موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الجَهلُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ إنَّما يَكونُ عُذرًا إذا لَم تَقَعْ حاجةٌ إليها


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الجَهلُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ إنَّما يَكونُ عُذرًا إذا لَم تَقَعْ حاجةٌ إليها" [5837] يُنظر: ((منافع الدقائق في شرح مجامع الحقائق)) للخادمي (ص: 319). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.
الجَهلُ بأحكامِ الشَّرعِ يَكونُ عُذرًا مُعتَبَرًا إذا لَم يَكُنِ النَّاسُ يَحتاجونَ إلى هذه الأحكامِ بحَيثُ يَقِلُّ وُقوعُها وطَرحُها، فيُتَصَوَّرُ حينَئِذٍ الجَهلُ بها، أو يَكونُ الشَّخصُ نَشَأ بباديةٍ بَعيدًا عَنِ العُلَماءِ، أو كان حَديثَ عَهدٍ بالإسلامِ، ونَحو ذلك مِن أعذارٍ، أمَّا إذا كانتِ الأحكامُ مِمَّا يَكثُرُ وُقوعُها بَينَ النَّاسِ، فإنَّ الجَهلَ بها لا يُعتَبَرُ عُذرًا، فمَن جَهلَها حينَئِذٍ نُسِبَ إلى التَّقصيرِ؛ حَيثُ كان عليه التَّعَلُّمُ والسُّؤالُ عَنِ الحُكمِ الشَّرعيِّ قَبلَ التَّصَرُّفِ، وهنا تَنبيهٌ: وهو أنَّ إعذارَ الجاهلِ جاءَ مِن بابِ التَّخفيفِ لا مِن حَيثُ جَهلُه، فلَو عُذِرَ الجاهلُ لأجلِ جَهلِه لَكان الجَهلُ خَيرًا مِنَ العِلمِ؛ إذ كان يَحُطُّ عَنِ العَبدِ أعباءَ التَّكليفِ، ويُريحُ قَلبَه مِن ضُروبِ التَّعنيفِ، فلا حُجَّةَ للعَبدِ في جَهلِه بالحُكمِ بَعدَ التَّبليغِ والتَّمكينِ؛ لئَلَّا يَكونَ للنَّاسِ على اللهِ حُجَّةٌ بَعدَ الرُّسُلِ [5838] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/17،16)، ((منافع الدقائق في شرح مجامع الحقائق)) للخادمي (ص: 319). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالإجماعِ والمَعقولِ:
1- مِنَ الإجماعِ:
ومِمَّن نَقَلَه: المُلَّا عَلي القاريُّ [5839] قال: (يُعذَرُ مَن أسلَمَ في دارِ الحَربِ بجَهلِ الشَّرائِعِ مِنَ الأحكامِ الواجِبةِ: كَإقامةِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رَمَضانَ، مُدَّةَ جَهلِه، خِلافًا للشَّافِعيِّ وأحمَدَ وزُفَرَ، وأمَّا في دارِ الإسلامِ فلا يُعذَرُ بجَهلِه؛ لأنَّها دارُ عِلمٍ وإعلامٍ وشُيوعِ أحكامٍ، فلا يُعذَرُ في تَركِ تَعَلُّمِه إجماعًا). ((فتح باب العناية)) (1/362). .
2- مِنَ المعقولِ:
وهو أنَّ كُلَّ مَن قَدِمَ على فِعلٍ فإنَّه يَجِبُ عليه التَّوقُّفُ حَتَّى يَعلَمَ حُكمَ اللهِ فيه، فإن لَم يَفعَلْ ذلك كان عاصيًا بتَركِ التَّعَلُّمِ وبِتَركِ العَمَلِ، فلا يُعذَرُ بجَهلِه [5840] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/343). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- لَو جَهلَ مُسلِمٌ بدارِ الحَربِ لَم يُهاجِرْ إلى دارِ الإسلامِ وُجوبَ الصَّلاةِ أو وُجوبَ الزَّكاةِ، ثُمَّ عَلِمَ بوُجوبِهما، فلا يَجِبُ عليه القَضاءُ [5841] يُنظر: ((منافع الدقائق في شرح مجامع الحقائق)) للخادمي (ص: 319). .
2- إذا نَطَقَ الأعجَميُّ بكَلِمةِ كُفرٍ أو إيمانٍ، أو طَلاقٍ أو بَيعٍ أو شِراءٍ، أو نَحوِه، ولا يَعرِفُ مَعناه، لا يُؤاخَذُ بشَيءٍ مِنه؛ لأنَّه لَم يَلتَزِمْ مُقتَضاه [5842] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/13). .
3- الرَّدُّ بالعَيبِ يَكونُ على الفَورِ، فلَو أخَّرَ وقال: لَم أعلَم أنَّ ليَ الرَّدَّ، قُبِلَ إن قَرُبَ عَهدُه بالإسلامِ، أو نَشَأ بباديةٍ بَعيدةٍ يَخفى فيها مِثلُ ذلك، ولَو قال: لَم أعلَم أنَّه يَبطُلُ بالتَّأخيرِ قُبِلَ؛ لأنَّه مِمَّا يَخفى على العَوامِّ [5843] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/15). .

انظر أيضا: