الفَرعُ الأوَّلُ: الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ الصِّحَّةُ"
[185] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/253)، ((القواعد)) لابن رجب (3/136-137). ، ويُعَبَّرُ عنها أيضًا بصيغةِ: "القَولُ قَولُ مُدَّعي صِحَّةِ العَقدِ دونَ فسادِه"
[186] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/253). ، ويُعَبَّرُ عنها كذلك بصيغةِ: "مُطلَقُ العُقودِ الشَّرعيَّةِ مَحمولةٌ على الصِّحَّةِ"
[187] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/ 72). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. الظَّاهرُ في المُسلمِ أنَّه يَلتَزِمُ بأحكامِ الشَّرعِ، فإذا صَدَرَت مِنه مُعامَلةٌ فإنَّها تُحمَلُ على الصِّحَّةِ لأجلِ ذلك، فالعُقودُ التي يَعقِدُها المُسلِمونَ إذا دارَت بَينَ الصِّحَّةِ والفسادِ، أوِ احتَمَلتِ الصِّحَّةَ والفسادَ، فإنَّها تُحمَلُ على الصِّحَّةِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ جَرَيانُ العُقودِ بَينَ المُسلمينَ على قانونِ الشَّرعِ، وهذه القاعِدةُ أخَصُّ مِن قاعِدةِ (الأصلُ في أقوالِ المُسلمينَ وأعمالِهمُ الصِّحَّةُ)
[188] يُنظر: ((رسالة في أصول الفقهـ)) للكرخي مطبوع مع ((تأسيس النظر)) للدبوسي (ص: 163،162)، ((الفروق)) للكرابيسي (2/106)، ((الفروق)) للقرافي (2/195)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/274)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 67). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدة (الأصلُ في أقوالِ المُسلمينَ وأعمالِهمُ الصِّحَّةُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو زَوَّجَ رَجُلٌ ابنَتَه، ثُمَّ قال: كُنتُ مَجنونًا أو مَحجورًا عليَّ يَومَ زَوَّجتُها، وأنكَرَ الزَّوجُ ذلك، ولم يُعهَدْ للأبِ ما يَدَّعيه، ولا بَيِّنةَ له- فالقَولُ قَولُ الزَّوجِ مَعَ يَمينِه؛ لاتِّفاقِهما على جَرَيانِ العَقدِ، ولأنَّ الظَّاهرَ جَرَيانُ النِّكاحِ على الصِّحَّةِ، والغالِبُ في العُقودِ أنَّها على الصِّحَّةِ
[189] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (8/223)، ((النجم الوهاج)) للدميري (10/577)، ((المنثور)) للزركشي (1/155). .
2- لوِ اختَلف اثنانِ في شَرطٍ يُفسِدُ العَقدَ، فقال: بِعتُك بخَمرٍ، أو خيارٍ مَجهولٍ، فقال: بِعتَني بنَقدٍ مَعلومٍ أو خيارٍ مَعلومٍ لثَلاثةِ أيَّامٍ، فالقَولُ قَولُ مَن يَدَّعي الصِّحَّةَ مَعَ يَمينِه
[190] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (5/9)، ((المجموع)) للنووي (13/81)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/311)، ((المنثور)) للزركشي (1/154)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/111)، ((القواعد)) للحصني (1/288)، ((عدة الفروق)) للونشريسي (ص: 438)، ((غمز عيون البصائر)) للحموي (2/115). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. تَنبيهٌ: أفادَتِ القاعِدةُ أنَّ الأصلَ في عُقودِ المُسلمينَ وُقوعُها على وجهٍ شَرعيٍّ، فتُحمَلُ على الصِّحَّةِ، لكِنَّ هذه القاعِدةَ مُقَيَّدةٌ -كَما هو الحالُ في القاعِدةِ الأُمِّ- بعَدَمِ غَلبةِ الفسادِ وشُيوعِه في التَّعامُلاتِ بَينَ النَّاسِ.
قال الخَرَشيُّ: (إذا اختَلفا في صِحَّةِ العَقدِ وفَسادِه فإنَّ القَولَ قَولُ مُدَّعي الصِّحَّةِ، إلَّا أن يَغلبَ الفسادُ، كَمُدَّعى أحَدِهما فسادَ الصَّرفِ أوِ المغارَسةِ، وادَّعى الآخَرُ الصِّحَّةَ، فالقَولُ قَولُ مُدَّعي الفسادِ؛ تَرجيحًا للغالِبِ)
[191] ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/ 200). .
وقال أبو الحَسَنِ التُّسوليُّ: (فإذا غَلَبَ في بَلدٍ أو وقتٍ وُقوعُه على الفسادِ باختِلالِ شَرطٍ أو رُكنٍ -كَشَرطِ النَّقدِ فيه، أو عَدَمِ عِلمِ عِوَضِه، أو ضَربِ الأجَلِ لعَمَلِه- فإنَّه يَتَرَجَّحُ قَولُ مُدَّعيه، وهَكَذا، وقد غَلبَ في هذا الأوانِ وقَبْلَه بزَمانٍ أنَّ الجُعلَ والمُزارَعةَ والمغارَسةَ والشَّرِكةَ والرَّهنَ والثُّنيا وبَيعَ الثِّمارِ لا يَقَعُ إلَّا على الوَجهِ الفاسِدِ)
[192] ((البهجة في شرح التحفة)) (2/ 150). ويُنظر: ((الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام)) لميارة (2/ 7). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش