الفرعُ الثَّاني: مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ الإقرارَ به
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ الإقرارَ بهـ)
[4473] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (6/556)، ((المحرر في الفقهـ)) لمجد الدين ابن تيمية (2/362). ، وصيغةِ: (مَن مَلَكَ فِعلَ شَيءٍ مَلَكَ الإقرارَ بهـ)
[4474] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/337). ، وصيغةِ: (مَن مَلَكَ تَصَرُّفًا مَلَكَ الإقرارَ بهـ)
[4475] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/178). ، وصيغةِ: (كُلُّ مَن مَلَكَ الإنشاءَ مَلَكَ الإقرارَ، ومَن لا يَملكُ الإنشاءَ لا يَملكُ الإقرارَ)
[4476] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (7/75). ، وصيغةِ: (مَن مَلَكَ الإنشاءَ مَلَكَ الإقرارَ)
[4477] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/37)، ((المنثور)) للزركشي (3/206). ، وصيغةِ: (مَن قدَرَ على الإنشاءِ قدَرَ على الإقرارِ)
[4478] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/47)، ((القواعد)) للحصني (4/169). ، وصيغةِ: (مَن مَلَكَ الإنشاءَ مَلَكَ الإقرارَ، ومَن لا فلا)
[4479] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/347)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 464). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مِلكَ إنشاءِ العُقودِ والتَّصَرُّفاتِ وإحداثِها مِلكُ الإقرارِ بها، أي: كما يَصِحُّ مِنه إنشاءُ التَّصَرُّفِ يَصِحُّ مِنه الإقرارُ بأنَّه قامَ بالتَّصَرُّفِ سابقًا والتَزَمَ آثارَه، ومَن لا يَملكُ إنشاءَ التَّصَرُّفِ الآنَ فلا يَملكُ الإقرارَ به في الماضي، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ فرعًا لقاعِدةِ (مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ ما هو مِن ضَروراتِه وتَوابعِهـ)
[4480] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (7/75)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/47)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/347)، ((المنثور)) للزركشي (3/206)، ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 464). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ. يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقياسِ:
وذلك بقياسِ أهليَّةِ الإقرارِ على أهليَّةِ الإنشاءِ قياسَ أَولى، وذلك لأنَّ الإقرارَ مُجَرَّدُ إخبارٍ عَنِ الإنشاءِ، فمَن مَلَكَ الإنشاءَ مَلَكَ الإقرارَ، ومَن لا يَملكُ الإنشاءَ لا يَملكُ الإقرارَ
[4481] يُنظر: ((معلمة زايد)) ((25/226). ويُنظر أيضًا: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (7/ 57). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ:
1- إذا اختَلَفا في الرَّجعةِ والعِدَّةُ باقيةٌ، فقال الزَّوجُ: راجَعتُكِ، وقالت: لَم تُراجِعْني، فالقَولُ فيها قَولُ الزَّوجِ؛ لأنَّها حالٌ تُملَكُ فيها الرَّجعةُ، فمَلَك الإقرارَ فيها بالرَّجعةِ كالطَّلاقِ، وإذا مَلَكَه الزَّوجُ مَلَكَ الإقرارَ به
[4482] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (10/319). ، وإذا انقَضَت عِدَّتُها وأقَرَّ بأنَّها كان قد راجَعَها في العِدَّةِ لَم يُقبَلْ قَولُه؛ لأنَّه لَو أرادَ إنشاءَ الرَّجعةِ في الوقتِ الذي أقَرَّ فيه بالرَّجعةِ لَم يَقدِرْ على ذلك؛ لمُصادَفتِه انقِضاءَ العِدَّةِ، وإذا كان كذلك لَم نَحكُمْ بصِحَّةِ إقرارِه؛ عَمَلًا بالقاعِدةِ
[4483] يُنظر: ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (14/199). .
2- إنِ اختَلَف رَجُلانِ، فقال أحَدُهما: قد حَكَمَ لي الحاكِمُ بكَذا، وأنكَرَ الآخَرُ، فقال الحاكِمُ: حَكَمتُ، وهو في مَحَلِّ وِلايَتِه باقٍ عليها- قُبلَ قَولُه وحدَه؛ لأنَّه قادِرٌ على الإنشاءِ، ومَن قدَرَ على الإنشاءِ قدَرَ على الإقرارِ، كالزَّوجِ لَمَّا قدَرَ على إنشاءِ الطَّلاقِ قدَرَ على الإقرارِ به
[4484] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (16/337)، ((بحر المذهب)) للروياني (14/50)، ((الكافي)) لابن قدامة (4/245)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (18/311). .
3- إقرارُ الصَّبيِّ المَأذونِ له في التِّجارةِ بالدَّينِ والغَصبِ واستِهلاكِ المالِ جائِزٌ؛ لأنَّه مَتى مَلَكَ التِّجارةَ مَلَكَ ما هو مِن ضَروراتِها، ومِلكُ الإقرارِ بالدُّيونِ مِن ضَروراتِ التِّجارةِ؛ لأنَّه يَبيعُ ويَشتَري فيَلزَمُه الثَّمَنُ وتَسليمُ المَبيعِ فيَحتاجُ إلى أن يُقِرَّ بذلك؛ لأنَّ مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ الإقرارَ به، ولأنَّه لَو لَم يَملِكْ لامتَنَعَ النَّاسُ مِنَ المُبايَعةِ مَعَه خَوفًا مِن ذَهابِ أموالِهم بسَبَبِ التِّجارةِ مَعَه، فيُؤَدِّي إلى انقِطاعِ تِجارَتِه، فوجَبَ أن يَملكَ ضَرورةَ مالكيَّتِه التِّجارةَ، وهذا في دُيونِ التِّجارةِ أو ما هو في مَعنى دُيونِ التِّجارةِ، فإذا أقَرَّ بغَصبٍ أوِ استِهلاكِ مالٍ يَصِحُّ؛ لأنَّه في مَعنى دَينِ التِّجارةِ؛ لأنَّه دَينٌ يَلزَمُه بعِوضٍ يُسَلَّمُ له
[4485] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (5/221). .
4- يُقبَلُ إقرارُ الأبِ في حَقِّ البكرِ البالغِ بالنِّكاحِ؛ لأنَّه يَملكُ إنشاءَه، ومَن مَلَكَ الإنشاءَ مَلَكَ الإقرارَ
[4486] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (3/206)، ((عجالة المحتاج)) لابن الملقن (3/1204). .
خامسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ. استثناءٌ: قال الزَّركَشيُّ: (يُستَثنى صورٌ:
إحداها: الوكيلُ يَملكُ إنشاءَ التَّصَرُّفِ ولا يَملكُ الإقرارَ به إذا نازَعَه الموكِّلُ، فإذا قال الوكيلُ: أتَيتُ بالتَّصَرُّفِ المَأذونِ فيه، وأنكَرَه الموكِّلُ، لَم يُقبَلْ قَولُ الوكيلِ في الأصَحِّ مَعَ قُدرَتِه على الإنشاءِ.
الثَّانيةُ: وليُّ الطِّفلِ يَملكُ إنشاءَ التَّصَرُّفِ في أموالِه، ولَو قال في عَينٍ مِنها: هذا لفُلانٍ، لَم يُقبَلْ في الأصَحِّ، قاله في التَّهذيبِ في بابِ تِجارةِ الوصيِّ بمالِ اليَتيمِ.
الثَّالثةُ: وليُّ السَّفيه يَملكُ إنشاءَ النِّكاحِ عليه، ولا يَملكُ إقرارَه به.
الرَّابعةُ: إنشاءُ نِكاحِ الثَّيِّبِ إلى وليِّها، ولا يَملكُ الإقرارَ به. لَو قال: زَوَّجتُ أُختي أمسِ مِن فُلانٍ، لَم يُقبَلْ عليها، وفي استِثناءِ هذه والَّتي قَبلَها تَجَوُّزٌ؛ لأنَّه لا يَملكُ الإنشاءَ مُستَقِلًّا.
الخامِسةُ: إقرارُ السَّفيهِ بإتلافِ المالِ لا يُقبَلُ في الأصَحِّ مَعَ أنَّه لَو أنشَأ الإتلافَ لَضَمِنَ، وفي هذه تَجَوُّزٌ؛ لأنَّ المُعتَبَرَ القُدرةُ على إنشاءٍ سائِغٍ، نَعَم لَو قيلَ: وأُبيحَ له فِعلُه لَم يَحتَجْ إلى استِثنائِها.
السَّادِسةُ: الرَّاهنُ الموسِرُ يَملكُ إنشاءَ العِتقِ في الأظهَرِ، ولَو قال بَعدَ الرَّهنِ: كُنتُ أعتَقتُه، لَم يُقبَلْ.
السَّابعةُ: لَو ولَدَتِ المَرهونةُ فقال الرَّاهنُ: قد وطِئتُها بإذنِكِ فأتَت به مِنِّي وهيَ أُمُّ ولَدٍ، وقال المُرتَهنُ: بَل هو مِن زَوجٍ أو زِنًا، فالقَولُ قَولُ الرَّاهنِ إذا وافقَه المُرتَهنُ على الإذنِ في الوطءِ والوِلادةِ، وإن سَلَّمَ الإذنَ ولَم يُسَلِّمِ الوطءَ فالقَولُ قَولُ المُرتَهنِ عِندَ المُعظَمِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُه، وقال ابنُ كَجٍّ والإمامُ: القَولُ قَولُ الرَّاهنِ؛ لأنَّه أخبَرَ عَمَّا يَقدِرُ على إنشائِه، ومَن لا يَملكُ الإنشاءَ لا يَملكُ الإقرارَ؛ ولهذا لا يُقبَلُ إقرارُ الوليِّ بالنِّكاحِ في الثَّيِّبِ؛ لأنَّه لا يَملكُ الإجبارَ بهـ)
[4487] ((المنثور)) (3/208،207). ويُنظر أيضًا: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (7/75)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (13/27). .
وقال المَنقورُ: (وإمَّا اختِلالُ عَكسِه؛ ففي مَسائِلَ:
إحَداها: أنَّ العاقِدَ لا يَملكُ إنشاءَ إرقاقِ نَفسِه، ولَو أقَرَّ به قُبلَ؛ فهذا عاجِزٌ عَنِ الإنشاءِ، قادِرٌ على الإقرارِ.
الثَّانيةُ: المَرأةُ عاجِزةٌ عَن إنشاءِ النِّكاحِ، ولَو أقَرَّت به قُبلَ إقرارُها.
الثَّالثةُ: لَو أقَرَّ العَبدُ المَأذونُ بَعدَ الحَجرِ عليه بدَينٍ قُبلَ إقرارُه، ولَم يَملكِ الإنشاءَ.
الرَّابعةُ: لَو أقَرَّ المَريضُ لأجنَبيٍّ أنَّه وهَبَه في الصِّحَّةِ ما يَزيدُ على الثُّلُثِ قُبلَ إقرارُه في أصَحِّ الرِّوايَتَينِ، ولَم يَملكِ الإنشاءَ)
[4488] ((الفواكه العديدة)) (2/343). .