الفَرعُ الأوَّلُ: لا فَرقَ في الإتلافِ الموجِبِ للضَّمانِ بَينَ العِلمِ والجَهلِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "لا فرقَ في الإتلافِ الموجِبِ للضَّمانِ بَينَ العِلمِ والجَهلِ"
[4206] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/153)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (8/509). ، وصيغةِ: "لا فرقَ في ضَمانِ المُتلَفِ بَينَ العِلمِ والجَهلِ"
[4207] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/277). ، وصيغةِ: "الضَّمانُ يَختَلفُ باختِلافِ التَّالِفِ دونَ المُتلفِ"
[4208] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/105). ، وصيغةِ: "جَهلُ المُتلِفِ لا يَكونُ مانِعًا من وُجوبِ الضَّمانِ عليه"
[4209] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/100). ، وصيغةِ: "حُكمُ الضَّمانِ لا يَختَلِفُ بالعِلمِ والجَهلِ"
[4210] يُنظر: ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (6/48). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.إذا أفسَدَ شَخصٌ مالَ غَيرِه أو أضَرَّ به إضرارًا يَنقُصُ مِن قيمَتِه بأيِّ وسيلةٍ مِنَ الوسائِلِ، فإنَّه يَتَحَمَّلُ مسؤوليَّةَ هذا الإتلافِ، ويَلزَمُه ضَمانُ الإتلافِ أوِ النَّقصِ، سَواءٌ وقَعَ ذلك مِنه مُتَعَمِّدًا، أو وقَعَ عن طَريقِ الخَطَأِ بسَبَبِ جَهلِه؛ فلا فرقَ بَينَ حالَتَيِ العِلمِ والجَهلِ في ثُبوتِ الضَّمانِ، بَل يَثبُتُ الضَّمانُ في كِلتا الحالَتَينِ؛ لأنَّه مُتَعَلِّقٌ بالإتلافِ، فحَيثُما وقَعَ ثَبَتَ الضَّمانُ، ولَكِنَّ العِلمَ والجَهلَ يُؤَثِّرُ في الإثمِ، فالجاهِلُ لا يَأثَمُ بما وقَعَ مِنه مِن إتلافٍ بخِلافِ العالِمِ، وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (يَصِحُّ ضَمانُ كُلِّ جائِزِ التَّصَرُّفِ)
[4211] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (15/105)، ((المبسوط)) للسرخسي (11/100)، ((المغني)) لابن قدامة (7/153)، ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/277)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (8/509). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ:
وهو أنَّ الضَّمانَ في مُقابِلِ الإتلافِ، فاستَوى فيه العامِدُ والجاهِلُ، كَغَراماتِ الأموالِ
[4212] يُنظر: ((البناية)) للعيني (4/377). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.مِنَ الأمثِلةِ على هذه القاعِدةِ:
1- النَّائِمُ إذا انقَلَبَ على إنسانٍ فقَتَلَه، فيجري هذا مَجرى الخَطَأِ حَتَّى تَجِبَ الدِّيةُ على عاقِلَتِه، وتَلزَمُه الكَفَّارةُ، ولا عِبرةَ بالخَطَأِ وما جَرى مَجراه في سُقوطِ الضَّمانِ
[4213] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (26/68). .
2- إن رَمى صَيدًا فأصابَ شاةً لَزِمَه الضَّمانُ؛ لأنَّ حُكمَ الضَّمانِ لا يَختَلفُ بالعِلمِ والجَهلِ، ولا العَمدِ والخَطَأِ
[4214] يُنظر: ((تبصرة الحكام)) لابن فرحون (2/333). .
3- إذا أتلَف قائِدُ السَّيَّارةِ شَيئًا بسَيَّارَتِه وهو في طَريقِه، فإنَّ عليه الضَّمانَ
[4215] يُنظر نحوه: ((القواعد والأصول الجامعة)) للسعدي (ص: 95). .
4- إذا اصطَحَبَ شابٌّ كَلبًا مِنَ الكِلابِ المَعروفةِ بالشَّراسةِ في أسواقِ النَّاسِ وطُرُقاتِهم، فأَفلَتَ الكَلبُ وأتلَفَ شَيئًا، أو آذى أحَدَ المارَّةِ، فإنَّه يَضمَنُ
[4216] يُنظر نحوه: ((القواعد والأصول الجامعة)) للسعدي (ص: 95). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.تَقييدٌ:قَيَّدَ بَعضُ العُلَماءِ هذه القاعِدةَ بحُقوقِ الآدَميِّينَ؛ لكَونِه مِن بابِ الحُكمِ الوضعيِّ، أمَّا حُقوقُ اللهِ فإنَّ فيها فرقًا بَينَ العِلمِ والجَهلِ في ضَمانِ المُتلَفاتِ، فمَن كان عالِمًا وجَبَ عليه الضَّمانُ وحَلَّ عليه الإثمُ، ومَن كان جاهلًا سَقَطَ عنه الضَّمانُ والإثمُ
[4217] يُنظر: ((القواعد والأصول الجامعة)) للسعدي (ص: 95)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (7/ 197)، ((تيسير مسائل الفقهـ)) لعبد الكريم النملة (2/ 534)، ((القواعد والضوابط الفقهية في الضمان المالي)) للهاجري (ص: 329). .
استِثناءٌ:ذَكَرَ ابنُ السُّبكيِّ وغَيرُه عِدَّةَ استِثناءاتٍ لهذه القاعِدةِ، مِنها
[4218] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن السبكي (1/277)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/ 94- 95). :
1- إذا استَعمَلَ العاريَّةَ بَعدَ الرُّجوعِ جاهلًا فلا تَجِبُ عليه الأُجرةُ فيما إذا ذَكَرَ.
2- إذا جُنَّ المُحرِمُ ثُمَّ قَتَلَ صَيدًا، فلا جَزاءَ واجِبٌ في الأظهَرِ مِنَ القَولَينِ.
3- إذا قَتَلَ مُسلِمًا -ظَنَّ كُفرَه- بدارِ الحَربِ، فالأصَحُّ: لا تَجِبُ الدِّيةُ.
4- إذا رَمى إلى مُسلمٍ تَتَرَّس به المُشرِكونَ فلا ديةَ إذا جَهِلَ إسلامَه.