موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الكُلِّيَّةُ.


المُرادُ بشَرطِ "الكُلِّيَّةِ" أن يَشتَرِكَ في مَفهومِها كَثيرٌ مِنَ الفُروعِ الفِقهيَّةِ المَوجودةِ بالفِعلِ أو بالقوةِ، وبِهذا يَندَرِجُ تَحتَها ما يَصلُحُ لأن يَكونَ مِن أفرادِها في المُستَقبَلِ [42] مِنَ الأفرادِ التي وقَعَت ولَم تَكُنْ مَوجودةً للفُقَهاءِ قديمًا، ومِن ثَمَّ لم يَكُنْ عِندَهم تَصَوُّرٌ عَن وُقوعِ الضَّرَرِ، مِنها مَواقِعُ التَّواصُلِ الِاجتِماعيِّ، وأدَواتُ الِاتِّصالِ التِّقنيَّةُ، فإذا ذَكَرَ قاعِدةَ "الضَّرَرُ يُزالُ" فإنَّه يَقصِدُ الفُروعَ المُندَرِجةَ تَحتَها في عَصرِه وما يَجِدُّ بَعدَه، فتَشمَلُ الضَّرَرَ الحاصِلَ بالأدَواتِ التِّقنيَّةِ الحَديثةِ. يُنظر: ((قواعد الفقه الكلية)) لعلام (ص: 78). ، ولا يَقدَحُ في "كُلِّيَّةِ القاعِدةِ" تَخَلُّفُ بَعضِ الجُزئيَّاتِ؛ فإنَّ تَخَلُّفَ مَسألةٍ ما عَن حُكمِ قاعِدةٍ ما يَلزَمُ مِنه اندِراجُ هذه المَسألةِ تَحتَ حُكمِ قاعِدةٍ أُخرى، فالمَسألةُ المُخَرَّجةُ تَندَرِجُ ظاهرًا تَحتَ حُكمِ قاعِدةٍ، ولَكِنَّها في الحَقيقةِ مُندَرِجةٌ تَحتَ حُكمِ قاعِدةٍ أُخرى، وهذا مِن بابِ تَنازُعِ المَسألةِ بَينَ قاعِدَتَينِ. فلَيسَ إذًا استِثناءُ جُزئيَّةٍ مِن قاعِدةٍ ما بقادِحٍ في كُلِّيَّةِ هذه القاعِدةِ ولا بمُخرِجٍ لتلك الجُزئيَّةِ عَنِ الاندِراجِ تَحتَ قاعِدةٍ أُخرى [43] يُنظر: ((الوجيز)) للبورنو (ص: 18)، ((قواعد الفقه الكلية)) لعلام (ص: 78). .
قال الشَّاطِبيُّ: (الأمرُ الكُلِّيُّ إذا ثَبَتَ كُلِّيًّا، فتَخَلُّفُ بَعضِ الجُزئيَّاتِ عَن مُقتَضى الكُلِّيِّ لا يُخرِجُه عَن كَونِه كُلِّيًّا، وأيضًا فإنَّ الغالِبَ الأكثَريَّ مُعتَبَرٌ في الشَّريعةِ اعتِبارَ العامِّ القَطعيِّ؛ لأنَّ المُتَخَلِّفاتِ الجُزئيَّةَ لا يَنتَظِمُ مِنها كُلِّيٌّ يُعارِضُ هذا الكُلِّيَّ الثَّابِتَ) [44] ((الموافقات)) (2/ 83- 84). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (شَأنُ الشَّرائِعِ الكُلِّيَّةِ أن تُراعيَ الأُمورَ العامَّةَ المُنضَبِطةَ، ولا يَنقُضُها تَخَلُّفُ الحِكمةِ في أفرادِ الصُّورِ) [45] ((إعلام الموقعين)) (2/ 388). .

انظر أيضا: