موسوعة القواعد الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: كُلُّ مَن له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه فأقَرَّ به لغَيرِه قُبِلَ


أوَّلًا: صيغةُ القاعِدةِ.
استُعمِلَتِ القاعِدةُ بهذه الصِّيغةِ المَذكورةِ: كُلُّ مَن له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه فأقَرَّ به لغَيرِه قُبِلَ [3785] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسيوطي (ص: 465). ، وصيغةِ: كُلُّ مَن له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه وأقَرَّ به لغَيرِه جازَ في الحُكمِ [3786] يُنظر: ((القواعد)) للحصني (4/174). ، وصيغةِ: إذا كان له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه فأقَرَّ به لغَيرِه جازَ في الحُكمِ [3787] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) للسبكي (1/330)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/79). .
ثانيًا: المَعنى الإجماليُّ للقاعِدةِ.
اشتَهَر استِعمالُ هذه القاعِدةِ عِندَ الشَّافِعيَّةِ، وهيَ تُفيدُ أنَّ مَن له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه، فأقَرَّ صاحِبُ المالِ أنَّ هذا المالَ لفُلانٍ غَيرِه، فإنَّ إقرارَه هذا يُقبَلُ على نَفسِه، أي يَصِحُّ إقرارُه في الحُكمِ، كما يَصِحُّ الإقرارُ بالعَينِ؛ لأنَّ إقرارَ الإنسانِ على نَفسِه مَقبولٌ، وحُقَّ لذلك الغَيرِ أن يُطالِبَ المَدينَ بما أقَرَّ به ذلك الرَّجُلُ الدَّائِنُ، وهذا إذا لَم يُعلَمْ حَقيقةُ أنَّه للمُقِرِّ، فإن عُلِمَ حَقيقةُ أنَّها للمُقِرِّ: فلا يَصِحُّ، ولا يَزولُ مِلكُه بالكَذِبِ [3788] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/259)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/79)، ((القواعد)) للحصني (4/174)، ((موسوعة القواعد الفقهية)) للبورنو (8/682). .
وهذه القاعِدةُ مُتَفَرِّعةٌ مِن قاعِدةِ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ)، ووَجهُ تَفَرُّعِها عنها أنَّ المالَ المُقَرَّ به في الذِّمَّةِ مَقبولٌ؛ لأنَّه ليس عَينًا؛ فإنَّ المالَ لا يَتَعَيَّنُ بالتَّعيينِ، وإنَّما تَقَعُ المُعامَلةُ به على الذِّمَمِ، ومِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ.
ثالِثًا: أدِلَّةُ القاعِدةِ.
يُستَدَلُّ لهذه القاعِدةِ بالقاعِدةِ الأُمِّ: (مِن شَرطِ الانتِقالِ إلى الذِّمَّةِ تَعَذُّرُ المُعَيَّنِ).
رابعًا: أمثلةٌ للقاعِدةِ.
تَندَرِجُ تَحتَ هذه القاعِدةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، منها:
1- إذا شَهدَ شاهدانِ أنَّ فُلانًا أقَرَّ لفُلانٍ بدارٍ، والمُقِرُّ كان مالِكًا لَها يَومَ الإقرارِ: لَم يَصِحَّ؛ لأنَّ ما كان مِلكًا له، فإقرارُه به لغَيرِه كَذِبٌ؛ لأنَّه إنَّما يُقبَلُ الإقرارُ إذا لَم يُعلَمْ حَقيقةُ أنَّه للمُقِرِّ، فإن عُلِمَ حَقيقةُ أنَّها للمُقِرِّ: فلا يَصِحُّ [3789] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/259). .
2- مَن كان له دَينٌ به رَهنٌ، فأقَرَّ به لغَيرِه، فإنَّ الرَّهنَ يَنفَكُّ؛ لأنَّه إذا أقَرَّ بأنَّ الدَّينَ صارَ لغَيرِه بوجهٍ صَحيحٍ، وتَعَيَّنَ حَملُ ذلك على الحَوالةِ إذ لا طَريقَ سِواها [3790] يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (5/103). .
خامِسًا: مُكمِلاتٌ للقاعِدةِ.
استِثناءاتٌ:
يُستَثنى مِن هذه القاعِدةِ ثَلاثُ مَسائِلَ، فكُلُّ مَن له على رَجُلٍ مالٌ في ذِمَّتِه وأقَرَّ به لغَيرِه جازَ في الحُكمِ، إلَّا في ثَلاثِ مَسائِلَ:
1- إذا أقَرَّتِ المَرأةُ بصَداقِها الذي في ذِمَّةِ زَوجِها أنَّه لغَيرِها.
2- إذا أقَرَّ الزَّوجُ ببَدَلِ الخُلعِ في ذِمَّةِ امرَأتِه أنَّه لغَيرِه.
3- إذا جَنى رَجُلٌ على رَجُلٍ، فأقَرَّ المَجنيُّ عليه بما وجَبَ له مِن أرشِ الجِنايةِ عليه في بَدَنِه أنَّه لغَيرِه.
فلا يَصِحُّ الإقرارُ في هذه المَسائِلِ الثَّلاثِ، ووَجهُ الاستِثناءِ فيها أنَّها تَختَصُّ بمَن وجَبَت له، ولا يَجوزُ أن يَثبُتَ في الابتِداءِ لغَيرِه، بخِلافِ سائِرِ الدُّيونِ؛ فإنَّ الصَّداقَ بَدَلُ البُضعِ، ولا يُتَصَوَّرُ أن يَكونَ لغَيرِ للمَرأةِ، وبَدَلُ الخُلعِ لا يَكونُ إلَّا للزَّوجِ، وأرشُ الجِنايةِ لا يَكونُ إلَّا للمَجنيِّ عليه [3791] يُنظر: ((التهذيب)) للبغوي (4/260)، ((العزيز)) للرافعي (5/291)، ((الأشباه والنظائر)) للسبكي (1/330)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (2/79)، ((القواعد)) للحصني (4/174). .

انظر أيضا: