المَطلَبُ الأوَّلُ: عِبارةُ الصَّبيِّ مُلغاةٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "عِبارةُ الصَّبيِّ مُلغاةٌ"
[5653] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/199). ، وصيغةِ: "يَمينُ الصَّبيِّ لا حُكمَ له"
[5654] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (10/315). ، وصيغةِ: "الصَّبيُّ لا يَستَقِلُّ بنَفسِه؛ إذ لا حُكمَ لكَلامِه"
[5655] يُنظر: ((كفاية الأخيار)) للحصني (ص: 502). ، وصيغةِ: "قَولُ الصَّبيِّ لا حُكمَ له"
[5656] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (4/171). ، وصيغةِ: "قَولُ الصَّبيِّ غَيرُ مَقبولٍ"
[5657] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (8/ 4051). ، وصيغةِ: "قَولُ الصَّبيِّ لا يَتَعَلَّقُ به حُكمٌ في مَصالِحِه"
[5658] يُنظر: ((التجريد)) للقدوري (10/ 5408)، ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (8/ 554). ، وصيغةِ: "قَولُ الصَّبيِّ ليس بشَيءٍ"
[5659] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) لكوسج (7/ 3649). ، وصيغةِ: "لا حُكمَ لقَولِ الصِّبيانِ والمَجانينِ، ووجودُه وعَدَمُه سَواءٌ"
[5660] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (4/ 1134). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعدةِ.التَّصَرُّفاتُ والأقوالُ التي تَصدُرُ عَنِ الصَّبيِّ سَواءٌ كان مُمَيِّزًا أم غَيرَ مُمَيِّزٍ لا يَتَرَتَّبُ عليها حُكمٌ، بَل تَكونُ مُلغاةً لا اعتِدادَ بها شَرعًا بسَبَبِ نَقصِ أهليَّتِه وعَدَمِ اكتِمالِ عَقلِه وبُلوغِه، ومن ثمَّ فإنَّ أقوالَه وأفعالَه، سَواءٌ أكانت عُقودًا أم إقراراتٍ أم شَهاداتٍ، لا تُعتَبَرُ نافِذةً في الشَّرعِ، إلَّا التَّصَرُّفاتِ الماليَّةَ، فقَسَّمَها الحَنَفيَّةُ ثَلاثةَ أقسامٍ:
الأوَّلُ: تَصَرُّفاتٌ نافِعةٌ لا ضَرَرَ فيها كَقَبولِ الهبةِ، فهذه تَصِحُّ مِنه.
والثَّاني: تَصَرُّفاتٌ ضارَّةٌ ضَرَرًا مَحضًا كالهبةِ، فهذه لا تَصِحُّ مِنه.
والثَّالِثُ: تَصَرُّفاتٌ تَدورُ بَينَ النَّفعِ والضَّرَرِ كالبَيعِ، فهذه مَوقوفةٌ على إذنِ الوليِّ، والعِبرةُ بالنَّفعِ والضَّرَرِ في الدُّنيا لا في الآخِرةِ، وعِندَ الشَّافِعيَّةِ لا يَصِحُّ شَيءٌ مِن تَصَرُّفاتِ الصَّبيِّ لا في حَقِّ نَفسِه، ولا في حَقِّ غَيرِه؛ سَواءٌ أذِنَ له الوليُّ فيه أو لَم يَأذَنْ
[5661] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/21،20)، ((التهذيب)) للبغوي (3/552)، ((رؤوس المسائل)) للزمخشري (ص: 293)، ((تقويم النظر)) لابن الدهان (2/319)، ((إيثار الإنصاف)) لسبط ابن الجوزي (ص: 387)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/137). .
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ:
فعَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَجنونِ حَتَّى يُفيقَ )) [5662] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3987) واللفظ له، والبيهقي (21624) باختلافٍ يسيرٍ. صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، وحسَّنه ابنُ القيم في ((أحكام أهل الذمة)) (2/902)، وصحَّح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (3987). ورويَ عَن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ؛ لَقد عَلِمت أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثَلاثةٍ: عَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَعتوهِ حَتَّى يَبرَأَ)). أخرجه أبو داود (4402) واللفظ له، وأحمد (1328) بنحوه. صحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/767)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4402)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4402). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّ التَّكليفَ مَرفوعٌ عَنِ الصَّبيِّ، ويَلزَمُ مِنه عَدَمُ الاعتِدادِ بعِبارَتِه
[5663] يُنظر: ((مرقاة الصعود)) للسيوطي (3/1122)، ((المنهل العذب المورود)) لمحمود خطاب السبكي (4/302). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إن قال صَبيٌّ لرَجُلٍ: يا زانٍ، فليس قَولُ الصَّبيِّ بشَيءٍ ولا يَتَرَتَّبُ عليه حَدٌّ
[5664] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) (7/3648). .
2- لَو أنَّ الصَّبيَّ أعرَضَ عَن حَقِّه مِنَ الغَنيمةِ فلا يَصِحُّ إعراضُه؛ لأنَّ عِبارةَ الصَّبيِّ مُلغاةٌ
[5665] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/199). .
3- إذا أخبَرَ الصَّبيُّ بتَنَجُّسِ الماءِ أو غَيرِه لَم يَلزَمْ قَبولُ قَولِ الصَّبيِّ
[5666] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 134). .
4- الصَّبيُّ إذا نَذَرَ أو حَلَفَ يَمينًا، فإنَّ نَذرَه ويَمينَه لا يَصِحَّانِ
[5667] يُنظر: ((بحر المذهب)) للروياني (10/ 315)، ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (2/ 361)، ((العزيز)) للرافعي (12/346، 355). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استثناءاتٌقال الزَّركَشيُّ: (يُستَثنى صورٌ:
إحداها: إذنُه في دُخولِ الدَّارِ وإيصالِ الهَديَّةِ.
الثَّانيةُ: إخبارُه بطَلَبِ صاحِبِ الدَّعوةِ؛ فإنَّ المَدعوَّ تَلزَمُه الإجابةُ، كما قاله الماوَرديُّ والرُّويانيُّ، وشَرَطا أن يَقَعَ في قَلبِه صِدقُ الصَّبيِّ.
الثَّالِثةُ: في اختيارِه أحَدَ أبَويه في الحَضانةِ إذا بَلَغَ سِنَّ التَّمييزِ، وكَذلك الخُنثى يُختَبَرُ في سِنِّ التَّمييزِ بمَيلِه إلى أحَدِ الجِنسَينِ، يُعتَمَدُ على وجهٍ، والأصَحُّ خِلافُه؛ لأنَّ اختيارَ الخُنثى لازِمٌ ولا حُكمَ له قَبلَ البُلوغِ، كالولَدِ يَتَداعاه اثنانِ لا يَصِحُّ انتِسابُه قَبلَ البُلوغِ، والِاختيارُ في الحَضانةِ ليس بلازِمٍ.
الرَّابِعةُ: دَعواه استِعجالَ الإنباتِ بالدَّواءِ، نَصَّ عليه، زادَ ابنُ الصَّبَّاغِ والقاضي الحُسَينُ: بيَمينِه لأجلِ حَقنِ دَمِه، بخِلافِ غَيرِه إذا ادَّعى أنَّه صَبيٌّ فلا يَحلِفُ.
الخامِسةُ: في إرسالِه لقَضاءِ الحَوائِجِ المُحَقَّراتِ وقد نُقِلَ عَنِ الجوريِّ حِكايةُ الإجماعِ عليه وعَلى صِحَّةِ شِرائِه لَها، وعليه عَمَلُ النَّاسِ بلا نَكيرٍ.
السَّادِسةُ: إخبارُه ببَيعِ الشَّريكِ حِصَّتَه مِنَ العَقارِ إذا وقَعَ في نَفسِ الشَّريكِ صِدقُه، حَتَّى إذا أخَّرَ الأخذَ بالشُّفعةِ لا يَحِلُّ له أخذُها في الباطِنِ، قاله في الحاوي، قال: وكَذا خَبَرُ الكافِرِ والفاسِقِ، فأمَّا بالنِّسبةِ إلى الظَّاهرِ فلَه الأخذُ.
السَّابِعةُ: عَمدُه في العِباداتِ، كما لَو تَكَلَّمَ في الصَّلاةِ بَطَلَت، أو سَلَّمَ على أحَدٍ يَجِبُ عليه الرَّدُّ)
[5668] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/296،295). .