المَطلَبُ الثَّاني: مِن القَواعِدِ المُندَرِجةِ تَحتَ قاعِدةِ المُحَرَّمُ لا يَحِلُّ مِلكُه: مالُ المُسلمينَ لا يُملَكُ بالاستيلاءِ عليه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ. استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مالُ المُسلمينَ لا يُملَكُ بالاستيلاءِ عليه"
[4518] يُنظر: ((الإقناع)) لأبي شجاع (1/225). ، وصيغةِ: "مالُ المُسلمينَ لا يُغنَمُ"
[4519] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/65)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/322). ، وصيغةِ: "المُسلمُ وما في يَدِه لا يُغنَمُ"
[4520] يُنظر: ((الفتاوى الهندية)) (2/224). ، وصيغةِ: "مالُ المُسلمِ لا يُملَكُ بالاستيلاءِ عليه"
[4521] يُنظر: ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/367)، ((العزيز)) للرافعي (3/138). ، وصيغةِ: "مالُ المُسلمِ لا يَصيرُ غَنيمةً للمُسلمينَ بحالٍ"
[4522] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 1035). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. مالُ المُسلمِ إذا استَولى عليه شَخصٌ آخَرُ بغَيرِ وَجهِ حَقٍّ، فإنَّ هذا الاستيلاءَ لا يُؤَدِّي إلى انتِقالِ مِلكيَّةِ المالِ إلى المُستَولي، بَل يَبقى المالُ على مِلكيَّةِ صاحِبِه الأصليِّ، ويُعتَبَرُ الاستيلاءُ عليه ظُلمًا وعُدوانًا، وهذا يَتَّفِقُ مَعَ مَبادِئِ الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ التي تَحمي مِلكيَّةَ الأفرادِ وتُجَرِّمُ الاعتِداءَ عليها، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (المُحَرَّمُ لا يَحِلُّ مِلكُهـ)
[4523] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/65)، ((المحيط البرهاني)) لابن مازه (2/367)، ((العزيز)) للرافعي (3/138)، ((الإقناع)) لأبي شجاع (1/225)، ((رد المحتار)) لابن عابدين (2/322). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. دلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ:
فعَن أبي هرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، عَصَمَ مِنِّي مالَه ونَفسَه إلَّا بحَقِّه وحِسابُه على اللهِ )) [4524] أخرجه البخاري (6924)، ومسلم (21). .
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّ مالَ المُسلمِ مَعصومٌ، فلا يُملَكُ إلَّا بطُرُقِ التَّمَلُّكِ المَشروعةِ
[4525] يُنظر: ((شرح مختصر الطحاوي)) للجصاص (6/137)، ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (2/53). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- الكَنزُ إن وُجِدَ في دارِ الإسلامِ في أرضٍ غَيرِ مَملوكةٍ كالجِبالِ والمَفاوِزِ وغَيرِها، فإن كان به عَلامةُ الإسلامِ فهو بمَنزِلةِ اللُّقَطةِ يُصنَعُ به ما يُصنَعُ باللُّقَطةِ؛ لأنَّه إذا كان به عَلامةُ الإسلامِ كان مالَ المُسلمينَ، ومالُ المُسلمينَ لا يُغنَمُ، إلَّا أنَّه مالٌ لا يُعرَفُ مالكُه فيَكونُ بمَنزِلةِ اللُّقَطةِ، وإن عُرِف مالكُه وجَبَ رَدُّه إليه
[4526] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/65)، ((العزيز)) للرافعي (3/138)، ((الإقناع)) لأبي شجاع (1/225)، ((خزانة المفتين)) للسَّمَنْقَاني (ص: 922). .
2- لَو أسلَف رَجُلٌ مِائةَ دِرهَمٍ في حِنطةٍ إلى أجَلٍ، فلَمَّا حَلَّ الأجَلُ جاءَ يَكتالُه مِنه، فقامَتِ البَيِّنةُ أنَّ الدَّراهمَ كانت مَسروقةً، فلَيسَ بَينَهما بَيعٌ، وتُؤخَذُ مِنه الدَّراهمُ المَسروقةُ
[4527] يُنظر: ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) (6/2898). .
3- يَلزَمُ الغاصِبَ رَدُّ المَغصوبِ بزيادَتِه وضَمانُ نَقصِه، وإن كان للمَغصوبِ أُجرةٌ فعليه أُجرةُ مِثلِه مُدَّةَ بَقائِه في يَدِه؛ لأنَّ مالَ المُسلمِ لا يُملَكُ بالاستيلاءِ عليه
[4528] يُنظر: ((الجامع لعلوم الإمام أحمد)) (9/548). .
4- إذا باعَ المَغصوبَ وسَلَّمَه، ثُمَّ باعَه المُشتَري مِن غَيرِه حَتَّى تَناسَخَته بُيوعٌ، ثُمَّ أجازَ المالكُ بَيعًا مِن تلك البُيوعِ، فإنَّه يَنفُذُ ما أجازَه خاصَّةً عِندَ الحَنَفيَّةِ؛ لأنَّ الغَصبَ لا يُزيلُ مِلكَه، فكُلُّ بَيعٍ مِن هذه البُيوعِ يوقَفُ على إجازَتِه لمُصادَفتِه مِلكَه، فتَكونُ إجازَتُه لأحَدِ البُيوعِ تَمليكًا للعَينِ مِنَ المُشتَري بحُكمِ ذلك البَيعِ فلا يَنفُذُ ما سِواه
[4529] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (24/96). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استثناءٌ: يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ ما لا قيمةَ له مِن لُقَطةِ المُسلمينَ:
قال ابنُ بَطَّالٍ: (أموالُ المُسلمينَ لا يَحرُمُ مِنها إلَّا ما له قيمةٌ ويُتَشاحُّ في مِثلِه، وأمَّا التَّمرةُ واللُّبابةُ مِنَ الخُبزِ أوِ التِّينةُ أوِ الزَّبيبةُ وما أشبَهَ ذلك، فقد أجمَعوا على أخذِها ورَفعِها مِنَ الأرضِ وإكرامِها بالأكلِ دونَ تَعريفِها)
[4530] ((شرح صحيح البخاري)) (6/ 198). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش