موسوعة القواعد الفقهية

الفرعُ الثَّاني: اعتِبارُ الضَّمانِ بيَومِ التَّلَفِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (اعتِبارُ الضَّمانِ بيَومِ التَّلَفِ) [4301] يُنظر: ((الإنصاف)) للمرداوي (15/263). ، وصيغةِ: (مَن أتلَف شَيئًا لَزِمَته قيمَتُه وقتَ التَّلَفِ) [4302] يُنظر: ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/121). ، وصيغةِ: (القيمةُ مُعتَبَرةٌ يَومَ التَّلَفِ) [4303]  يُنظر: ((الروايتين والوجهين)) لأبي يعلى (1/ 414). ، وصيغةِ: (القيمةُ تُعتَبَرُ يَومَ الإتلافِ) [4304] يُنظر: ((شرح مختصر الكرخي)) للقدوري (4/ 357)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/ 315). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الشَّيءُ المَضمونُ هَل يُضمَنُ بقيمَتِه وقتَ تَلَفِه أو وقتَ أدائِه أوِ الأعلى مِنَ الأوقاتِ؟ فالشَّيءُ قد تَتَغَيَّرُ قيمَتُه مِن وقتِ غَصبِه مَثلًا أوِ استِعارَتِه إلى وقتِ رَدِّه، فبأيِّ قيمةٍ يُضمَنُ مِن هذه القيَمِ عِندَ اختِلافِها؟ وقَعَ خِلافٌ بَينَ العُلَماءِ في ذلك بَينَ مَن يوجِبُ ضَمانَ الشَّيءِ بقيمَتِه يَومَ تَلَفِه، ومَن يوجِبُ ضَمانَه بالأعلى مِن قِيَمِه المُتَعَدِّدةِ، ومَن يوجِبُ قيمَتَه بيَومِ أدائِه [4305] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/30)، ((الإنصاف)) للمرداوي (15/263)، ((شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/121). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
استَدَلَّ مَن قال: تَجِبُ بقيمةِ يَومِ التَّلَفِ، بالمَعقولِ على النَّحوِ التَّالي:
أنَّ الأصلَ فيما يَجِبُ رَدُّه رَدُّ العَينِ، والتَّحَوُّلُ إلى القيمةِ سَبَبُه فواتُ رَدِّ العَينِ، وهذا إنَّما يَتَحَقَّقُ بالتَّلَفِ، فيَكونُ المُعتَبَرُ وَقتَ التَّلَفِ [4306] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (5/384)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (10/394،393). .
والحَقُّ قدِ انتَقَلَ إلى القيمةِ يَومَ التَّلَفِ، فاعتُبرَت قيمةُ ذلك اليَومِ [4307] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (3/30).
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- العاريَّةُ إذا تَلِفَت في يَدِ المُستَعيرِ ضَمِنَها -سَواءٌ تَلِفَت بآفةٍ سَماويَّةٍ أو بتَقصيرٍ، أو مِن غَيرِ تَقصيرٍ- بقيمَتِها يَومَ التَّلَفِ، في الأصَحِّ عِندَ الشَّافِعيَّةِ [4308] يُنظر: ((العزيز)) للرافعي (5/376،375). .
2- إذا انفسَخَ البَيعُ بالتَّحالُفِ أو فُسِخَ لَزِمَ المُشتَريَ رَدُّ المَبيعِ إن كان باقيًا بحالِه، ويبقى له الولَدُ والثَّمَرةُ والكَسبُ والمَهرُ، وإن كان تالفًا لَزِمَه قيمَتُه، سَواءٌ كانت أكثرَ مِنَ الثَّمَنِ الذي يَدَّعيه البائِعُ أم لا، وفي القيمةِ المُعتَبَرةِ أوجهٌ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، أصَحُّها: قيمةُ يَومِ التَّلَفِ [4309] يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (3/584)، ((كفاية النبيهـ)) لابن الرفعة (9/302). .
3- إن تَلِفَتِ العَينُ التي استُؤجِرَ الأجيرُ على العَمَلِ فيها، فإن كان التَّلَفُ بتَفريطٍ بأنِ استَأجَرَه ليَخبِزَ له فأسرَف بأن تَركَه في النَّارِ حَتَّى احتَرَقَ، ضَمِنَه؛ لأنَّه هَلَكَ بعُدوانٍ، فلَزِمَه الضَّمانُ، ويُضمَنُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ بقيمَتِه أكثَرَ ما كانت مِن حينِ القَبضِ إلى حينِ التَّلَفِ، وبَعضُهم قال: يَلزَمُه قيمَتُه وَقتَ التَّلَفِ كالمُستَعيرِ [4310] يُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (2/267)، ((روضة الطالبين)) للنووي (5/228). .
4- البَيعُ الفاسِدُ إن قَبَضَه المُشتَري يَكونُ المَبيعُ فيه مَضمونًا عليه، فلَو تَلِف في يَدِه لَزِمَته قيمَتُه للبائِعِ بأقصى القيَمِ، مِن يَومِ القَبضِ إلى يَومِ الفواتِ، وقيلَ: يُعتَبَرُ بقيمَتِه يَومَ التَّلَفِ؛ فإنَّ الأصلَ فيما يَجِبُ رَدُّه رَدُّ العَينِ، والتَّحَوُّلُ إلى القيمةِ سَبَبُه فَواتُ رَدِّ العَينِ، وهذا إنَّما يَتَحَقَّقُ بالتَّلَفِ [4311] يُنظر: ((المدونة)) لسحنون (3/325)، ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (5/384،383). .

انظر أيضا: