موسوعة القواعد الفقهية

المَطلبُ الأوَّلُ: قاعِدةُ الحُكمُ الثَّابتُ بالنَّصِّ لا يَجوزُ إثباتُه فيما ليسَ في مَعنى المَنصوصِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الحُكمُ الثَّابتُ بالنَّصِّ لا يَجوزُ إثباتُه فيما ليسَ في مَعنى المَنصوصِ" [132] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/79). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَثبُتُ بَعضُ الأحكامِ بالنَّصِّ مِنَ الكِتابِ أوِ السُّنَّةِ، وقد تَكونُ مَعقولةَ المَعنى، أي: تُدرَكُ العِلَّةُ التي مِن أجلِها شُرِعَ الحُكمُ، وقد تَكونُ غَيرَ مَعقولةِ المَعنى، فإذا ثَبَتَ الحُكمُ بالنَّصِّ وكان مَعقولَ المَعنى -سَواءٌ نَصَّتِ الأدِلَّةُ على المَعنى الذي مِن أجلِه شُرِعَ الحُكمُ، أوِ استَنبَطَه العُلماءُ- فإنَّه يَجوزُ إثباتُ هذا الحُكمِ في غَيرِ المَنصوصِ عليه إذا تَوافرَ فيه المَعنى الذي مِن أجلِه شُرِعَ الحُكمُ، خِلافًا للظَّاهريَّةِ، أمَّا إذا لم يوجَدِ المَعنى الذي مِن أجلِه شُرِعَ الحُكمُ في غَيرِ المَنصوصِ عليه فلا يَجوزُ إعطاؤه مِثلَ حُكمِ المَنصوصِ، فلو عُدِّيَ الحُكمُ إليه لكان تَعديةً بدونِ دَليلٍ [133] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/79)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/600)، ((أسنى المطالب)) (3/181)، ((الغرر البهية)) (4/166) كلاهما لزكريا الأنصاري، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/430)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (3/203). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ القياسَ إنَّما هو تَعديةُ حُكمِ الأصلِ إلى الفرعِ بواسِطةِ عِلَّةِ الأصلِ، فإذا لم تَكُنْ عِلَّةُ الفَرعِ مُشارِكةً لعِلَّةِ الأصلِ في صِفةِ عُمومِها ولا خُصوصِها، فلا يُمكِنُ تَعديةُ حُكمِ الأصلِ إلى الفَرعِ [134] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (3/248)، ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (3/84). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لو دَلَّ مُحرِمٌ مُحرِمًا أو حَلالًا على صَيدٍ فقَتَله المَدلولُ، فعلى الدَّالِّ الجَزاءُ استِحسانًا عِندَ الحَنَفيَّةِ، وفي القياسِ: لا جَزاءَ على الدَّالِّ، وبه أخذ المالكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ؛ لأنَّ الجَزاءَ واجِبٌ بقَتلِ الصَّيدِ بالنَّصِّ، قال اللهُ تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: 95] ، والدَّلالةُ ليسَت في مَعنى القَتلِ؛ لأنَّ القَتلَ فِعلٌ مُتَّصِلٌ مِنَ القاتِلِ بالمَقتولِ، والحُكمُ الثَّابتُ بالنَّصِّ لا يَجوزُ إثباتُه فيما ليسَ في مَعنى المَنصوصِ [135] يُنظر: ((الكافي)) لابن عبد البر (1/391)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/79)، ((البيان)) للعمراني (4/178). وعِندَ الحَنابلةِ: لو دَلَّ المُحرِمُ حَلالًا فالجَزاءُ كُلُّه على المُحرِمِ، ولو دَلَّ مُحرِمٌ مُحرِمًا فالجَزاءُ بَينَهما مَعًا، ولو دَلَّ الحَلالُ مُحرِمًا فلا شَيءَ عليه إلَّا أن يَكونَ في الحَرَمِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/289،288). .
2- عَقدُ البَيعِ وقتَ صَلاةِ الجُمُعةِ جاءَ النَّهيُ عنه؛ لقَولِ اللهِ تعالى: وَذَرُوا الْبَيْعَ، أمَّا عَقدُ النِّكاحِ في وقتِ صَلاةِ الجُمُعةِ فقيل بصِحَّتِه؛ لأنَّه غَيرُ مَنصوصٍ عليه، وليسَ في مَعنى المَنصوصِ عليه؛ لأنَّه لا يَكثُرُ، فلا تُؤَدِّي إباحَتُه إلى تَركِ الجُمُعةِ، بخِلافِ البَيعِ [136] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/ 25). .

انظر أيضا: