موسوعة القواعد الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: يَصِحُّ ضَمانُ كُلِّ جائِزِ التَّصَرُّفِ في مالِه


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: (يَصِحُّ ضَمانُ كُلِّ جائِزِ التَّصَرُّفِ في مالِهـ) [4195] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (7/79). ، وصيغةِ: (يَصِحُّ ضَمانُ المُكَلَّفِ المُطلَقِ) [4196] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/185). ، و(لا يَصِحُّ الضَّمانُ إلَّا مِن جائِزِ التَّصَرُّفِ) [4197] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (2/129). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
الضَّمانُ هو ضَمُّ ذِمَّةِ شَخصٍ إلى ذِمَّةِ آخَرَ في التِزامِ دَينِه، فإذا قال لرَجُلٍ: أنا ضامِنٌ ما لَك على فُلانٍ، أو أنا به زَعيمٌ أو كَفيلٌ أو قَبِيلٌ أو حَميلٌ، أو هو علَيَّ- صارَ ضامِنًا له، وثَبَتَ في ذِمَّتِه مَعَ بَقائِه في ذِمَّةِ المَدينِ، ولصاحِبِ الدَّينِ مُطالَبةُ مَن شاءَ مِنهما، وحَتَّى يَصِحَّ الضَّمانُ يَجِبُ أن يَكونَ الضَّامِنُ مِمَّن يَصِحُّ تَصَرُّفُه في المالِ، فمَن لا يَصِحُّ تَصَرُّفُه في المالِ لا يَصِحُّ ضَمانُه [4198] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/185)، ((المغني)) لابن قدامة (7/79)، ((الكافي)) لابن قدامة (2/129). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
دَلَّ على هذه القاعِدةِ السُّنَّةُ والإجماعُ والمَعقولُ:
1- مِنَ السُّنَّةِ:
عَن عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثٍ: عنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَبلُغَ، وعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وعَنِ المَجنونِ حَتَّى يُفيقَ )) [4199] أخرجه الطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3987) واللفظ له، والبيهقي (21624) باختلاف يسير. صححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، وحسنه ابن القيم في ((أحكام أهل الذمة)) (2/902)، وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (3987). ورُويَ عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ: لَقد عَلِمتُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((رُفِع القَلَمُ عن ثَلاثةٍ: عنِ الصَّبيِّ حتَّى يَبلُغَ، وعنِ النَّائِمِ حتَّى يَستَيقِظَ، وعنِ المَعتوهِ حتَّى يَبرَأَ)). أخرجه أبو داود (4402) واللفظ له، وأحمد (1328) بنحوه صححه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنووي في ((المجموع)) (6/253)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/767)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4402)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4402). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
بَيَّنَ الحَديثُ أنَّ التَّكليفَ والقيامَ بالتَّصَرُّفاتِ المُعتَبَرةِ شَرعًا لا يَجري على غَيرِ جائِزِ التَّصَرُّفِ، كالصَّبيِّ والمَجنونِ ومَن في حُكمِهما [4200] يُنظر: ((الاستذكار)) لابن عبد البر (8/50)، ((إبراز الحكم من حديث رفع القلم)) للسبكي (ص: 52). .
2- مِنَ الإجماعِ:
قال ابنُ قُدامةَ: (يَصِحُّ ضَمانُ كُلِّ جائِزِ التَّصَرُّفِ في مالِه، سَواءٌ كان رَجُلًا أوِ امرَأةً؛ لأنَّه عَقدٌ يُقصَدُ به المالُ، فصَحَّ مِنَ المَرأةِ كالبَيعِ، ولا يَصحُّ مِنَ المَجنونِ والمُبرسَمِ، ولا مِن صَبيٍّ غَيرِ مُمَيِّزٍ، بغَيرِ خِلافٍ) [4201] ((المغني)) (7/ 79). .
3- مِنَ المَعقولِ:
وهو أنَّ الضَّمانَ تَبَرُّعٌ بالتِزامِ مالٍ، ومَن ليس أهلًا للتَّصَرُّفِ لا يَصحُّ مِنه التِزامُ المالِ [4202] يُنظر: ((الوسيط)) للغزالي (3/235)، ((المغني)) لابن قدامة (14/567). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- يَصِحُّ ضَمانُ المَرأةِ البالغةِ غَيرِ المَحجورِ عليها؛ لأنَّه عَقدٌ يُقصَدُ به المالُ، فصَحَّ مِنَ المَرأةِ كالبَيعِ [4203] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/460)، ((المغني)) لابن قدامة (7/79). .
2- لا يَجوزُ ضَمانُ مَن لَم يَبلُغْ ولا مَجنونٍ؛ لأنَّهم غَيرُ جائِزي التَّصَرُّفِ، وإنَّما يَصِحُّ ضَمانُ مَن يَجوزُ تَصَرُّفُه [4204] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/460)، ((المغني)) لابن قدامة (7/79). .
3- الأخرَسُ إن كان لا يَعقِلُ الإشارةَ بَطَلَ ضَمانُه، وإن كان يَعقِلُ الإشارةَ والكِتابةَ فضَمِن بكِتابَتِه وإشارَتِه صَحَّ، وإن ضَمِن بإشارَتِه دونَ كِتابَتِه صَحَّ ضَمانُه؛ لأنَّ الإشارةَ أُقيمَت فيه مَقامَ نُطقِه [4205] يُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (6/461)، ((بحر المذهب)) للروياني (5/493). .

انظر أيضا: