موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ فهو باطِلٌ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ فهو باطِلٌ" [448] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/115). ، وبصيغةِ: "كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ موجِبَ العَقدِ مُفسِدٌ للعَقدِ" [449] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (16/36). ، وبصيغةِ: "كُلُّ شَرطٍ يُخالفُ مُقتَضى العَقدِ باطِلٌ" [450] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/156)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/99). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الشَّرطُ الذي يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ يعودُ على أصلِ العَقدِ بالبُطلانِ، كَما لوِ اشتَرَطَتِ الزَّوجةُ على زَوجِها ألَّا يَستَمتِعَ بها، فإنَّ هذا الشَّرطَ يُخالفُ مَقصودَ العَقدِ؛ لأنَّه يُخالفُ السَّبَبَ الذي مِن أجلِه تَعاقدَ المُتَعاقِدانِ. فالعَقدُ إذا كان له مَقصودٌ يُرادُ في جَميعِ صورِه وشَرطَ فيه ما يُنافي ذلك المَقصودَ، فقد جَمَعَ بَينَ المُتَناقِضَينِ بَينَ إثباتِ المَقصودِ ونَفيِه، فلا يَحصُلُ شَيءٌ. ويَكونُ العَقدُ لَغوًا. وكذلك إذا كان مُنافيًا لمَقصودِ الشَّارِعِ كان مُخالفًا للهِ ورَسولِه. فأمَّا إذا لم يَشتَمِلْ على واحِدٍ مِنهما فلم يَكُنْ لَغوًا ولا اشتَمَل على ما حَرَّمَه اللهُ ورَسولُه، فلا وَجهَ لتَحريمِه بَل الواجِبُ حَلُّه [451] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/171)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/138، 156)، ((وبل الغمامة)) لعبدالله الطيار (6/162)، ((موسوعة الإجماع)) لمجموعة مؤلفين (2/375). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والقَواعِدِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن نَقَله: ابنُ عَبدِ البَرِّ [452] قال: (مِنَ الأُصولِ المُجتَمَعِ عليها عِندَ الفُقَهاءِ أنَّه لا يَجوزُ أن يُشتَرَطَ على البائِعِ في عَقدِ الصَّفقةِ مَنعُه مِنَ التَّصَرُّفِ في ثَمَنِ ما باعَه، ولا على المُبتاعِ مِثلُ ذلك فيما ابتاعَهـ). ((الاستذكار)) (6/485). ، وابنُ تَيميَّةَ [453] قال: (فإنَّ العَقدَ إذا كان له مَقصودٌ يُرادُ في جَميعِ صورِه، وشُرِط فيه ما يُنافي ذلك المَقصودَ، فقد جَمَعَ بَينَ المُتَناقِضَينِ؛ بَينَ إثباتِ المَقصودِ ونَفيِه، فلا يَحصُلُ شَيءٌ. ومِثلُ هذا الشَّرطِ باطِلٌ بالاتِّفاقِ). ((مجموع الفتاوى)) (29/156). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ: (كُلُّ شَرطٍ ليسَ في كِتابِ اللهِ فهو باطِلٌ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا تَزَوَّجَ بشَرطِ الخيارِ بطَلَ العَقدُ؛ لأنَّه عَقدٌ يُبطِلُه التَّوقيتُ، فبَطَل بالخيارِ الباطِلِ كالبَيعِ [454] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/447). .
2- إن أخَلَّ الشَّرطُ بمَقصودِ النِّكاحِ الأصليِّ -كَأن شَرَطَت الزَّوجةُ أن لا يَطَأَها الزَّوجُ أصلًا، أو ألَّا يَطَأَها إلَّا مَرَّةً واحِدةً مَثَلًا في السَّنةِ، أو أن يُطَلِّقَها ولو بَعدَ الوَطءِ- بَطَل النِّكاحُ؛ لأنَّه يُنافي مَقصودَ العَقدِ، فأبطَلَه. وكذلك إذا شَرَطَتِ المَرأةُ أن لا يَطَأَها الزَّوجُ فقد شَرَطَت مَنعَ الزَّوجِ مِن حَقِّه، وذلك يُنافي مَقصودَ العَقدِ، فبَطَل [455] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/447)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (4/377). .
3- إذا قال البائِعُ للمُشتَري: أبيعُك هذا المَتاعَ بشَرطِ ألَّا تَهَبَه لأحَدٍ، أو ألَّا تَتَصَدَّقَ به على أحَدٍ: فلا يَصِحُّ؛ لأنَّ هذا ليسَ فيه مَصلحةٌ للبائِعِ، وإنَّما هو مُجَرَّدُ تَحجيرٍ على المُشتَري، فلا يَصِحُّ؛ لأنَّه يُخالِفُ مُقتَضى العَقدِ [456] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/245). .

انظر أيضا: