المَطلَبُ الأوَّلُ: مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ ما هو مِن ضَروراتِه
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ ما هو مِن ضَروراتِه"
[4452] يُنظر: ((حاشية الشلبي على تبيين الحقائق)) (6/31)، ((البناية)) للعيني (12/294)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 21). ، وصيغةِ: "مَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَه بحُقوقِه"
[4453] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/110). ، وصيغةِ: "الكَسبُ يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ"
[4454] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (8/40). ، وصيغةِ: "المُتَولِّدُ يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ"
[4455] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/95). ، وصيغةِ: "التَّبَعُ يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ"
[4456] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (23/195). .
ثانيًا: المعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ. تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ مَن مَلَكَ شَيئًا -سَواءٌ كان عَينًا أو تَصَرُّفًا- فإنَّه يَملكُ ما هو مِن لَوازِمِه عَقلًا أو عُرفًا؛ فإذا انتَقَلَت مِلكيَّةُ شَيءٍ مُعَيَّنٍ إلى شَخصٍ فإنَّه يَملكُ تِلقائيًّا ما يُعَدُّ مِن مُستَلزَماتِه ومُلحَقاتِه الضَّروريَّةِ التي لا يُمكِنُ الانتِفاعُ بالمَملوكِ إلَّا بها، فالمِلكيَّةُ في هذه القاعِدةِ لَيسَت مُقتَصِرةً على ذاتِ الشَّيءِ، بَل تَمتَدُّ لتَشمَلَ ما يُعتَبَرُ جُزءًا مِنه أو لازِمًا له بحَسَبِ العُرفِ أوِ الحاجةِ
[4457] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (1/53)، ((شرح القواعد الفقهية)) لأحمد الزرقا (ص: 261). .
ثالثًا: أدلَّةُ القاعِدةِ.يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بقاعِدةِ (التَّابعُ تابعٌ)، ويُضافُ إلَيها مِنَ السُّنَّةِ:
عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَنِ ابتاعَ نَخلًا بَعدَ أن تُؤَبَّرَ [4458] التَّأبيرُ هو: التَّلقيحُ، ومَعناه: شَقُّ طَلعِ النَّخلةِ الأُنثى ليوضَعَ فيه شَيءٌ مِن طَلعِ النَّخلةِ الذَّكَرِ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (12/ 10). فثَمَرَتُها للبائِعِ، إلَّا أن يَشتَرِطَ المُبتاعُ )) [4459] أخرجه البخاري (2379) واللفظ له، ومسلم (1543). .
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الحَديثَ دَلَّ بمَفهومِه على دُخولِ الثَّمَرةِ غَيرِ المُؤَبَّرةِ في البَيعِ مَعَ أنَّه لا يَشمَلُها اسمُ النَّخلةِ، ولَكِنَّها دَخَلَت باعتِبارِ اتِّصالها بالنَّخلةِ، وهو مَعنى القاعِدةِ
[4460] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (2/112)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/402)، ((سبل السلام)) للصنعاني (3/67). .
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ. مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- إن غَصَبَ حِنطةً فزَرَعَها ثُمَّ جاءَ صاحِبُها وقد أدرَكَ الزَّرعُ أو وهو بَقلٌ، فعليه حِنطةٌ مِثلُ حِنطَتِه، ولا سَبيلَ له على الزَّرعِ عِندَ الحَنَفيَّةِ، وعِندَ الشَّافِعيِّ الزَّرعُ له؛ لأنَّه مُتَولِّدٌ مِن مِلكِه، والمُتَولِّدُ يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ
[4461] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/95). .
2- إذا كانتِ الوديعةُ إبلًا، أو بَقَرًا، أو غَنَمًا، وصاحِبُها غائِبٌ، حَمَلَ عليها المُستَودَعُ؛ فنَتَجَت، ولَم يَكُنْ صاحِبُها أمَرَ بذلك: فأولادُها لصاحِبها؛ لأنَّ الولَدَ مُتَولِّدٌ مِنَ الأصلِ، يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ، وإن هَلَكَتِ الأُمَّهاتُ بذلك، فالمُستَودَعُ ضامِنٌ لَها؛ لأنَّه مُخالفٌ حينَ أتى بغَيرِ ما أُمِرَ به، فيَضمَنُ ما هَلَكَ بسَبَبه
[4462] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/126). .
3- لَو قال: الدَّارُ لفُلانٍ، ولَكِن هذا البَيتُ لي، أو قال: الدَّارُ لفُلانٍ وبناؤُها لي، أوِ الأرضُ لفُلانٍ ونَخلُها لي، أوِ النَّخلُ بأُصولها لفُلانٍ والثَّمَرةُ لي- لا يُصَدَّقُ في شَيءٍ مِن ذلك إلَّا بحُجَّةٍ؛ لأنَّ البناءَ تَبَعٌ للأصلِ، والنَّخلَ تَبَعٌ للأرضِ، والثَّمَرَ تَبَعٌ للنَّخلِ، والتَّبَعُ يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ؛ فكان هو في آخِرِ كَلامِه مُدَّعيًا لنَفسِه شَيئًا مِن مِلكِ الغَيرِ فلا يَستَحِقُّه إلَّا بحُجَّةٍ
[4463] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (18/74). .
4- لَو أقَرَّ أنَّ هذا اللَّبَنَ أو هذا السَّمنَ أو هذا الجُبنَ مِن بَقَرةِ فُلانٍ، أو هذا الصُّوفُ مِن غَنَمِه، أو هذا التَّمرُ مِن نَخلِه، وادَّعى فُلانٌ أنَّه له- أُمِرَ بالدَّفعِ إلَيه؛ لأنَّ الإقرارَ بمِلكِ شَيءٍ إقرارٌ بما يَتَولَّدُ مِنه؛ لأنَّه يُملَكُ بمِلكِ الأصلِ
[4464] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/23). .
5- مَن حَفرَ بئرًا في بَرِّيَّةٍ فلَه حَريمُها، ومَعناه: إذا حَفرَ في أرضٍ مَواتٍ بإذنِ الإمامِ؛ لأنَّ حَفرَ البئرِ إحياءٌ؛ لأنَّه يَصيرُ مُنتَفَعًا به، فإذا كان إحياءً فقد مَلَكَها، ومَن مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ ما هو مِن ضَروراتِه، والحَريمُ مِن ضَروراتِ الانتِفاعِ بالبئرِ فيَملِكُه
[4465] يُنظر: ((البناية)) للعيني (12/294،293). .