موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: يبقى الاستِحقاقُ ببَقاءِ السَّبَبِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "يبقى الاستِحقاقُ ببَقاءِ السَّبَبِ" [299] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/204). . و"بَقاءُ الحُكمِ لا يَكونُ إلَّا ببَقاءِ السَّبَبِ الموجِبِ له" [300] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/ 191)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 1067). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
مَن ثَبَتَ له حَقٌّ مِنَ الحُقوقِ بسَبَبٍ مِنَ الأسبابِ فإنَّ هذا الحَقَّ يَظَلُّ ثابتًا له ما دامَ السَّبَبُ الذي ثَبَتَ به الحَقُّ قائِمًا، ولا يَصِحُّ أن يُمنَعَ مِنَ الحَقِّ الثَّابتِ له مَعَ بَقاءِ السَّبَبِ الذي ثَبَتَ به، وإنَّما يُرفعُ الحَقُّ إذا رُفِعَ السَّبَبُ [301] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (5/204)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/218)، ((فتح القدير)) لابن الهمام (6/84). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ السَّبَبَ يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودُ الحُكمِ، وإلَّا لم يَكُنْ سَبَبًا، ولا يَتَخَلَّفُ الحُكمُ عنِ السَّبَبِ إلَّا لمانِعٍ، فإذا لم يوجَدِ المانِعُ وُجِدَ الحُكمُ، ويَبقى الحُكمُ ما بَقيَ السَّبَبُ [302] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 81)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/433). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- أنَّ الزَّوجَينِ يَستَحِقَّانِ الإرثَ بالزَّوجيَّةِ، ويَبقى هذا الاستِحقاقُ ما بَقيَ السَّبَبُ -وهو الزَّوجيَّةُ- قائِمًا، فإذا ارتَفعَ السَّبَبُ بالطَّلاقِ البائِنِ مَثَلًا ارتَفعَ مَعَه الاستِحقاقُ، فلا حَقَّ لأحَدِهما في الميراثِ [303] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (9/11)، ((المبسوط)) للسرخسي (5/203)، ((المنور في راجح المحرر)) للأدمي (ص: 318)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/556)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (7/193)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/485)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (8/222). .
2- المَرأةُ إذا طَلَّقَها زَوجُها طَلاقًا رَجعيًّا فإنَّ النَّفقةَ واجِبةٌ لها حتَّى تَنقَضيَ العِدَّةُ بالقُرءِ أوِ الشُّهورِ عِندَ الإياسِ، أو وَضعِ الحَملِ؛ لأنَّ سَبَبَ الاستِحقاقِ قائِمٌ، فيَبقى الاستِحقاقُ ببَقاءِ السَّبَبِ، طالتِ المُدَّةُ أو قَصُرَت [304] يُنظر: ((التبصرة)) للخمي (5/2278)، ((المهذب)) للشيرازي (3/156)، ((المبسوط)) للسرخسي (5/204)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (3/218) و (4/18)، ((الكافي)) لابن قدامة (3/229). .
3- الشُّفعةُ [305] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). تَثبُتُ عِندَ الحَنَفيَّةِ للجارِ المُلاصِقِ أيضًا، كَما تَثبُتُ للشَّريكِ، فلو كان الشَّفيعُ شَريكًا وجارًا فباع نَصيبَه الذي يَشفَعُ به كان له أن يَطلُبَ الشُّفعةَ بالجِوارِ؛ لأنَّه إن بَطَل أحَدُ السَّبَبَينِ -وهو الشَّرِكةُ- فقد بَقيَ الآخَرُ -وهو الجِوارُ- ولهذا استَحَقَّ به ابتِداءً، فلأن يَبقى به الاستِحقاقُ أَولى، فيَظَلُّ الاستِحقاقُ قائِمًا له ما بَقيَ السَّبَبُ الآخَرُ، وهو الجِوارُ [306] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/348)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/21). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ
فائِدةٌ:
قد يَبقى السَّبَبُ قائِمًا ويَسقُطُ الاستِحقاقُ؛ لانعِدامِ شَرطٍ مِن شَرائِطِ الاستِحقاقِ، أو حُصولِ مانِعٍ، وذلك مِثلُ حِرمانِ القاتِلِ مِنَ الميراثِ إذا قَتَل مُوَرِّثَه، فصِلةُ القَرابةِ التي توجِبُ استِحقاقَ الميراثِ قائِمةٌ، لكِن مَنَع مِن حُصولِها مانِعُ قَتلِه، وكَما لو حَصَلتِ الفُرقةُ بَينَ زَوجَينِ بسَبَبِ ارتِدادِ الزَّوجةِ ثُمَّ أسلَمَت في العِدَّةِ، فإنَّها لا تَستَحِقُّ النَّفَقةَ وإن كانتِ العِدَّةُ قائِمةً؛ وذلك لانعِدامِ شَرطٍ مِن شَرائِطِ الاستِحقاقِ، وهو أن لا تَكونَ الفُرقةُ مِن جِهَتِها بفِعل مَحظورٍ؛ لأنَّ النَّفَقةَ عليها صِلةٌ لها، فإذا وقَعَتِ الفُرقةُ بفِعلِها الذي هو مَعصيةٌ لم تَستَحِقَّ الصِّلةَ؛ إذِ الجاني لا يَستَحِقُّ الصِّلةَ، بَل يَستَحِقُّ الزَّجرَ [307] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (4/17). .

انظر أيضا: