موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: الأحكامُ تَتبَعُ الأسبابَ الجَليَّةَ دونَ المَعاني الخَفيَّةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأحكامُ تَتبَعُ الأسبابَ الجَليَّةَ دونَ المَعاني الخَفيَّةِ" [126] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 212)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/275). ، و"لا تُعتَبَرُ التُّهمةُ في الأحكامِ" [127] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص212)، ((القواعد الفقهية ودورها في إقامة مقاصد الشريعة الإسلامية)) للبدري مصطفى (ص: 391). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
رَبَطَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ الأحكامَ بأسبابِها الظَّاهرةِ؛ فمِلكُ السِّلعةِ يَحصُلُ بالبَيعِ أو بالإقرارِ، ومِلكُ المَنفعةِ بالإجارةِ، والانتِفاعُ بالبُضعِ يَكونُ بالنِّكاحِ، وغَيرُ ذلك مِن أسبابٍ تَحصُلُ بها الأشياءُ، فإذا وُجِدَ فِعلٌ مِنَ الأفعالِ ووافقَ في ظاهرِه الشَّرعَ ترَتَّب عليه حُكمُه، وحُكِم بصِحَّتِه عِندَ الشَّافِعيَّةِ، ولا يُعتَدُّ باحتِمالِ التُّهمةِ في ذلك، وخالف الحَنَفيَّةُ؛ فكُلُّ فِعلٍ تَمَكَّنَتِ التُّهمةُ فيه عِندَهم حُكِمَ بفَسادِه؛ لتَعارُضِ دَليلِ الصِّحَّةِ والفَسادِ [128] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 212)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/275)، ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) لوهبة الزحيلي (8/6119). .
وهذه القاعِدةُ أخَصُّ مِنَ القاعِدةِ السَّابقةِ "الأحكامُ لا تُبنى على ما لا طَريقَ لنا إلى مَعرِفتِه".
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ السَّبَبَ يَلزَمُ مِن وُجودِه وُجودُ الحُكمِ، وإلَّا لم يَكُنْ سَبَبًا، ولا يَتَخَلَّفُ الحُكمُ عنِ السَّبَبِ إلَّا لمانِعٍ، فإذا لم يوجَدِ المانِعُ وُجِدَ الحُكمُ [129] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 81)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/433). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إذا أقَرَّ رَجُلٌ بدَينٍ في حالِ الصِّحَّةِ وبآخَرَ في حالِ المَرَضِ، تَساوى الغَريمانِ في الأخذِ مِنَ التَّرِكةِ؛ لأنَّ الإقرارَ مَشروعٌ في حالتَيِ الصِّحَّةِ والمَرَضِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ والحَنابلةِ، وأبطَل أبو حَنيفةَ في أحَدِ قَولَيه إقرارَ المَريضِ؛ مُحتَجًّا بتَعَلُّقِ غُرَماءِ الصِّحَّةِ بعَينِ المالِ، وقال في القَولِ الآخَرِ: يَصِحُّ الإقرارانِ، لكِن يُقدَّمُ غُرَماءُ الصِّحَّةِ؛ لأنَّه أقوى [130] يُنظر: ((اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى)) لأبي يوسف (ص: 62)، ((الأم)) للشافعي (7/127)، ((الإقناع)) لابن المنذر (2/719)، ((النوادر والزيادات)) لابن أبي زيد القيرواني (9/257)، ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/405)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 212)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/275). .
2- لو أقَرَّ المَريضُ لوارِثِه بمالٍ فإقرارُه صحيحٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ خِلافًا للحَنَفيَّةِ، فلا يَصحُّ عِندَهم؛ لأنَّه مُتَّهَمٌ فيه مِن حَيثُ إنَّه رُبَّما أرادَ تَخصيصَ الوارِثِ بمالٍ، فعَدل إلى صيغةِ الإقرارِ، وفَصَّل المالكيَّةُ فقالوا: يَصِحُّ الإقرارُ في مَرَضِ المَوتِ للوارِثِ بالدَّينِ إن لم يُتَّهَمْ، كَأن يُقِرَّ لابنِ عَمِّه مَثَلًا وكان وارِثًا، وإنِ اتُّهِمَ بأن أقَرَّ لابنَتِه مَثَلًا فلا يَصِحُّ [131] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (7/70)، ((الوسيط)) للغزالي (7/354)، ((طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف)) للأسمندي (ص: 411)، ((عمدة الفقهـ)) لابن قدامة (ص: 154)، ((الذخيرة)) للقرافي (7/154)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 213)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/275)، ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (13/90). .

انظر أيضا: