موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ" [4850] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/466)، ((مختصر الفتاوى المصرية)) للبعلي (2/21)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/816). ، وصيغةِ: "الأصلُ في عُقودِ المُسلمينَ الصِّحَّةُ" [4851] يُنظر: ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (12/86)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/825). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ الصِّحَّةُ" [4852] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (22/90)، ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/353)، ((المحرر)) للمجد بن تيمية (2/386)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/581)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/253)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/111)، ((الفتاوى الفقهية الكبرى)) لابن حجر الهيتمي (3/150)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/222). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ الجَوازُ والصِّحَّةُ" [4853] يُنظر: ((الفروع)) لابن مفلح (7/145)، ((الإنصاف)) للمرداوي (14/329)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (6/130)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/608). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ والظَّاهِرُ مِن حالِها الصِّحَّةُ" [4854] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/311). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ والمُعامَلاتِ الصِّحَّةُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ على البُطلانِ والتَّحريمِ" [4855] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/167). ، وصيغةِ: "الأصلُ في العُقودِ والشُّروطِ الصِّحَّةُ إلَّا ما أبطَلَه الشَّارِعُ أو نَهى عنه" [4856] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/167). ، وصيغةِ: "الغالبُ في العُقودِ إنشاؤُها على الصِّحَّةِ" [4857] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (8/224). ، وصيغةِ: "مُطلَقُ العُقودِ الشَّرعيَّةِ مَحمولٌ على الصِّحَّةِ" [4858] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (20/72). ، وصيغةِ: "مُطلَقُ العُقودِ يُنَزَّلُ على الصَّحيحِ" [4859] يُنظر: ((حاشية البجيرمي على الخطيب)) (4/363). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تَشتَمِلُ هذه القاعِدةُ على شِقَّينِ:
الشِّقُّ الأوَّلُ: أنَّ الأصلَ في العُقودِ التي يَقومُ بها النَّاسُ هو الإباحةُ والجَوازُ والصِّحَّةُ حَتَّى يَقومَ دَليلٌ صَحيحٌ صَريحٌ على التَّحريمِ، وأنَّ المُستَصحَبَ فيها الحِلُّ وعَدَمُ التَّحريمِ، وتَكونُ صَحيحةً يَتَرَتَّبُ عليها أثَرُها، ولا يَحرُمُ مِنها أو يَبطُلُ إلَّا ما دَلَّ الشَّرعُ على تَحريمِه وإبطالِه بالنَّصِّ أو بالقياسِ، وهذا يوجِبُ البَحثَ والتَّقَصِّيَ عنِ الأدِلَّةِ الشَّرعيَّةِ، فإن ثَبت دَليلٌ يُحَرِّمُه تَغَيَّرَ هذا الاستِصحابُ، وإذا لم يَثبُتْ فالأصلُ أن تُحمَلَ العُقودُ على الصِّحَّةِ إذا وُجِدَ لها مَحمَلٌ، ومَحَلُّ إعمالِ هذا يَنحَصِرُ في غَيرِ العُقودِ والشُّروطِ التي ورَدَ فيها نَصٌّ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، كالعُقودِ الجَديدةِ والشُّروطِ الجَديدةِ، والمُستَجَدَّاتِ مَعَ تَطَوُّرِ الأحداثِ، وحاجةِ النَّاسِ إليها، فيُستَفادُ بالقاعِدةِ عِندَ استِحداثِ مُعامَلةٍ لم تَكُنْ مَعروفةً مِن قَبلُ، وفي المُعامَلاتِ الحَديثةِ التي أوجَدَها غَيرُ المُسلمينَ، فيُقبَلُ مِنها ما ليس فيه مُصادَمةٌ للشَّرعِ نَصًّا أو قياسًا، وقد يُعدَلُ بَعضُها، ويُرفضُ بَعضُها عِندَ المُخالَفةِ.
والشِّقُّ الثَّاني: إذا تَمَّ عَقدٌ بَينَ المُسلمينَ، ثُمَّ وقَعَ خِلافٌ بَينِ المُتَعاقِدين في صِحَّتِه أو فسادِه، وليس ثَمَّةَ ما يُؤَيِّدُ أصلَ القَولَينِ على الآخَرِ، فإنَّ الغالبَ والظَّاهرَ في عُقودِ المُسلمينَ جَرَيانُها على حُكمِ الصِّحَّةِ، أمَّا الفَسادُ فهو طارِئٌ على العَقدِ، والأصلُ عَدَمُ وُجودِه، فيَكونُ حَملُ العَقدِ على الصِّحَّةِ أَولى مِن حَملِه على الفَسادِ.
والفرقُ بَينَ هَذَينِ الشِّقَّينِ: أنَّ الأوَّلَ عِندَ عَدَمِ الخِلافِ والتَّنازُعِ بَينَ المُتَعاقِدين. فإن حَصَلَ شَكٌّ أنَّ العَقدَ ورَدَ عنِ الشَّارِعِ ما يَدُلُّ على تَحريمِه أم لا، فهو صَحيحٌ جائِزٌ شَرعًا، والثَّاني إذا حَصَلَ خِلافٌ في صِحَّةِ العَقدِ وفسادِه فإنَّه يُحمَلُ على الصِّحَّةِ؛ لأنَّه إذا أمكَنَ حَملُ العَقدِ على الصِّحَّةِ كان أولى مِن حَملِه على الفسادِ [4860] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (10/16)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/466)، ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/167)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/253)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/815 و825)، ((المعاملات المالية)) للدبيان (7/143). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ: بالأصلِ، والقَواعِدِ:
1- مِنَ الأصلِ:
فالأصلُ في المُسلمِ تَعاطي العَقدِ الصَّحيحِ؛ لأنَّ تَعاطيَ المُسلمينَ للعُقودِ الصَّحيحةِ أكثَرُ مِن تَعاطيهم للعُقودِ الفاسِدةِ، ولأنَّ الظَّاهرَ مِنَ العُقودِ الجاريةِ بَينَ المُسلمينَ الصِّحَّةُ، فأصبَحَ الأصلُ والظَّاهرُ يُؤَيِّدُ قَولَ مُدَّعي الصِّحَّةِ [4861] يُنظر: ((المعاملات المالية)) للدبيان (7/141). .
2- مِنَ القَواعِدِ:
يُستَدَلُّ لها بقاعِدةِ: (الأصلُ في العُقودِ الجَوازُ).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- يَجوزُ بَيعُ الثِّمارِ ذي الأجناسِ المُختَلفةِ إذا بَدا صَلاحُ بَعضِها لحاجةِ النَّاسِ إلى ذلك، ولعَدَمِ الدَّليلِ المُحَرِّمِ، والنَّهيُ عن بَيعِ الثَّمَرِ قَبلَ بُدُوِّ صَلاحِه ليس عامًّا عُمومًا لفظيًّا في كُلِّ ثَمَرةٍ في الأرضِ، ولَكِنَّه عامٌّ لكُلِّ ما عَهِدَه المُخاطَبونَ وما في مَعناه، وما عَداه فيبقى على الحِلِّ [4862] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/816). .
2- مَسألةُ "مُدُّ عَجوةٍ"، وضابطُها: أن يَبيعَ رِبَويًّا بجِنسِه ومَعَهما أو مَعَ أحَدِهما ما ليس مِن جِنسِه، مِثلُ أن يَكونَ غَرَضُهما بَيعَ فِضَّةٍ بفِضَّةٍ مُتَفاضِلًا ونَحوَ ذلك، فيَضُمُّ إلى الفِضَّةِ القَليلةِ عِوضًا آخَرَ، حَتَّى يَبيعَ ألفَ دينارٍ في مِنديلٍ بألفَي دينارٍ، فإذا كان المَقصودُ بَيعَ الرِّبَويِّ بجِنسِه مُتَفاضِلًا حَرُمَت مَسألةُ "مُدُّ عَجوةٍ"، وإذا لم يَشتَمِلْ على الرِّبا المُحَرَّمِ فالرَّاجِحُ الجَوازُ؛ إذِ الأصلُ حَملُ العُقودِ على الصِّحَّةِ [4863] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/28، 466). .
3- تَجوزُ المُزارَعةُ، وهيَ استِئجارُ الأرضِ بمِقدارٍ شائِعٍ مِمَّا يَخرُجُ مِنها، كالشَّطرِ والثُّلُثِ ونَحوِ ذلك؛ لأنَّ الأصلَ في العُقودِ الحِلُّ، وليس هناكَ ما يَدُلُّ على التَّحريمِ [4864] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/816). .
4- إذا قال المُدَّعي: بِعتُ أو تَزَوَّجتُ، فإنَّ ذلك يَكفيه، ولا يَحتاجُ لذِكرِه الأركانَ، فيُحمَلُ العَقدُ على الصِّحَّةِ؛ لأنَّ الأصلَ في عُقودِ المُسلمينَ الصِّحَّةُ [4865] يُنظر: ((لوامع الدرر)) للمجلسي الشنقيطي (12/86). .
5- إذا ادَّعى أحَدُ المُتَعاقِدَينِ أنَّه لم يَكُنْ رَشيدًا عِندَ تَصَرُّفِه، بَل كان سَفيهًا أو مَحجورًا عليه، وأنكَرَ ذلك المُتَعاقِدُ الآخَرُ، ولا بَيِّنةَ لأحَدِهما، لم يُقبَلْ قَولُ مُدَّعي الفسادِ بمُجَرَّدِ دَعواه إلَّا ببَيِّنةٍ تَشهَدُ له؛ لأنَّ الأصلَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ [4866] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/826). .
6- إذا ادَّعى المُؤَجِّرُ فسادَ العَقدِ، وأنكَرَ المُستَأجِرُ ذلك، فالقَولُ قَولُه؛ لأنَّ الأصلَ في عُقودِ المُسلمينَ الصِّحَّةُ [4867] يُنظر: ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (2/826). .

انظر أيضا: