موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: كُلُّ مَن جَهلَ تَحريمَ شَيءٍ مِمَّا يَشتَرِكُ فيه غالِبُ النَّاسِ لَم يُقبَلْ، إلَّا أن يَكونَ قَريبَ عَهدٍ بالإسلامِ، أو نَشَأ بباديةٍ بَعيدةٍ يَخفى فيها مِثلُ ذلك


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "كُلُّ مَن جَهلَ تَحريمَ شَيءٍ مِمَّا يَشتَرِكُ فيه غالِبُ النَّاسِ لَم يُقبَلْ، إلَّا أن يَكونَ قَريبَ عَهدٍ بالإسلامِ، أو نَشَأ بباديةٍ بَعيدةٍ يَخفى فيها مِثلُ ذلك" [5844] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 200). ، وصيغةِ: "مَن نَشَأ بباديةٍ أو كان حَديثَ عَهدٍ بالإسلامِ وفَعَلَ شَيئًا مِنَ المُحَرَّماتِ غَيرَ عالِمٍ بتَحريمِها لَم يَأثَمْ ولَم يُحَدَّ، وإن لَم يَستَنِدْ في استِحلالِه إلى دَليلٍ شَرعيٍّ" [5845] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (20/ 252). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.
الجَهلُ بتَحريمِ الأشياءِ الواضِحةِ والمَعلومةِ بالضَّرورةِ في الدِّينِ، والتي يَشتَرِكُ مُعظَمُ النَّاسِ في مَعرِفَتِها، لا يُعتَبَرُ عُذرًا يُرفَعُ به الإثمُ أوِ العُقوبةُ عَنِ الشَّخصِ، ويُستَثنى مِن عَدَمِ قَبولِ العُذرِ مَن كان قَريبَ العَهدِ بالإسلامِ، أي حَديثَ الدُّخولِ في الإسلامِ؛ إذ مِثلُ هذا الشَّخصِ قد لا يَكونُ قد عَلِمَ الأحكامَ الشَّرعيَّةَ بَعدُ، ومن ثمَّ يُقبَلُ مِنه العُذرُ؛ لأنَّه لَم يُتَحْ له الوقتُ الكافي لتَعَلُّمِ أساسيَّاتِ الدِّينِ، وكَذلك يُعذَرُ الشَّخصُ الذي نَشَأ في مَكانٍ بَعيدٍ عَن مَصادِرِ العِلمِ الشَّرعيِّ مِثلِ البَوادي النَّائيةِ؛ حَيثُ لَم تَتَوفَّرْ لَدَيه الوسائِلُ لتَعَلُّمِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ أوِ الوُصولِ إلى العُلَماءِ، ففي هذه الحالةِ قد يَخفى عليه تَحريمُ الأُمورِ الواضِحةِ، ويُعذَرُ بجَهلِه حَتَّى يُعَلَّمَ [5846] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 200). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ الإجماعُ والقواعدُ:
1- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن حَكى الإجماعَ على ذلكَ: ابنُ تيميَّةَ [5847] قال: (اتَّفَقَ الأئِمَّةُ على أنَّ مَن نَشَأ بباديةٍ بَعيدةٍ عَن أهلِ العِلمِ والإيمانِ، وكان حَديثَ العَهدِ بالإسلامِ فأنكَرَ شَيئًا مِن هذه الأحكامِ الظَّاهرةِ المُتَواتِرةِ فإنَّه لا يُحكَمُ بكُفرِه حَتَّى يَعرِفَ ما جاءَ به الرَّسولُ). ((مجموع الفتاوى)) (11/ 407). .
2- مِنَ القواعدِ:
فيُستدلُّ لهذه القاعدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (الجَهلُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ إنَّما يَكونُ عُذرًا إذا لَم تَقَعْ حاجةٌ إلَيها).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ في قاعِدةِ (الجَهلُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ إنَّما يَكونُ عُذرًا إذا لَم تَقَعْ حاجةٌ إلَيها) ويُضافُ إليها:
1- لَو تَكَلَّمَ في الصَّلاةِ وهو يَجهَلُ حُرمةَ الكَلامِ فيها لقُربِ إسلامِه، فإنَّه يُعذَرُ ولا تَبطُلُ صَلاتُه، بخِلافِ ما لَو عَلِمَ حُرمةَ الكَلامِ فيها ولَم يَعلَمْ أنَّه مُبطِلٌ لَها فتَكَلَّمَ، فإنَّ صَلاتَه تَبطُلُ [5848] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/15). .
2- لَو جَهلَ تَحريمَ الخَمرِ بأن نَشَأ بباديةٍ عُذِرَ ولَم يُحَدَّ، ولَو قال: عَلِمتُ التَّحريمَ وجَهلتُ الحَدَّ، حُدَّ، وإن قال: عَلِمتُ الحَدَّ ولَكِن ظَنَنتُ أنَّ ذلك القدرَ لا يُسكِرُ، حُدَّ ولَزِمَه قَضاءُ الصَّلَواتِ الفائِتةِ في السُّكْرِ [5849] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/15). .
3- لَو تَطَيَّبَ المُحرِمُ جاهلًا بالتَّحريمِ فلا فِديةَ، ولَو عَلِمَ تَحريمَ الاستِعمالِ، وجَهلَ وُجوبَ الفِديةِ، وجَبَت، ولَو عَلِمَ تَحريمَ الطِّيبِ وجَهلَ كَونَ المَمسوسِ طيبًا، فلا فِديةَ على المَذهَبِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [5850] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/15). .
4- لَو تَأخَّرَ عَن طَلَبِ الشُّفعةِ [5851] هيَ: انتِزاعُ الإنسانِ حِصَّةَ شَريكِه مِن مُشتَريها بمِثلِ ثَمَنِها. يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/232). وادَّعى جَهلَه بثُبوتِ حَقِّ الشُّفعةِ له، وكان قديمَ الإسلامِ ويَعيشُ بَينَ المُسلِمينَ، فلا يُقبَلُ منه ذلك [5852] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 201). .

انظر أيضا: