موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ لا يَصِحُّ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ لا يَصِحُّ" [4793] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/2)، ((عمدة القاري)) للعيني (12/273). ، وصيغةِ: "التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ باطِلٌ" [4794] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/167). ، وصيغةِ: "التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ جَهالةٌ لا يُمكِنُ إزالَتُها لا يَصِحُّ" [4795] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/342). ، وصيغةِ: "التَّمليكُ مِنَ المَجهولِ لا يَكونُ" [4796] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (5/433). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
نَقلُ مِلكيَّةِ شَيءٍ مُعَيَّنٍ مِن شَخصٍ إلى آخَرَ لا يَكونُ صَحيحًا شَرعًا إلَّا إذا كان الشَّخصُ المُمَلِّكُ مَعلومًا، فإذا كان المالكُ الحَقيقيُّ مَجهولًا، فلا يَصِحُّ نَقلُ مِلكيَّةِ العَينِ [4797] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/2)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (5/433)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/342)، ((عمدة القاري)) للعيني (12/273). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ الإيجابَ والقَبولَ رُكنٌ مِن أركانِ العَقدِ، ولا يَتِمُّ العَقدُ إلَّا بهما في عُقودِ المُعاوضاتِ وكَثيرٍ مِن عُقودِ التَّبَرُّعاتِ، فإذا كان مَن سَيَنتَقِلُ المِلكُ مِنه مَجهولًا فلَن يَحصُلَ مِنه قَبولٌ [4798] يُنظر: ((معلمة زايد)) (14/49). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- اللُّقَطةُ نَوعانِ: أحَدُهما ما يُعلَمُ أنَّ مالكَه لا يَطلُبُه كَقُشورِ الرُّمَّانِ والنَّوى، والثَّاني: ما يُعلَمُ أنَّ مالكَه يَطلُبُه، فالنَّوعُ الأوَّلُ له أن يَأخُذَه ويَنتَفِعَ به، إلَّا أنَّ صاحِبَه إذا وجَدَه في يَدِه بَعدَ ما جَمَعَه كان له أن يَأخُذَه مِنه؛ لأنَّ إلقاءَ ذلك مِن صاحِبِه كان إباحةَ الانتِفاعِ به للواحِدِ، ولَم يَكُنْ تَمليكًا مِن غَيرِه؛ فإنَّ التَّمليكَ مِنَ المَجهولِ لا يَصِحُّ [4799] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/2)، ((الهداية)) للمرغيناني (2/418،417)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/304). .
2- المَواتُ الذي جَرى عليه مَجرى مِلكِ مُسلمٍ، ولا يُعرَفُ مالكُه، فإنَّه لا يُملَكُ؛ لأنَّها أرضٌ جَرى عليها مِلكُ مَن له حُرمةٌ، فلَم تُملَكْ بالإحياءِ كما لَو كان لَها مالكٌ مَوجودٌ، ولأنَّ التَّمليكَ مِنَ المَجهولِ لا يَصِحُّ [4800] يُنظر: ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (9/601)، ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/451). .
3- المالُ المَوجودُ في المَكانِ المَملوكِ ونَحوِه، ولا يُعرَفُ مالكُه، فإنَّه مالٌ ضائِعٌ يُحفظُ، ولا يَجوزُ تَمَلُّكُه، بَل يَحفظُه الإمامُ أو يَبيعُه ويَحفظُ ثَمَنَه، أو يَقتَرِضُه على بَيتِ المالِ [4801] يُنظر: ((حاشية عميرة على شرح المحلي على المنهاج)) (3/116)، ((الدر المختار)) للحصكفي (ص: 355). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استثناءٌ:
يُستَثنى مِنها المَجهولُ الذي يُئِسَ مِن مَعرِفتِه فأُنزِلَ مَنزِلةَ المَعدومِ؛ لقاعِدةِ: (يُنَزَّلُ المَجهولُ مَنزِلةَ المَعدومِ، وإن كان الأصلُ بَقاءَه، إذا يُئِسَ مِنَ الوُقوفِ عليه أو شَقَّ اعتِبارُهـ) [4802] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/ 315). .
ومِن صُوَرِ ذلك الاستِثناءِ:
1- اللُّقَطةُ: لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فإن وُجِدَ صاحِبُها فليَرُدَّها عليه، وإلَّا فهو مالُ اللهِ يُؤتيه مَن يَشاءُ )) [4803] لَفظُه: عَن عياضِ بنِ حِمارٍ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن وجَدَ لُقَطةً فليُشهِدْ ذا عَدلٍ أو ذَوي عَدلٍ، ولا يَكتُمْ ولا يُغَيِّبْ، فإن وجَدَ صاحِبَها فليَرُدَّها عليه، وإلَّا فهو مالُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ يُؤتيه مَن يَشاءُ)). أخرجه أبو داود (1709) واللفظ له، وابن ماجه (2505)، وأحمد (17481). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (4894)، ومحمد ابن عبد الهادي في ((تنقيح التحقيق)) (4/240)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/153)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1709)، والوادعي على شرط الشيخين في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1054). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (فبَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللُّقَطةَ التي عُرِف أنَّها مِلكٌ لمَعصومٍ وقد خَرَجَت عَنه بلا رِضاه إذا لَم يوجَدْ فقد آتاها اللهُ لمَن سَلَّطَه عليها بالالتِقاطِ الشَّرعيِّ) [4804] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 594). .
2- مَن ماتَ ولا وارِثَ له مَعلومٌ: وذلك إجماعًا، فقدِ (اتَّفقَ المُسلمونَ على أنَّه مَن ماتَ ولا وارِثَ له مَعلومٌ فمالُه يُصرَفُ في مَصالحِ المُسلمينَ مَعَ أنَّه لا بُدَّ في غالبِ الخَلقِ أن يَكونَ له عَصَبةٌ بَعيدٌ، لَكِن جُهلَت عَينُه ولَم تُرجَ مَعرِفتُه، فجُعِلَ كالمَعدومِ) [4805] ((مجموع الفتاوى)) (28/ 594). .
3- المَفقودُ بَعدَ مُدَّةِ انتِظارِه: فإنَّه يُقسَمُ مالُه وتُباحُ زَوجَتُه؛ تَنزيلًا له مَنزِلةَ المَعدومِ [4806] يُنظر: ((شرح تحفة أهل الطلب)) لعبد الكريم اللاحم (ص: 354). .

انظر أيضا: