موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الرَّابِعُ: كُلُّ ما لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ لا يَصِحُّ الإقرارُ به


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: كُلُّ ما لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ لا يَصِحُّ الإقرارُ به [3818] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 466). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
تُفيدُ القاعِدةُ أنَّ كُلَّ ما لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ لا يَصِحُّ الإقرارُ به، وما كان مِن قَبيلِ المُجمَلِ والمَجهولِ وما لا قيمةَ له، لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ، فلا يَصِحُّ الإقرارُ به، فلا بُدَّ أن يُبَيِّنَ المُقِرُّ شَيئًا له قيمةٌ؛ لأنَّه أقَرَّ بما في ذِمَّتِه، وما لا قيمةَ له لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ؛ لأنَّ الإقرارَ يَدُلُّ على ثُبوتِ الحَقِّ في الذِّمَّةِ؛ إذ هو إخبارٌ عَمَّا يَجِبُ ضَمانُه، وما لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ لا يَجِبُ ضَمانُه، فيُطالَبُ بتَفسيرِ إقرارِه [3819] يُنظر: ((البيان)) للعمراني (13/435)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/214)، ((المغني)) لابن قدامة (7/304)، ((شرح منتهى الإرادات)) لابن النجار (11/562). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ الإقرارَ لا يَصِحُّ بما لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ، فلا يَصِحُّ بالأعيانِ؛ لأنَّها لا تَثبُتُ في الذِّمَّةِ؛ إذ إنَّ مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرَ المُعَيَّنِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا أقَرَّ أنَّ لفُلانٍ في ذِمَّتِه دارًا أو سَيَّارةً أو غَيرَ ذلك مِنَ الأعيانِ لا يُقبَلُ إقرارُه ولا يَصِحُّ؛ لأنَّ هذه الأشياءَ لا تَثبُتُ في الذِّمَّةِ؛ لعَدَمِ صِحَّةِ السَّلَمِ فيها، ولا بَدَل مُتلَفٍ؛ لأنَّها غَيرُ مِثليَّةٍ [3820] يُنظر: ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/553). .
2- إذا قال المُقِرُّ: له عليَّ ألفُ دِرهَمٍ زُيوفٌ أو ناقِصةٌ أو مَكسَّرةٌ، أو إلى شَهرٍ، بكَلامٍ مُتَّصِلٍ، لَزِمَه ما أقَرَّ به على صِفَتِه؛ لأنَّه إنَّما يَلزَمُه بقَولِه، فاتُّبِعَ قَولُه فيه، إلَّا أن يُفَسِّرَ الزُّيوفَ بما لا قيمةَ له، فلا يُقبَلُ؛ لأنَّه أثبَتَ في ذِمَّتِه شَيئًا، وما لا قيمةَ له لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ [3821] يُنظر: ((الكافي)) لابن قدامة (4/306). .
3- إذا أقَرَّ أنَّه غَصَبَ مِن فُلانٍ شَيئًا، ولَم يُبَيِّنْ، يَلزَمُه البَيانُ؛ لأنَّه أقَرَّ بما في ذِمَّتِه، وما لا قيمةَ له لا يَثبُتُ في الذِّمَّةِ، ولَكِن لا بُدَّ أن يُبَيِّنَ شَيئًا يتَمانَعُ في العادةِ ويُقصَدُ بالغَصبِ؛ لأنَّ ما لا يتَمانَعُ عادةً ولا يُقصَدُ غَصبُه -نَحوُ كَفٍّ مِن تُرابٍ أو غَيرِه- لا يُطلَقُ فيه اسمُ الغَصبِ [3822] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/214). .

انظر أيضا: