الفرعُ الثَّاني: المِثليُّ إذا دَخَلَته صَنعةٌ صارَ مِنَ المُقَوَّماتِ
أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: "المِثليُّ إذا دَخَلته صَنعةٌ صارَ مِنَ المُقَوَّماتِ"
[4147] يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/312). ، وصيغةِ: "المَوزونُ إذا دَخَلَته صَنعةٌ هَل يُقضى فيه بالمِثلِ أو بالقيمةِ؟"
[4148] يُنظر: ((إيضاح المسالك)) للونشريسي (1/323). ، وصيغةِ: "المِثليُّ إذا دَخَلته صَنعةٌ صارَ مُقَوَّمًا"
[4149] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/84). ، وصيغةِ: "المِثليُّ إذا دَخَلته صَنعةٌ تَلزَمُ فيه القيمةُ"
[4150] يُنظر: ((حاشية العدوي على شرح الخرشي على مختصر خليل)) (5/39). ، وصيغةِ: "المِثليُّ إذا دَخَلته صَنعةٌ لَزِمَتِ القيمةُ"
[4151] يُنظر: ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (6/135). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.الأشياءُ المِثليَّةُ -كالمَكِيلةِ والمَوزونةِ والمَعدودةِ ونَحوِها- مِمَّا لا يوجَدُ تَفاوُتٌ مُعتَبَرٌ بَينَ أفرادِها، إذا دَخَلَتها الصَّنعةُ فإنَّها تَتَحَوَّلُ بالصَّنعةِ مِن مِثليَّةٍ إلى قيميَّةٍ، فتُضمَنُ حينَئِذٍ بالقيمةِ لا بالمِثلِ؛ لأنَّ الصَّنعةَ تَجعَلُ المُماثَلةَ فيها عَسيرةً لتَفاوُتِ الصَّنعةِ باليَدِ الواحِدةِ فضلًا عنِ الأيادي المُتَعَدِّدةِ؛ لذا فإنَّ المِثليُّ إذا دَخَلته صَنعةٌ نَقَلَته عادةً مِن ذَواتِ المِثلِ إلى ذَواتِ القيَمِ، وهذه القاعِدةُ يَنبَغي أن تُقَيَّدَ في عَصرِنا بالصَّنعةِ اليَدَويَّةِ التي لا مِثلَ لَها، كالسَّجَّادِ اليَدَويِّ ونَحوِه مَثلًا؛ وذلك لأنَّ بَعضَ الصِّناعاتِ خَرَجَت مِنَ النِّظامِ اليَدَويِّ بنِسبةٍ كَبيرةٍ إلى نِظامِ الآلاتِ، والآلةُ تُخرِجُ مِنَ الشَّيءِ الواحِدِ عَشَراتِ الآلافِ مُتَماثِلةً في جَميعِ الصِّفاتِ بدونِ تَفاوُتٍ يُذكَرُ، ففي مِثلِ هذه الحالةِ لا يَخرُجُ المِثليُّ بالصَّنعةِ عن كَونِه مِثليًّا؛ لعَدَمِ وُجودِ تَفاوُتٍ. وتُعتَبَرُ هذه القاعِدةُ مُكَمِّلةً لقاعِدةِ (الأصلُ في المُتَقَوِّماتِ القيمةُ)
[4152] يُنظر: ((جواهر الدرر)) للتتائي (6/266)، ((شرح المنهج المنتخب)) للمنجور (1/343)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (5/79) و (6/135)، ((درر الحكام)) لعلي حيدر (3/106). .
ثالثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ. دَلَّ على هذه القاعِدةِ المَعقولُ، وذلك على النَّحوِ التَّالي:
1- أنَّ الصُّورةَ لمَّا تَعَذَّر اعتِبارُها لتَفاوُتِها اعتُبرَ المَعنى -وهو القيمةُ- دَفعًا للضَّرَرِ بقدرِ الإمكانِ
[4153] يُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (2/457). .
2- أنَّ الأشخاصَ يَتَفاوتونَ في الصِّناعةِ تَفاوُتًا كَبيرًا، فما دَخَلَته الصَّنعةُ لا يُمكِنُ فيه عادةً المُماثَلةُ؛ لتَفاوُتِهم في الصِّناعةِ
[4154] يُنظر: ((مجمع الضمانات)) لغانم البغدادي (ص: 118). .
3- أنَّ النَّاسَ يَتَفاوتونَ في الحِذقِ، فلا يُمكِنُ مُراعاةُ المُماثَلةِ في مصنوعاتِهم
[4155] يُنظر: ((درر الحكام)) لعلي حيدر (3/106). .
رابعًا: أمثِلةٌ للقاعِدةِ. تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، مِنها:
1- البُرُّ إذا طُبخَ وكان طَعامًا خَرَجَ عن كَونِه مِثليًّا، مَعَ أنَّ أصلَه مَكِيلٌ، لَكِنْ بالصَّنعةِ خَرَجَ عن كَونِه مِثليًّا، وأصبَحَ مُتَقَوِّمًا
[4156] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/121). .
2- مَن غَصَب حُليًّا فكَسَرَه وصاغَ مِنه حُليًّا آخَرَ يُخالفُه، فليس لرَبِّ المالِ أخذُ ذلك، ولَه قيمةُ الحُليِّ؛ لأنَّ المِثليَّ إذا دَخَلَته الصَّنعةُ صارَ مِنَ المُقَوَّماتِ
[4157] يُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) للباجي (5/278)، ((نهاية المطلب)) لإمام الحرمين (8/198)، ((جامع الأمهات)) لابن الحاجب (ص: 410). .
3- إذا غَصَبَ آنيةً أو كُؤوسًا مِن نُحاسٍ مَصنوعٍ فإنَّه يَضمَنُه بقيمَتِه لتَأثيرِ صِناعَتِه في قيمَتِه، وهيَ مُختَلِفةٌ
[4158] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/318). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.استِثناءٌ:يُستَثنى مِنَ القاعِدةِ الصِّناعةُ المُحَرَّمةُ؛ فإنَّها لا قيمةَ لَها شَرعًا، ومِن ذلك
[4159] يُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (2/ 347)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (6/ 22)، ((شرح المنتهى)) لابن النجار (6/ 337)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 347)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (9/ 286)، ((شرح دليل الطالب)) لعبد الله المقدسي (2/ 476). :
1- صِناعةُ أوانٍ مِن ذَهَبٍ وفِضَّةٍ.
2- صِناعةُ المَشغولاتِ الذَّهَبيَّةِ التي يَلبَسُها الرِّجالُ: فإنَّها مُحَرَّمةٌ عليهم، وتَحرُمُ صِناعَتُها.