موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الأوَّلُ: التَّمليكُ للمَجهولِ لا يَصِحُّ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّمليكُ للمَجهولِ لا يَصِحُّ" [4782] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/446). ، وصيغةِ: "إثباتُ المِلكِ للمَجهولِ مُتَعَذِّرٌ" [4783] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/192). ، وصيغةِ: "إثباتُ المِلكِ للمَجهولِ لا يَتَحَقَّقُ" [4784] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (6/221). ، وصيغةِ: "تَمليكُ غَيرِ المُعَيَّنِ لا يَصِحُّ" [4785] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/ 251)، ((منار السبيل)) لابن ضويان (2/ 7). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إثباتُ المِلكيَّةِ لأيِّ شَخصٍ أو جِهةٍ أو عَينٍ مُعَيَّنةٍ لا يُمكِنُ أن يَكونَ صَحيحًا أو مُعتَبَرًا إذا كان ذلك الشَّخصُ أو تلك الجِهةُ أوِ الشَّيءُ المَملوكُ مَجهولًا، فلا يُمكِنُ للشَّريعةِ الإسلاميَّةِ أن تُقِرَّ مِلكيَّةً لشَخصٍ غَيرِ مَعلومٍ أو لعَينٍ غَيرِ مُحَدَّدةٍ؛ لأنَّ إثباتَ المِلكيَّةِ يَستَلزِمُ الوُضوحَ في المالكِ والمَملوكِ [4786] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (6/192)، ((الفتاوى الهندية)) (6/221)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (2/446). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ الإيجابَ والقَبولَ رُكنٌ مِن أركانِ العَقدِ، فإذا كان مَن سَيَنتَقِلُ المِلكُ إلَيه مَجهولًا فلَن يَحصُلَ مِنه قَبولٌ [4787] يُنظر: ((معلمة زايد)) (14/41). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الوصيَّةُ لقَومٍ لا يُحصَونَ باطِلةٌ إذا لَم يَكُنْ في اللَّفظِ ما يُنبئُ عَنِ الحاجةِ، وإن كان فيه ما يُنبئُ عَنِ الحاجةِ فالوصيَّةُ جائِزةٌ؛ لأنَّهم إذا كانوا لا يُحصَونَ، ولَم يُذكَرْ في اللَّفظِ ما يَدُلُّ على الحاجةِ، وقَعَتِ الوصيَّةُ تَمليكًا مِنهم، وهم مَجهولونَ، والتَّمليكُ مِنَ المَجهولِ جَهالةً لا يُمكِنُ إزالَتُها لا يَصِحُّ [4788] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/342). .
2- لا يَصِحُّ الإقرارُ بتَمليكِ شَيءٍ لشَخصٍ مَجهولٍ؛ لأنَّ المَجهولَ لا يَصلُحُ مُستَحقًّا [4789] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/ 289). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءاتٌ:
1- الجَعالةُ: فإنَّها تَمليكٌ لمَجهولٍ، وجَهالةُ عَينِه غَيرُ مُؤَثِّرةٍ في الحُكمِ؛ فهيَ تَصِحُّ مِن غَيرِ مُعَيَّنٍ، كَقَوله: "مَن جاءَني بكَذا فلَه ألفُ ريالٍ"، وإن لَم يُعَيِّنِ الجائيَ به، فأيُّ النَّاسِ جاءَ به فلَه ذلك المَبلَغُ خِلافًا للإجارةِ؛ فهيَ لا تَصِحُّ إلَّا مَعَ مَن يَتَعَيَّنُ العَقدُ عليه؛ لأنَّ الأصلَ في الجَعالةِ أنَّها مَوضوعةٌ على التَّعاوُنِ والإرفاقِ [4790] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (8/ 31). .
2- الوقفُ على المَساجِدِ: لأنَّ الوَقفَ هنا إنَّما هو على عُمومِ المُسلمينَ [4791] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/ 251). .
3- الوصيَّةُ في سَبيلِ اللهِ تَعالى: لأنَّه مِنَ القُرُباتِ وتَصَرُّفٌ إلى الغُزاةِ مِن أهلِ الزَّكاةِ لثُبوتِ هذا الاسمِ لَهم في عُرفِ الشَّرعِ، فيُشتَرَطُ أن لا يَكونَ جِهةَ مَعصيةٍ، كَعِمارةِ كَنيسةٍ للتَّعَبُّدِ فيها، وكِتابةِ التَّوراةِ والإنجيلِ وقِراءَتِهما [4792] يُنظر: ((الإقناع)) للشربيني (2/ 397). .

انظر أيضا: