موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: مَن جَرى له سَبَبٌ يَقتَضي المُطالَبةَ بالتَّمليكِ هَل يُعطى حُكمَ مَن مَلَكَ؟


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن جَرى له سَبَبٌ يَقتَضي المُطالَبةَ بالتَّمليكِ هَل يُعطى حُكمَ مَن مَلَكَ؟" [4440] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/21). ، وصيغةِ: "مَن مَلَكَ أن يَملِكَ هَل يُعَدُّ مالكًا أم لا؟" [4441] يُنظر: ((التنبيه على مبادئ التوجيهـ)) لأبي الطاهر ابن بشير (2/847،830،810)، ((عقد الجواهر الثمينة)) لابن شاس (1/43)، ((الفروق)) للقرافي (3/20). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
إذا انعَقدَ للشَّخصِ سَبَبٌ شَرعيٌّ يَقتَضي انتِقالَ مِلكيَّةِ شَيءٍ ما إلَيه هَل يُعتَبَرُ مالكًا فِعليًّا بمُجَرَّدِ وُجودِ هذا السَّبَبِ، أم أنَّ المِلكيَّةَ لا تَثبُتُ له إلَّا بَعدَ استِكمالِ إجراءاتِ التَّمليكِ أوِ انتِقالِ الحيازةِ فِعلًا؟ في ذلك خِلافٌ؛ حَيثُ إنَّ مَنِ انعَقدَ له سَبَبٌ يَقتَضي المُطالَبةَ بالتَّمليكِ فهو مُناسِبٌ لأن يُعَدَّ مالكًا مِن حَيثُ الجُملةُ؛ تَنزيلًا لسَبَبِ السَّبَبِ مَنزِلةَ السَّبَبِ، وإقامةً للسَّبَبِ البَعيدِ مَقامَ السَّبَبِ القَريبِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (اليَدُ دَليلُ المِلكِ) [4442] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/21)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/187)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/164). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بما استَقَرَّ لَدى الفُقَهاءِ مِن أنَّ القادِرَ على الكَسبِ يُنَزَّلُ مَنزِلةَ واجِدِ المالِ، وقاعِدَتُها (تَنزيلُ الاكتِسابِ مَنزِلةَ المالِ الحاضِرِ) [4443] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 180). ، وهو بمَعنى قَولِهم: (ما قارَبَ الشَّيءَ يُعطى حُكمَهـ) [4444] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 182). .
ويُستَدَلُّ لَها أيضًا بقاعِدةِ: (مَن مَلَكَ شَيئًا بعِوَضٍ مَلَكَ عليه عِوَضَه في آنٍ واحِدٍ) [4445] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (1/316). ، فالعِوضُ يُملَكُ في وقتِ مِلكِ المُعَوَّضِ، فبمُجَرَّدِ العَقدِ يَملكُ المُشتَري السِّلعةَ، ويَملكُ البائِعُ الثَّمَنَ. ومَعنى هذا أنَّه يَستَحِقُّ بذلك المُطالَبةَ إذا حَصَلَت مُماطَلةٌ. فمَثَلًا لَو أنَّ أحَدَ العِوضَينِ مُؤَجَّلٌ والآخَرَ حالٌّ، فالذي عِوضُه حالٌّ له أن يُطالبَ بالتَّسليمِ.
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تحتَ هذه القاعِدةِ بعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا حيزَتِ الغَنيمةُ فقدِ انعَقدَ للمُجاهدينَ سَبَبُ المُطالَبةِ بالقِسمةِ والتَّمليكِ، فهَل يُعَدُّونَ مالكينَ لذلك أم لا؟ قَولانِ؛ فقيلَ: يَملكونَ بالحَوزِ والأخذِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيِّ، وقيلَ: لا يَملكونَ إلَّا بالقِسمةِ، وهو مَذهَبُ مالكٍ [4446] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/21)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/189). .
2- العامِلُ في المُضارَبةِ وُجِدَ في حَقِّه سَبَبٌ يَقتَضي المُطالَبةَ بالقيمةِ، وإعطاءَ نَصيبِه مِنَ الرِّبحِ، فهَل يُعَدُّ مالكًا أو لا يَملكُ إلَّا بالقِسمةِ؟ قَولانِ عِندَ المالكيَّةِ بناءً على القاعِدةِ [4447] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/21). .
3- الفقيرُ وغَيرُه مِنَ المُسلمينَ له سَبَبٌ يَقتَضي أن يَملكَ مِن بَيتِ المالِ ما يَستَحِقُّه بصِفةِ فقرِه أو غَيرِ ذلك مِنَ الصِّفاتِ الموجِبةِ للاستِحقاقِ، كالقَضاءِ والفُتيا وغَيرِ ذلك مِمَّا شَأنُ الإنسانِ أن يُعطى لأجلِه، فإذا سَرَقَ هَل يُعَدُّ كالمالكِ فلا يَجِبُ عليه الحَدُّ لوُجودِ سَبَبِ المُطالَبةِ بالتَّمليكِ، أو يَجِبُ عليه القَطعُ؛ لأنَّه لا يُعَدُّ مالكًا، وهو المَشهورُ؟ قَولانِ بناءً على القاعِدةِ [4448] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (4/549)، ((الأم)) للشافعي (4/313)، ((مختصر القدوري)) (ص: 201)، ((الفروق)) للقرافي (3/21). .
4- مَن لا مالَ له ويَقدِرُ على التَّكَسُّبِ هَل يَجوزُ أخذُ الزَّكاةِ باعتِبارِ أنَّه لا مالَ له، أو لا يَجوزُ باعتِبارِ أنَّه قادِرٌ على التَّكَسُّبِ؟ فيه قَولانِ [4449] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/553)، ((المنثور)) للزركشي (3/57)، ((منار القاري)) لحمزة قاسم (3/44)، ((مواهب الجليل)) لأحمد الشنقيطي (1/425). ، وبَناه المالكيَّةُ على أنَّ مَن جَرى له سَبَبٌ يَقتَضي المُطالَبةَ بالتَّمليكِ هَل يُعطى حُكمَ مَن مَلَكَ أم لا؟ [4450] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/187)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/169). .
5- مَن وُهبَ له الماءُ في التَّيَمُّمِ، هَل يَبطُلُ تَيَمُّمُه بناءً على أنَّه يُعَدُّ مالكًا، أم لا يَبطُلُ بناءً على أنَّه لا يُعَدُّ مالكًا؟ [4451] يُنظر: ((الفروق)) للقرافي (3/ 20)، ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/ 187). .

انظر أيضا: