موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: يَجِبُ الضَّمانُ بأربَعةِ أشياءَ: اليَدِ، والمُباشَرةِ، والتَّسَبُّبِ، والشَّرطِ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (يَجِبُ الضَّمانُ بأربَعةِ أشياءَ: اليَدِ، والمُباشَرةِ، والتَّسَبُّبِ، والشَّرطِ) [4282] يُنظر: ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/154)، ((القواعد)) للحصني (3/420). ، وصيغةِ: (جِهاتُ الضَّمانِ ثَلاثٌ: المُباشَرةُ بالجِنايةِ، والسَّبَبُ، واليَدُ العاديَةُ) [4283] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/398). ، وصيغةِ: (أسبابُ الضَّمانِ في الشَّريعةِ ثَلاثٌ: الإتلافُ، أوِ التَّسَبُّبُ للإتلافِ، أو وَضعُ اليَدِ التي ليست مُؤمِنةً) [4284] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/317). ، وصيغةِ: (أسبابُ الضَّمانِ ثَلاثةٌ: عَقدٌ، ويَدٌ، وإتلافٌ) [4285] يُنظر: ((القواعد)) لابن رجب (2/ 208). ، وصيغةِ (أسبابُ الضَّمانِ أربَعةٌ: عَقدٌ، ويَدٌ، وإتلافٌ، وحَيلولةٌ) [4286] يُنظر: ((المنثور)) للزركشي (2/ 322). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
يَجِبُ الضَّمانُ عِندَ الشَّافِعيَّةِ بأربَعةِ أشياءَ: اليَدِ، والمُباشَرةِ، والتَّسَبُّبِ، والشَّرطِ.
أوَّلًا: الضَّمانُ باليَدِ، واليَدُ إمَّا أمينةٌ أو غَيرُ أمينةٍ؛ فالأمينةُ كيدِ المودَعِ لا تَضمَنُ إلَّا بالتَّفريطِ والتَّعَدِّي، وغَيرُ الأمينةِ كالغاصِبِ، تَضمَنُ على كُلِّ حال.
ثانيًا: الضَّمانُ بالمُباشَرةِ، وهيَ إيجادُ عِلَّةِ الهَلاكِ، فمَن باشَرَ إتلافًا أو قَتلًا فيَجِبُ عليه ضَمانُ ما أتلَف أو قَتَلَ إذا كان مُتَعَدِّيًا.
ثالثًا: الضَّمانُ بالتَّسَبُّبِ، وهو إيجادُ عِلَّةِ المُباشَرةِ، وهو كُلُّ ما يَكونُ المُتَسَبِّبُ به مُتَعَدِّيًا، كحَفرِ البئرِ في مَحَلِّ العُدوانِ.
رابعًا: الضَّمانُ بالشَّرطِ، وهو إيجادُ ما يَتَوقَّفُ عليه الإتلافُ، وليس بمُباشَرةٍ ولا تَسَبُّبٍ، كالمُمسِكِ مَعَ المُباشِرِ أوِ المُتَسَبِّبِ؛ لأنَّه لَم يَصدُرْ مِنه شَيءٌ مِن أجزاءِ القَتلِ، وإنَّما هو مُمكِّنٌ للقاتِلِ مِنَ القَتلِ، ومِثلُ تَقديمِ الطَّعامِ المَسمومِ أوِ المَغصوبِ إلى الضَّيفِ [4287] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لأبي المعالي الجويني (4/398)، ((قواعد الأحكام)) للعز بن عبد السلام (2/154)، ((الفروق)) للقرافي (2/206)، ((القواعد)) للحصني (3/420)، ((القواعد الفقهية)) لمحمد الزحيلي (1/478). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ ما سَبَقَ مِن أدِلَّةٍ في قاعِدةِ (على اليَدِ ما أخَذَت حَتَّى تُؤَدِّيَهـ) و(المُتَعَدِّي ضامِنٌ).
ويُضافُ إليها مِنَ السُّنَّةِ:
عَن عَمرِو بنِ عَوفٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلمونَ عِندَ شُروطِهم)) [4288] أخرجه البُخاريُّ مُعَلَّقًا بصيغةِ الجَزمِ قَبل حَديث (2274) واللَّفظُ له، دونَ ذِكرِ راويه، وأخرَجَه مَوصولًا التِّرمِذيُّ (1352) باختِلافٍ يَسيرٍ. ذَكَرَ ثُبوتَه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/322). وذهب إلى تصحيحه ابن حبان كما في ((بلوغ المرام)) (257)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1352)، وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحيحٌ، وقَوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (8/209). وأخرَجَه مَوصولًا أبو داوُد (3594) باختِلاف يَسير مِن حَديثٍ أبي هرَيرة رَضيَ الله عنه حسنه المناوي في ((كشف المناهج)) (2/520)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن الدارقطني)) (2890)، وقال النووي في ((المجموع)) (9/376): إسناده حسن أو صحيح، وحسن إسناده ابن كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/54)، وابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وذكر ثبوته ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/322). وذهب إلى تصحيحه ابن القيم في ((الفروسية)) (164)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (6714). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرَنا بالوفاءِ بالشُّروطِ التي ألزَمْنا أنفُسَنا بها، وعليه فمَن شَرطَ الضَّمانَ فقد لَزِمَه الوفاءُ [4289] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (3/142). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- إذا أودَعَ شَخصٌ وديعةً عِند آخَرَ فأودَعَها الثَّاني عِندَ غَيرِه مِن غَيرِ عُذرٍ، فتَلِفَت، فإنَّه يَضمَنُ؛ لأنَّه لَم يَرضَ المالِكُ بيَدِ غَيرِه [4290] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (4/500). .
2- الشَّهادةُ بالزُّورِ على رَجُلٍ بما يَقتَضي القَتلَ مِن رِدَّةٍ أو زِنًا وهو مُحصَنٌ، فقُتِلَ بتلك الشَّهادةِ، ثُمَّ تَبيَّن الأمرُ، فعليهما القِصاصُ؛ لقوَّةِ تَأثيرِ السَّبَبِ في إيجادِ القَتلِ [4291] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (3/423). .
3- إذا أمَرَ السُّلطانُ العادِلُ بقَتلِ رَجُلٍ بغَيرِ حَقٍّ فقَتَله المَأمورُ وهو يَغلبُ على ظَنِّه أنَّه لا يَأمُرُ إلَّا بحَقٍّ، فالقِصاصُ واجِبٌ على الآمِرِ؛ لأنَّه الذي ولَّدَ في المُباشِرِ ذلك الفِعلَ [4292] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (3/423). .
4- إذا حَفرَ بئرًا في مَكانٍ غَير مَأذونٍ له في الحَفرِ فيه فهَلَكَ فيه مَعصومُ النَّفسِ، فعلى المُتَسَبِّبِ في هَلاكِه -وهو حافِرُ البئرِ- الضَّمانُ [4293] يُنظر: ((الذخيرة)) للقرافي (4/434). .

انظر أيضا: