موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: مِن القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ المَنافِعُ تُملَكُ كالأعيانِ: مَن مَلَكَ مَنفعةَ عَينٍ بعَقدٍ، ثُمَّ مَلَكَ العَينَ بسَبَبٍ آخَرَ، هَل يَنفسِخُ العَقدُ الأوَّلُ أم لا؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن مَلَكَ مَنفعةَ عَينٍ بعَقدٍ، ثُمَّ مَلَكَ العَينَ بسَبَبٍ آخَرَ؛ هَل يَنفسِخُ العَقدُ الأوَّلُ أم لا؟" [4765] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/222). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الشَّخصُ الذي يَملكُ مَنفعةَ عَينٍ مُعَيَّنةٍ بعَقدٍ مِثلُ عَقدِ الإجارةِ أوِ العاريَّةِ، ثُمَّ أصبَحَ مالكًا لذاتِ العَينِ نَفسِها بسَبَبٍ آخَرَ مِثلُ الشِّراءِ، أوِ الإرثِ، أوِ الهبةِ، فهَل يَجمَعُ بَينَ مِلكيَّةِ المَنفعةِ ومِلكيَّةِ العَينِ مَعًا بالعَقدَينِ، أو يَنفسِخُ العَقدُ الأوَّلُ بطُروءِ العَقدِ الثَّاني؟ لَها صورَتانِ:
الصُّورةُ الأولى: أن يَكونَ العَقدُ الذي مَلَكَ به المَنفعةَ عَقدًا مُؤَبَّدًا: فإن لَم يَكُنْ عَقدَ مُعاوضةٍ؛ بأن كان عَقدَ هبةٍ مَثَلًا فلا مَعنى لانفِساخِه؛ فإنَّه يَجتَمِعُ له مِلكُ المَنفعةِ بالعَقدَينِ، ولا ضَرَرَ في ذلك، فهو كما لَو كان مَلَكَه للمَنفعةِ بغَيرِ عَقدٍ، وإن كان عَقدَ مُعاوضةٍ وهو النِّكاحُ انفسَخَ بمِلكِ الرَّقَبةِ؛ لأنَّه مِلكٌ ضَعيفٌ ومُختَلَفٌ في مَورِدِه؛ هَل هو المَنفعةُ أوِ الانتِفاعُ، ويَختَصُّ بمَنفعةِ البُضعِ، ويُملَكُ به الاستِمتاعُ بنَفسِه دونَ المُعاوضةِ عليه، فلا يَجتَمِعُ مَعَ المِلكِ القَويِّ، وهو مِلكُ الرَّقَبةِ، بَل يَندَفِعُ به.
والصُّورةُ الثَّانيةُ: أن يَكونَ العَقدُ المَملوكُ به المَنفعةُ غَيرَ مُؤَبَّدٍ؛ كالإجارةِ، فإذا مَلَكَ العَينَ بَعدَ ذلك؛ فهَل يَنفسِخُ؟ فيه وجهانِ [4766] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/222، 223). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ، وذلك على النَّحوِ التَّالي:
1- الدَّليلُ على انفِساخِ العَقدِ الأوَّلِ إن كانتِ المَنفعةُ مُؤَبَّدةً وكان العَقدُ مُعاوضةً:
أنَّه قدِ اجتَمَعَ له مِلكُ الرَّقَبةِ بجَميعِ مَنافِعِها بجِهةٍ، ومِلكُ البُضعِ بجِهةٍ أُخرى ضَعيفةٍ؛ فبَطَلَت خُصوصيَّاتُ الجِهةِ الضَّعيفةِ كُلُّها؛ لمَصيرِه مالكًا للجَميعِ مِلكًا تامًّا، وهذا صَحيحٌ؛ فإنَّه لا يُمكِنُ بَعدَ هذا المِلكِ أن يُقال: إنَّه يَملكُ الانتِفاعَ بالبُضعِ دونَ مَنفعَتِه، ولا إنَّه يَملكُ الانتِفاعَ به بنَفسِه دونَ المُعاوضةِ عليه؛ فتَعَيَّنَ إلغاءُ خُصوصيَّاتِ عَقدِ النِّكاحِ كُلِّها [4767] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/223). .
2- الدَّليلُ على انفِساخِ العَقدِ الأوَّلِ إن كانتِ المَنفعةُ غَيرَ مُؤَبَّدةٍ وكان العَقدُ مُعاوضةً:
أنَّه مَلَكَ الرَّقَبةَ فبطَلَ مِلكُ المَنفعةِ لمَصيرِه مالكًا للجَميعِ مِلكًا تامًّا [4768] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/223). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- لَو اشتَرى المُستَأجِرُ العَينَ المُستَأجَرةَ مِن مُؤَجِّرِها ففي انفِساخِ الإجارةِ وجهانِ عِندَ الحَنابلةِ:
أحَدُهما: تَنفسِخُ؛ لأنَّه مَلَكَ الرَّقَبةَ، فبَطَلَ مِلكُ المَنفعةِ، والثَّاني: لا تَنفسِخُ، وهو اختيارُ الأكثَرينَ؛ لأنَّ المَنافِعَ مَلَكَها أوَّلًا بجِهةِ الإجارةِ وخَرَجَت عَن مِلكِ المُؤَجِّرِ، والبَيعُ بَعدَ ذلك يَقَعُ على ما يَملكُه البائِعُ، وهو العَينُ المَسلوبةُ النَّفعِ، فصارَ كما لَوِ اشتَرى العَينَ الموصى بمَنافِعِها مِنَ الورَثةِ، واستَأجَرَ المَنافِعَ مِن مالكِها في عَقدٍ أو عَقدَينِ؛ فإنَّ الإجارةَ لا تَنفسِخُ بغَيرِ خِلافٍ، ولا مُنافاةَ بَينَ ثُبوتِ البَيعِ والإجارةِ، بخِلافِ النِّكاحِ [4769] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/224،223). .
2- لَو اشتَرى طَلعًا لَم يُؤَبَّرْ في رُؤوسِ نَخلِه بشَرطِ قَطعِه، ثُمَّ اشتَرى أصلَه في الحالِ؛ فهَل يَتَخَرَّجُ انفِساخُ البَيعِ في الطَّلعِ على ما مَرَّ مِنَ الوجهَينِ؛ لأنَّه بمَنزِلةِ المَنفعةِ لتَبَعِه في البَيعِ، أم لا؛ لأنَّه عَينٌ مُستَقِلَّةٌ؟ فيه تَرَدُّدٌ، والمَجزومُ به في «الكافي» لابنِ قُدامةَ: أنَّه لا يَنفسِخُ بغَيرِ خِلافٍ [4770] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/226). .

انظر أيضا: