موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الثَّالِثُ: الجَهلُ بالمُماثَلةِ كَحَقيقةِ المُفاضَلةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الجَهلُ بالمُماثَلةِ كَحَقيقةِ المُفاضَلةِ" [5865] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 159)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/118). ، وصيغةِ: "الجَهلُ حالَ العَقدِ بالمُماثَلةِ كَحَقيقةِ المُفاضَلةِ" [5866] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (4/79). ، وصيغةِ: "ما جُهلَت حَقيقةُ المُماثَلةِ فيه لَم يُؤمَنْ فيه التَّفاضُلُ" [5867] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (8/ 404). ، وصيغةِ: "إذا عَدِمنا حَقيقةَ المُماثَلةِ لَم نَأمَنِ التَّفاضُلَ" [5868] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (2/ 264). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ الجَهلَ بالمُماثَلةِ -أي: عَدَمَ العِلمِ بأنَّ الشَّيئَينِ أوِ الطَّرَفَينِ مُتَساويانِ تَمامًا- يُعامَلُ مُعامَلةَ وُجودِ التَّفاضُلِ، أيِ: التَّفاوُتِ بَينَهما في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، بمَعنى أنَّه إذا كان هناكَ احتِمالٌ بأنَّ الطَّرَفَينِ غَيرُ مُتَساويَينِ، ولَم يَتِمَّ التَّحَقُّقُ مِنَ المُساواةِ، فإنَّ هذا الجَهلَ يُعتَبَرُ، وكَأنَّ التَّفاضُلَ أوِ التَّفاوُتَ مَوجودٌ حَقيقةً [5869] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (4/79)، ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 159)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/118). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعدةِ بالسُّنَّةِ:
فعَن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((نَهى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن بَيعِ الصُّبرةِ مِنَ التَّمرِ لا يُعلَمُ مَكيلَتُها، بالكَيلِ المُسَمَّى مِنَ التَّمرِ )) [5870] أخرجه مسلم (1530). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
قال النَّوويُّ: (هذا تَصريحٌ بتَحريمِ بَيعِ التَّمرِ بالتَّمرِ حَتَّى يُعلَمَ المُماثَلةُ، قال العُلَماءُ: لأنَّ الجَهلَ بالمُماثَلةِ في هذا البابِ كَحَقيقةِ المُفاضَلةِ؛ لقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إلَّا سَواءً بسَواءٍ)) [5871] عَن عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ قال: إنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَنهى عَن بَيعِ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ، والفِضَّةِ بالفِضَّةِ، والبُرِّ بالبُرِّ، والشَّعيرِ بالشَّعيرِ، والتَّمرِ بالتَّمرِ، والمِلحِ بالمِلحِ، إلَّا سَواءً بسَواءٍ، عَينًا بعَينٍ، فمَن زادَ أوِ ازدادَ فقد أربى. أخرجه مسلم (1587). ، ولَم يَحصُل تَحَقُّقُ المُساواةِ مَعَ الجَهلِ) [5872] يُنظر: ((شرح صحيح مسلم)) (10/172). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ.
مِنَ الأمثلةِ على هذه القاعدةِ:
1- إذا باعَ مُدَّ عَجوةٍ ودِرهَمًا بمُدَّي عَجوةٍ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ تَحريمَ رِبا الفَضلِ مَعلومٌ، والمُماثَلةُ التي هيَ طَريقُ الخَلاصِ غَيرُ مَعلومةٍ، والجَهلُ بالمُماثَلةِ كَحَقيقةِ المُفاضَلةِ، وما يُقدِّرُه الخَصمُ مِن صَرفِ الجِنسِ إلى خِلافِه تَحَكُّمٌ لا يَقضي العَقلُ به، ولا تُنبِئُ الصِّيغةُ عنه [5873] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 159). .
2- لا يَجوزُ بَيعُ حَفنةٍ بحَفنَتَينِ، ولا جَوزةٍ بجَوزَتَينِ، ولا بطِّيخةٍ ببِطِّيخَتَينِ [5874] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/272). .
3- بَيعُ الذَّهَبِ بالذَّهَبِ جُزافًا -بلا وزنٍ ولا عَدَدٍ، وإنَّما بالحَزرِ والتَّخمينِ بَعدَ رُؤيَتِه- لا يَجوزُ؛ لعَدَمِ جَوازِ التَّفاضُلِ بَينَ هَذَينِ المَعدِنَينِ باعتِبارِهما مِنَ الأموالِ الرِّبَويَّةِ، والجَهلُ بالتَّماثُلِ يُبطِلُ هذا البَيعَ كَحَقيقةِ التَّفاضُلِ [5875] يُنظر: ((الأم)) للشافعي (3/ 31)، ((المغني)) لابن قدامة (6/ 70). ويُنظر أيضًا: ((الفقه الإسلامي وأدلتهـ)) للزحيلي (5/ 3684). .

انظر أيضا: