فلا يُؤَثِّرُ عليها الشَّرطُ الفاسِدُ، ويَبقى العَقدُ صحيحًا، ويَصيرُ الشَّرطُ لاغيًا لا أثَرَ له، كالحُكمِ بصِحَّةِ الهبةِ وبُطلانِ شَرطِ التأقيتِ مَثَلًا.