تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المَطلَبُ الثَّاني: مِنَ القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ: العِبرةُ في العُقودِ بما في نَفسِ الأمرِ لا بما في ظَنِّ المُكَلَّفِ: مَن تَصَرَّف في شَيءٍ يَظُنُّ أنَّه لا يَملكُه فتَبَيَّن أنَّه كان يَملِكُه فتَصَرُّفُه صَحيحٌ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن تَصَرَّف في شَيءٍ يَظُنُّ أنَّه لا يَملكُه فتَبَيَّن أنَّه كان يَملكُه فتَصَرُّفُه صَحيحٌ" [5297] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/478)، ((الإنصاف)) للمرداوي (11/61)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 131). ، وصيغةِ: "مَن تَصَرَّف مُستَنِدًا إلى سَبَبٍ ثُمَّ تَبَيَّن أنَّه غَيرُه وهو مَوجودٌ فتَصَرُّفُه صَحيحٌ" [5298] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/455). . ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن تَصَرَّف في شَيءٍ وهو يَظُنُّ أنَّه لا يَملكُ التَّصَرُّفَ فيه، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعدَ التَّصَرُّفِ فيه أنَّه كان وقتَ تَصَرُّفِه يَملكُ التَّصَرُّفَ فيه: فتَصَرُّفُه صَحيحٌ؛ بناءً على أنَّ العِبرةَ بالواقِعِ ونَفسِ الأمرِ لا بما في ظَنِّ المُكَلَّفِ، والواقِعُ أنَّ ما تَصَرَّف فيه يَملكُ التَّصَرُّفَ فيه، فيَنفُذُ. ففي القاعِدةِ بَيانُ حُكمِ مَن تَصَرَّف تَصَرُّفًا، وكان مُعتَمِدًا في ذلك التَّصَرُّفِ إلى سَبَبٍ، ثُمَّ ظَهَرَ له خَطَؤُه في ذلك السَّبَبِ. بمَعنى عَدَمِ وُجودِ ذلك السَّبَبِ حَقيقةً، مَعَ وُجودِ سَبَبٍ صَحيحٍ لم يَطَّلعْ عليه، ولَم يَعتَمِدْ عليه، وهذا يَشمَلُ حالَتَينِ: الأولى: أن يَكونَ السَّبَبُ الذي اعتَمَدَ صَحيحًا، لكِنَّه لم يَثبُتْ له، أي: لم يوجَدْ حَقيقةً، كَمَنِ استَدَلَّ على القِبلةِ بنَجمٍ يَظُنُّه الجَدْيَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ له أنَّه نَجمٌ آخَرُ مُشابهٌ له، فإنَّ السَّبَبَ الذي اعتَمَدَه -وهو دَلالةُ نَجمِ الجَدْيِ- لم يَثبُت له حَقيقةً وإن كان في أصلِه سَبَبًا أو دَليلًا صَحيحًا. الثَّانيةُ: أن يَكونَ السَّبَبُ الذي اعتَمَدَه غَيرَ صَحيحٍ، مِثلُ أن يَتَصَرَّفَ في سِلعةٍ بناءً على شِرائِه إيَّاها، ثُمَّ يَتَبَيَّنَ أنَّ الشِّراءَ فاسِدٌ، وتَكونُ هذه السِّلعةُ قدِ انتَقَلَت إلى مِلكِه بسَبَبٍ آخَرَ، كالإرثِ مَثَلًا. ففي الحالَتَينِ يَكونُ الفِعلُ قد وقَعَ موافِقًا للصَّوابِ لوُجودِ سَبَبِه الصَّحيحِ وإن لم يَبنِ المُكَلَّفُ تَصَرُّفَه عليه. بَل بَناه على غَيرِه [5299] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/483)، ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/456)، ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 210). . وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِن قاعِدةِ (العِبرةُ في العُقودِ بما في نَفسِ الأمرِ لا بما في ظَنِّ المُكَلَّفِ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ من تَصَرَّفَ في شَيءٍ يَظُنُّ أنَّه لا يَملكُه فتَصَرُّفُه صَحيحٌ بناءً على ما في نَفسِ الأمرِ مِن كَونِه تَصَرَّف في مِلكِه في الواقِعِ؛ إذِ العِبرةُ في العُقودِ بما في نَفسِ الأمرِ لا بما يَظُنُّه المُكَلَّفُ. ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (العِبرةُ في العُقودِ بما في نَفسِ الأمرِ لا بما في ظَنِّ المُكَلَّفِ). رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ: 1- من تَصَرَّفَ في شَيءٍ اشتَراه، ثُمَّ ظَهَرَ أنَّ البَيعَ فاسِدٌ، لكِنَّ ذلك الشَّيءَ انتَقَلَ إلى مِلكِه بسَبَبٍ آخَرَ كالإرثِ، صَحَّ تَصَرُّفُه [5300] يُنظر: ((القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير)) لعبد الرحمن آل عبد اللطيف (1/460). . 2- إذا باعَ إنسانٌ سِلعةَ أبيه، وأبوه لم يوكِّلْه، ثُمَّ بَعدَ ذلك تَبَيَّنَ أنَّ أباه قد ماتَ، ولا وارِثَ له سِواه، وأنَّه ورِثَ هذه السِّلعةَ ودَخَلَت في مِلكِه، فإنَّ العَقدَ صَحيحٌ؛ اعتِبارًا بما في نَفسِ الأمرِ، ونَفسُ الأمر أنَّه يَملِكُ العَقدَ على هذه السِّلعةِ؛ فإنَّه يَملِكُ العَقدَ على هذه السِّلعةِ أصالةً [5301] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/478)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 132). . 3- مَن باعَ مِلكَ غَيرِه، ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعدَ عَقدِ البَيعِ أنَّ ما باعَه كان قد وُهبَ له قَبلَ أن يَبيعَه، فتَصَرُّفُه صَحيحٌ [5302] يُنظر: ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 210). .