موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: العَقدُ إذا خَلا عن مَقصودِه لا يَكونُ مُنعَقِدًا أصلًا


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "العَقدُ إذا خَلا عن مَقصودِه لا يَكونُ مُنعَقِدًا أصلًا" [5029] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/115). ، وصيغةِ: "العَقدُ لا يَبقى بَعدَ فواتِ مَقصودِه" [5030] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (2/305). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ العَقدَ إذا خَلا عن مَقصودِه الذي شَرَعَه اللهُ تَعالى مِن أجلِه مِن تَحصيلِ المُصلحةِ المَرجوَّةِ مِنه، فإنَّه لا يَكونُ مُنعَقِدًا مِن أصلِه، وكُلُّ شَرطٍ يَتَعَلَّقُ بمَقصودِ العَقدِ ففسادُه يُبطِلُ العَقدَ، وكَذا كُلُّ شَرطٍ يَأتي على خِلافِ موجِبِ العَقدِ، والمَقصودُ به يَكونُ باطِلًا، وذلك إذا كان الشَّرطُ يُعَطِّلُ رُكنًا مِن أركانِه، أو يُعارِضُ مَقصودًا أصليًّا للعَقدِ، كاشتِراطِ عَدَمِ حِلِّ الزَّوجةِ لزَوجِها في عَقدِ الزَّواجِ مَثَلًا، أو يَمنَعُ أحَدَ المُتَبايِعَينِ مِنَ الانتِفاعِ بالمَبيعِ، فهنا يَبطُلُ العَقدُ [5031] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (3/51)، ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (6/227)، ((المبسوط)) للسرخسي (4/115) و(7/210)، ((الفروق)) للكرابيسي (2/142)، ((الوجيز)) للبورنو (ص: 399)، ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 261). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفرِّعةٌ مِنَ القاعِدةِ الأُمِّ (كُلُّ عَقدٍ تَقاعَد عنه مَقصودُه بَطَل مِن أصلِهـ)، ووَجهُ تَفرُّعِها عنها أنَّ العَقدَ الخاليَ عن مَقصودِه لا يَكونُ مُنعَقِدًا؛ لأنَّه فَقَد شَرطَ صِحَّتِه، فبَطَلَ مِن أصلِه.
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (كُلُّ عَقدٍ تَقاعَد عنه مَقصودُه بَطَل مِن أصلِهـ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- مَن أحرَمَ بعُمرَتَينِ مَعًا أو بحَجَّتَينِ مَعًا انعَقدَ إحرامُه بأحَدِهما؛ لأنَّ الإحرامَ غَيرُ مَقصودٍ لعَينِه، بَل لأداءِ الأفعالِ به، ولا يُتَصَوَّرُ أداءُ حَجَّتَينِ في سَنةٍ واحِدةٍ، ولا أداءُ عُمرَتَينِ في وقتٍ واحِدٍ، والعَقدُ إذا خَلا عن مَقصودِه لا يَكونُ مُنعَقِدًا أصلًا، فإذا خَلا أحَدُ العَقدَينِ هنا عَمَّا هو مَقصودٌ لم يَنعَقِدِ الإحرامُ إلَّا بأحَدِهما [5032] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (4/115). .
2- البَيعُ بما لا يَصلُحُ ثَمَنًا كالمَيتةِ لا يَصِحُّ، فإنَّ البَيعَ بالمَيتةِ لا يَكونُ مُنعَقِدًا، ولا يوجِبُ المِلكَ للمُشتَري [5033] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (25/35). .
3- إذا شَرط في الرَّهنِ شَرطًا يُنافي مُقتَضاه، مِثلُ أن يَقولَ: رَهَنتُك على أن لا أُسَلِّمَه، أو على أن لا يُباعَ في الدَّينِ، أو على أنَّ مَنفعَتَه لك، أو على أنَّ ولَدَه لك، فالشَّرطُ باطِلٌ، وإن كان الشَّرطُ نُقصانًا في حَقِّ المُرتَهِنِ كالشَّرطَينِ الأوَّلينَ فعَقدُ الرَّهنِ باطِلٌ؛ لأنَّه يَمنَعُ المَقصودَ، فأبطَلَه [5034] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/94). .
4- إذا قال المُقرِضُ: أقرَضتُك بشَرطِ أن تَبيعَني أو أن تُقرِضَني، فهذا شَرطٌ فاسِدٌ مُفسِدٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ((لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيعٌ)) [5035] أخرجه أبو داود (3504)، والترمذي (1234)، والنسائي (4630) مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، ولَفظُ أبي داوُد: عَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيعٌ، ولا شَرطانِ في بَيعٍ، ولا رِبحُ ما لم تَضمَنْ، ولا بَيعُ ما ليس عِندَك)). صَحَّحَه بمَجموعِ طُرُقِه: الألبانيُّ في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (1212)، وقال التِّرمِذيُّ: حَسَنٌ صَحيحٌ، وحَسَّنَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن الدارقطني)) (3073)، وذَكَرَ ثُبوتَه ابنُ تيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (28/29)، وقال ابن القيم في ((زاد المعاد)) (5/716): مَحفوظٌ. وذَهَبَ إلى تَصحيحِه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (4321)، وابن حزم في ((المحلى)) (8/520)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/384)، وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/487)، والنووي في ((المجموع)) (9/376)، وقال الحاكم في ((المستدرك)) (2218): على شَرطِ جُملةٍ مِن أئِمَّةِ المُسلمينَ، صَحيحٌ. ، كما أنَّ القَرضَ يُرادُ به الإرفاقُ، والإحسانُ، وإرادةُ وجهِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ [5036] يُنظر: ((العقد الثمين)) لخالد المشيقح (ص: 261). .
5- إذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بشَرطِ الخيارِ بطَلَ عَقدُ النِّكاحِ؛ لأنَّه عَقدٌ يُبطِلُه التَّوقيتُ، فبَطَلَ بالخيارِ الباطِلِ [5037] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/447). .
6- إذا شَرَطَتِ الزَّوجةُ على الزَّوجِ في عَقدِ النِّكاحِ أن لا يَطَأهَا بَطَل العَقدُ؛ لأنَّه شَرطٌ يُنافي مَقصودَ العَقدِ مِنَ الوطءِ، والعَقدُ إذا خَلا عن مَقصودِه لا يَكونُ مُنعَقِدًا أصلًا [5038] يُنظر: ((التعليقة الكبيرة)) لأبي يعلى (3/281). .

انظر أيضا: